لماذا يكره المتطرفون اليمينيون في ألمانيا اللقاحات؟
لماذا يكره المتطرفون اليمينيون في ألمانيا اللقاحات؟
مع تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك ألمانيا، تضررت أجزاء ألمانيا الشرقية السابقة بشدة بسبب إصابات الفيروس، وفي حين ظل معدل التطعيم الألماني شبه ثابت، كان ذلك يعني فشلا ملحوظا في منطقة كانت فيها اللقاحات الإجبارية جزءًا روتينيًا من الحياة، على عكس ألمانيا الغربية السابقة، لكنها تنبع من تاريخ ألمانيا الشرقية، ومن شعبية اليمين المتطرف، وحزب البديل من ألمانيا المناهض للقاحات حديثًا، يبين لماذا يكره المتطرفون اليمينيون اللقاحات.
لقاح السل "الإجباري" ووفيات "كورونا"
كان من المفترض أن يحمي تاريخ التطعيم في ألمانيا الشرقية من فيروس كورونا بشكل مباشر، وفي عام 2020، وجدت دراسة علمية أن هناك علاقة بين الاستخدام الواسع للقاح السل، وانخفاض معدل الوفيات الناجمة عن كورونا، وأشار فريق ألماني إلى أن هذا اللقاح كان إلزاميًا في ألمانيا الشرقية سابقًا، وجعل هذا من ألمانيا الحديثة موقعًا تجريبيًا مثاليًا توحده علم الوراثة والعادات ونمط الحياة، ولكنه منقسم حسب السياسات الصحية لحكومة اختفت.
ونظرًا لأن تطعيم السل يتم إعطاؤه للأطفال حديثي الولادة وأن الأشخاص الأكثر تعرضًا لخطر الإصابة فيروس كورونا هم كبار السن، بينما يتمتع المتقاعدون في ألمانيا الشرقية اليوم ببعض الحماية من طفولتهم الطويلة الماضية، وجد هذا الفريق أنه اعتبارًا من إبريل 2020، كانت الوفيات الناجمة عن كورونا أقل في ألمانيا الشرقية، لكن العلاقة بين لقاح السل ومعدل وفيات كورونا لا تزال غامضة.
في يناير 2021، اقترحت شبكة دويتشه فيله الإخبارية أن الألمان الشرقيين المعاصرين سيكونون أكثر عرضة للتطعيم من الألمان الغربيين، وبعد مرور عام، قاد حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يمثل اليمين المتطرف الألماني بشكل عام، تمثيلاً زائداً في جميع ولايات ألمانيا الشرقية السابقة باستثناء برلين، بقيادة المظاهرات المناهضة للقاحات.
وأصبحت ألمانيا الشرقية في مأزق، فقد كانت التغيرات الاقتصادية بعد إعادة التوحيد صعبة، كما استغرقت إعادة الإعمار وقتًا أطول من المتوقع، وباستثناء مدينة برلين، فإن المنطقة بأكملها بها عدد سكان مشابه لولاية بافاريا، وعدد السكان آخذ في الانخفاض، بينما الشباب يبتعدون، حيث تكشف الإحصاءات أن النسبة المئوية للسكان الذين تبلغ أعمارهم 15 عامًا فأكثر والذين يمكنهم اجتياز امتحان القبول إما لمدرسة فنية أو جامعة هي أقل مما كان في الشرق السابق، ولا تزال ألمانيا الشرقية متخلفة اقتصاديًا عن ألمانيا الغربية.
البديل من أجل ألمانيا ليس مجرد تمرد
ومن التفسيرات السهلة، شرح بزوغ نجم حزب البديل من أجل ألمانيا هناك باعتباره تمردًا لأولئك الذين تخلفوا عن الركب بسبب الرأسمالية العالمية، لكن هذه ليست الإجابة الكاملة، فمعدل البطالة المرتفع والنسبة المئوية الأعلى للمهاجرين في منطقة ما لا يرتبطان بحصة التصويت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا.
في حين أن الألمان الغربيين أكثر تفاؤلاً بشأن المستقبل وأكثر إيجابية بشأن الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن يكون لدى الألمان الشرقيين آراء غير مواتية حول الأقليات وآراء إيجابية حول البديل من أجل ألمانيا سواء كانوا راضين عن الحياة أم لا.
المطالبة بالتاريخ
ويطالب حزب البديل من أجل ألمانيا بالتاريخ القديم، خلال الحقبة السوفيتية، صراحة ووضوحا، فتعلن لافتاته "الشرق ينهض"، وتثير هتافاته احتجاجات 1989 في لايبزيج ضد حكومة ألمانيا الشرقية، ويزعم أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا أنهم يكملون الثورة التي أطاحت بدولة ألمانيا الشرقية، كما لم يكن الألمان الشرقيون أحرارًا في التعبير عن آرائهم.
وكان تبني حزب البديل من أجل ألمانيا للمعتقدات المضادة للقاح في العام الماضي خروجًا عن 70 عامًا من الممارسات التاريخية والمواقف التي شكلتها، وهو سلوك سريع للغاية، ففي ألمانيا الشرقية، كانت اللقاحات إلزامية ومنظمة، في المقابل، كان الهدف من التطعيم في ألمانيا الغربية أن يكون طوعياً، وحتى وقت قريب، انعكس الاختلاف السابق على وجود معدل أقل للمعتقدات المضادة للقاحات في الشرق الألماني السابق، مع معدل أعلى من التطعيم الطوعي.
وكان الأطباء في الشرق السابق أكثر ميلًا لتطعيم مرضاهم ضد الإنفلونزا، بينما كان المشاركون في الاستطلاع في عام 1999 من الشرق السابق أكثر عرضة للإبلاغ عن تلقيحهم ضد الإنفلونزا وأكثر عرضة للإبلاغ عن مواقف إيجابية تجاه التطعيم، بعكس حركة "كيادنكه" المتطرفة، والتي تعني بالألمانية "الناقد".
التطرف لم يكن في ألمانيا الشرقية فقط
لم تنشأ تلك الحركة في ألمانيا الشرقية السابقة، بل تأسست من قبل رائد أعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات في مدينة شتوتجارت، وهي المدينة الغنية في الغرب، وكتوضيح لمدى خصوصية الحياة الألمانية إقليمياً، كان اسمها الأصلي “كيادنكه 711” كرمز لمنطقة شتوتجارت، في حين أن الألمان الشرقيين كانوا غير متدينين إلى حد كبير، لكن بعض شخصيات الحركة الرئيسية هم -أو كانوا- من الدعاة الدينيين، مثل صمويل إيكرت، زعيم السبتيين السابق، لكنها رغم ذلك وجدت أرضية خصبة وشعبية في الشرق الألماني السابق، وقام أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا بالتظاهر.
اليمين المتطرف و"كيو أنون"
ويستخدم اليمين المتطرف وسائل أخرى في الولايات المتحدة، حيث يعارض بشدة لقاح فيروس كورونا، ويتبنى معظم آراء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ولا يزال العديد من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول اليمينية أو المؤمنين بنظرية مؤامرة "كيو أنون"، التي ترى وجود خطّة سرية مزعومة لما يُسمّى بالدولة العميقة في الولايات المتحدة ضدّ دونالد ترامب وأنصاره، غير محصنين، مما أدى إلى انتشار المتغير أوميكرون الخاص بفيروس كورونا.
ومن المفارقات، أن ترامب نفسه فخور بأنه ساعد في تمويل اللقاح، وتم تطعيمه بجرعات معززة بالكامل، وكانت المعارضة لما يسمى بالطب المؤسسي والتيار السائد شائعة بالفعل في ألمانيا، وقد اندمجت الآن مع هوس ترامب، الذي أصبح رمزًا لليمين المتطرف العالمي، وتضم حركة "كيادينكه" المؤمنين بمؤامرة “كيو أنون”.
يعتقد المتطرفون اليمينيون أنهم منخرطون في صراع عالمي ضد عدو عالمي وبالتالي يجب عليهم التواصل والتعاون عبر الحدود، ويتكون اليمين المتطرف من العديد من الظواهر المرتبطة عالميًا، ولكن كما يظهر تأثير حزب البديل من أجل ألمانيا، فإن أضراره تتضح على نحو إقليمي.