"زلزال المغرب".. تلاحم المغاربة في الأزمات يظهر من جديد ومخاوف من تكرار الهزة
"زلزال المغرب".. تلاحم المغاربة في الأزمات يظهر من جديد ومخاوف من تكرار الهزة
المغاربة أظهروا تضامناً وتآزراً كبيرين مع إخوتهم المتضررين
عضوة في جمعية بمراكش: لا يزال الخير في المغرب.. وتصل إلينا تبرعات من داخله وخارجه
مسؤول في جمعية بمكناس: المغاربة لديهم الحس الوطني والاجتماعي
صيدلانية تجمع تبرعات في سلا: نسبة التجاوب مع مبادرتي بلغت 100%
مغاربة خائفون من تكرار الزلزال والهزات الارتدادية مستمرة
المغرب - سامي جولال
تضامن شعبي وتآزر كبيران أظهرهما المغاربة تجاه إخوتهم في المناطق المتضررة من "زلزال الحوز"، الذي ضرب البلاد، الجمعة 8 سبتمبر، وخلّف خسائر كبيرة بشرية ومادية، وفاجعة هزت قلوب المغاربة، لكنها أبانت -في المقابل- من جديد عن تلاحمهم في أوقات الشدة والأزمات.
وغزت مواقعَ التواصل الاجتماعي في المغرب مقاطعُ فيديو، وصورٌ توثق ازدحام أسواق ممتازة بمغاربة يقتنون سلعاً متنوعة، لإرسالها إلى سكان المناطق المتضررة، وأيضاً تفاعلهم الكبير مع مبادرات جمع التبرعات والمساعدات، التي أطلقتها جمعيات وكذلك أفراد، إذ يتوافدون بأعداد كبيرة على الأماكن المخصصة للتبرع، حيث يسهم كل واحد منهم بما استطاع من مبالغ مالية، أو أغذية، أو أدوية، أو أفرشة، أو خيام، أو غيرها من المواد الأخرى، التي من شأنها مساعدة سكان المناطق المتضررة خلال هذه المحنة.. ولم يقتصر تقديم التبرعات والمساعدات على مغاربة الداخل، بل شمل أيضاً مغاربة المهجر.
وتستمر مخاوف مغاربةٍ من حدوث زلزال آخر، ما يدفع بعضهم إلى المبيت في الشارع، كما يحدث في مدينة مراكش (جنوب)، في الوقت الذي يستمر فيه تسجيل هزات ارتدادية ويتوقع خبراء أن تستمر فترة طويلة.
تبرعات من الداخل والخارج
قالت ياسمين الربعي، وهي عضوة في مكتب جمعية "مغرب شباب" بمدينة مراكش (جنوب)، إنهم "في هذه الجمعية، وإلى جانبهم جمعيات وشباب من المدينة نفسها، وشباب من مدن أخرى، يجمعون التبرعات من مراكش، ومن جميع أنحاء المغرب، ومن الخارج أيضاً، ويوزعونها منذ يوم السبت 9 سبتمبر، اليوم التالي ليوم حدوث الزلزال، على السكان، في مناطق متضررة تقع في إقليم الحوز (جنوب)، مركز حدوث الزلزال، وسيواصلون في الأيام المقبلة توزيع المساعدات في تارودانت (جنوب)، وورزازات (الجنوب الشرقي)، اللتين تضررت مناطق تابعة لهما بشكل كبير، بسبب الزلزال".
ياسمين الربعي
وأوضحت الربعي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنهم "نشروا على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي إعلاناً يحتوي على بيانات التواصل معهم، ورقم حسابهم البنكي، وأنهم يتلقون المبالغ المالية عبر هذا الأخير، في حين يتلقون المواد الغذائية، والملابس، والأغطية، في مستودع في حي كَيليز بمدينة مراكش، أو في مستودع آخر أكبر يقع في طريق أوريكا بالمدينة نفسها إذا كانت الكميات كبيرة، ثم يقومون بتصنيف التبرعات، قبل نقلها إلى مناطق متضررة على متن سيارات أعضاء في الجمعية، ومتطوعين، وكذا شاحنات خصصها أصحابها بشكل تطوعي لهذا الغرض".
تضامن أهل المغرب
وأضافت الربعي أن "الخير لا يزال موجوداً في المغرب، وأن الناس فيه لا يزالون يتعاونون، وأن المغاربة لم يخيبوا ظنهم، إذ إنهم بمجرد نشرهم الإعلان الخاص بجمع التبرعات على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتوقف الاتصالات على هاتفها، وأن الكثير من الناس قدموا لهم تبرعات، وتوصلوا بمبالغ مالية، وتلقوا اتصالات من أشخاص يخبرونهم بأنهم لا يتوفرون على أموال، واقترحوا عليهم المشاركة في تحميل المساعدات على الشاحنات، التي تنقلها إلى سكان مناطق متضررة، كما توصلوا بتبرعات من مغاربة في إسبانيا، وسويسرا، وفرنسا، أغلبها مبالغ مالية، إلى جانب أغذية وأغطية، في حين لا تزال تبرعات أخرى في طريقها إلى المغرب"، مبينة أنهم "تلقوا من مغاربة الخارج المبالغ المالية أكثر من الأغذية والأغطية، لأن هؤلاء خافوا ألا تصل هذه الأخيرة إلى المتضررين في الوقت المطلوب، وأنهم لا يزالون يتلقون في جمعيتهم اتصالات من مغاربة داخل وخارج المغرب، يريدون إمدادهم بتبرعات".
وأفادت الربعي بأنهم "وزعوا المساعدات يوم السبت 9 سبتمبر في منطقة ويركَان بإقليم الحوز، حيث كان المنظر يقطع القلب، إذ وجدوا الناس بدون أكل، وبدون مبيت، ويعانون من البرد، قبل أن يزوروا يوم الأحد 10 سبتمبر منطقة تاساويركَان في الإقليم نفسه، في حين لم يستطيعوا الوصول إلى منطقة ثلاث نيعقوب الواقعة أيضاً في إقليم الحوز، بسبب الأحجار التي أغلقت الطريق، وفي طريق العودة قدموا مساعدات لسكان قرى منطقة أسني في الإقليم ذاته، عبارة عن مواد غذائية أساسية، وقدموا للأطفال الصغار، الذين لا يستوعبون ما حدث بسبب صغر سنهم، حفاظات، ولُعباً، وحلويات، بينما توجهوا يوم الاثنين 11 سبتمبر إلى منطقتي أوريكا وستي فاضمة في الإقليم نفسه، حيث القرى متضررة جدّاً"، مبرزة أنهم "بعدما يقدمون أقصى ما يستطيعون تقديمه من مساعدات في مناطق إقليم الحوز، سيشرعون في التوزيع في المناطق التابعة لتارودانت (جنوب)، وورزازات (الجنوب الشرقي)، التي تضررت كذلك بشكل كبير، ولم يتحدث عنها أحد، وأن الجميع يرون فقط إقليم الحوز، لأن سكانه استطاعوا إيصال صوتهم، بينما ورزازات متضررة أكثر من الحوز وتارودانت".
خوف مستمر
وفي جانب متصل بآثار الزلزال، قالت الربعي، إن "سكان مدينة مراكش يعيشون حتى الآن خوفاً مستمرّاً من حدوث زلزال آخر، إذ تكون الأوضاع في المدينة خلال النهار عادية جدّاً، كأن شيئا لم يقع، وكأنه لم يحدث أي زلزال، وأن من السكان من يقضون يومهم كاملاً في منازلهم، لكن عندما يحل الليل يخرجون إلى الشوارع التي تصبح ممتلئة بالناس الذين يبيتون فيها، لأنهم أصبحوا يعتقدون أن الزلزال يحدث في الليل فقط"، موضحة "أن أولئك الناس ليسوا في حاجة إلى المساعدات، لأن لديهم الإمكانيات ليشتروا لأنفسهم أي شيء يريدونه".
ويستمر تسجيل هزات ارتدادية، بضواحي مراكش، والتي تراوحت درجاتها -بحسب تصريحات لمدير المعهد الوطني للجيوفيزياء في المغرب، ناصر جبور، للإعلام- ما بين 2.7 و2.4 على مقياس ريختر، في حين بلغت أقواها 3.1 درجة على المقياس نفسه، موضحاً أنه يمكن أن تستمر هذه الهزات بضعة أسابيع، وأنها تنخفض بشكل مستمر، وأكثر من 95% منها لن يشعر به السكان، إلا في أوقات قليلة.
وكان المعهد الوطني للجيوفيزياء في المغرب قد أفاد بأن شدة الزلزال، الذي ضرب عدة مناطق في البلاد ليلة الجمعة 8 سبتمبر، وحدد مركزه في جماعة إيغيل بإقليم الحوز (جنوب)، بلغت 7.2 درجة على مقياس ريختر، وقال رئيس المعهد إن الزلزال هو الأعنف منذ قرن.
حس وطني واجتماعي
وفي مدينة مكناس (شمال شرق)، أطلقت 3 جمعيات، وهي "فاعل خير"، و"الكشفية الحسنية المغربية-فرع مكناس"، و"منتدى فكر وحوار"، مبادرة "قافلة أهل مكناس التضامنية لفائدة ضحايا زلزال 8 سبتمبر، نداء استغاثة من أجل تقديم الدعم العيني، والمادي، والمعنوي، لفائدة المتضررين".
رشيد أهلال، أمين مال فرع "الكشفية الحسنية المغربية" في مكناس المنزه، قال إن "الجمعيات الثلاث قررت التضامن مع المتضررين بهذا الزلزال، وحاولت تعبئة المنخرطين فيها، والمتعاطفين معها، وأصدقائها، في مدينة مكناس، وتشجيعهم على تقديم يد العون للمتضررين".
رشيد أهلال
وأضاف أهلال، في حديث مع "جسور بوست"، أن "المغاربة لديهم الحس الوطني والاجتماعي، وأن الخير موجود في هذا البلد وفي مواطنيه، وأن سكان مكناس لبَّوا نداء الجمعيات الثلاث، إذ تصل إلى جمعية "الكشفية الحسنية المغربية-فرع مكناس" في مقرها، مجموعة من المواد الغذائية، من بينها الحليب، والماء المعدني، والزيوت، والدقيق، والتمر، وعلب التونة، والجبن، والشاي، والسكر، والمعجنات، والمربى، والشوكولاتة، والأرز، إلى جانب حلويات وحفاظات بالنسبة للأطفال الصغار، وورق الحمام، ومواد النظافة والتطهير، والأغطية، والأفرشة"، موضحاً أن "هناك أشخاصاً يسكنون في مدينة مكناس، ويوجدون خارجها حاليّاً، تواصلوا معهم، وطلبوا منهم الذهاب إلى أقاربهم، أو إلى أصحاب محلات بقالة يتعاملون معهم، لمنحهم مساعدات".
وأفاد أهلال بأنهم "يتفادون تلقي مبالغ مالية، لأن القيام بذلك يتطلب ترخيصاً من السلطات، وأنهم يطلبون من الأشخاص الذين يأتون إليهم بمبالغ مالية لمساعدة المتضررين، اقتناء مواد عينية وإحضارها، في حين يمكن أن يقدم مكتب كل جمعية من الجمعيات الثلاث مبلغاً ماليّاً، لتوفير البنزين، ووسائل النقل، لإيصال المساعدات إلى المتضررين".
وسيتم توزيع المساعدات، التي ستجمعها الجمعيات الثلاث المذكورة، على المتضررين ابتداء من يوم الجمعة، بحسب أهلال، الذي أوضح أنهم "لم يحددوا بعد وجهتهم بنسبة 100%، لكن بحكم أن مراكش ذهب إليها الكثير من الناس بالمساعدات، واستفادت بالقدر الكافي، فإنهم يقترحون الذهاب إلى نواحي تارودانت، لأن هناك قرى لم تستفد بعد، حسب ما يرونه في مواقع التواصل الاجتماعي"، مبرزاً أنهم "ينتظرون أن تفتح السلطات المحلية الطريق، وتفك العزلة عن تلك القرى، وأنهم ينسقون مع جمعيات المجتمع المحلي في تلك المنطقة، لكي يستهدفوا المكان، الذي لم يستفد سكانه".
وأعلنت وزارة الداخلية المغربية، في حصيلة غير نهائية أن عدد وفيات الزلزال بلغ 2946 شخصاً، تم دفن 2944 منهم، بينما وصل عدد الجرحى إلى 5674 شخصاً، حتى ليل الأربعاء 13 سبتمبر.
تجاوب بنسبة 100%
أما أمال زهير، صيدلانية في مدينة سلا (بجوار العاصمة الرباط)، فقد أطلقت مبادرة فردية لجمع التبرعات لفائدة المتضررين من الزلزال، بعدما “رأت الناس في تلك المناطق، عبر وسائل الإعلام، في حاجة إلى الأغذية، ويعانون البرد، وغيرها من مظاهر المعاناة الأخرى”، بحسب ما قالته لـ"جسور بوست".
أمال زهير
وأضافت زهير أنها "نشرت صباح يوم الاثنين 11 سبتمبر إعلاناً لجمع التبرعات في إنستغرام، وفيسبوك، وواتساب، وأن التجاوب بلغ نسبة 100%"، موضحة أن "كل من رأى الإعلان وكل من سمع عنه من زبائنها، والسكان القريبين من صيدليتها وأفراد عائلتها وغيرهم، أتوا إلى صيدليتها في مدينة سلا التي تتلقى فيها التبرعات، وساعدوا بالقليل أو بالكثير، إذ هناك من اقتنى الدواء، وهناك من أتى بالملابس، وهناك من قدم أموالاً".
وأوضحت زهير، في حديثها مع "جسور بوست"، أنها “ستجمع تلك التبرعات، وستقدم هي أيضاً تبرعاً، وستتكفل بتوفير وسيلة النقل التي ستنقلها إلى المتضررين، كما أفادت بأنها "تحاول جمع كمية كبيرة من المساعدات، ليتمكنوا من التوزيع في جميع المناطق".
وتواصل السلطات العمومية جهودها، لإنقاذ وإجلاء الجرحى، والتكفل بالمصابين من الضحايا، وفتح الطرق التي تضررت جراء الزلزال، معبئة كل الإمكانات اللازمة لمعالجة آثار هذه الفاجعة المؤلمة.