في يومها العالمي.. قيود وتحديات تواجه حرية الصحافة في العالم العربي

في يومها العالمي.. قيود وتحديات تواجه حرية الصحافة في العالم العربي

في عالم تتشابك فيه الأحداث وتتضارب فيه المصالح، باتت حرية الصحافة بمثابة منارة تنير دروب الحقيقة وترشد الشعوب، لكن في العالم العربي، تحولت هذه المنارة إلى شعلة خافتة، تصارع قيودًا تكبل أنفاسها وتعيق رسالتها التنويرية.

وتؤكد البيانات والأرقام حجم التحديات التي تواجه حرية الصحافة في العالم العربي، وتظهر مدى تأثيرها السلبي على المجتمع، ففي عام 2023 قتل 201 صحفي عربي وفقًا لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، وأكثر من 300 صحفي عربي معتقل حاليًا، وفقًا للجنة لحماية الصحفيين.

كذلك فإن أكثر من 50% من الصحفيين العرب يمارسون الرقابة الذاتية خوفًا من الملاحقة أو الاعتقال، وما نسبته 70% من المواقع الإلكترونية العربية محجوبة في بعض الدول العربية، وتصنف 12 دولة  من أصل 22 دولة عربية ضمن "أعداء الإنترنت"، وفقًا لمنظمة "مراسلون بلا حدود". 

ووفقًا لتقارير متخصصة، يعاني العالم العربي من قيود جاثمة تحد من حرية الصحافة وتحولها إلى سجينة خلف قضبان من القوانين المقيدة والممارسات المتسلطة، فالقوانين المفروضة على وسائل الإعلام والنشر وقوانين مكافحة "الإرهاب" والجرائم الإلكترونية تشكل سيفًا مسلطًا على رقاب الصحفيين، حيث تستخدم لقمع الأصوات المعارضة وإسكات المناشدين بالتغيير. 

ولا تقتصر القيود على الجانب القانوني فحسب، بل تمتد إلى التدخل السياسي حيث تمارس الحكومات العربية ضغوطًا سياسية على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية، مما يجبرها على الالتزام بالخط الرسمي وتجنب نشر أي معلومات تنتقدها أو تحرجها. 

ويواجه الصحفيون العرب تحديات إضافية نتيجة للعادات والتقاليد البطريركية التي تحد من حريتهم في التعبير والتنقل، مما يعيق ممارسة مهنتهم بحرية. 

ويتعرض الصحفيون العرب لتحديات جمة في ممارسة مهنتهم، حيث يتعرضون للاعتداءات الجسدية والقتل أثناء أداء عملهم، وخاصة في مناطق الصراع، مما يشكل رسالة خوف تهدد سلامتهم وتعيق ممارستهم لواجبهم. 

كما يتعرضون للاعتقال التعسفي والاحتجاز دون محاكمة، مما يقيد حريتهم ويعيق قدرتهم على ممارسة عملهم بحرية، ويتعرضون أيضًا للمضايقات والترهيب من قبل السلطات والجماعات المسلحة، مما يجبرهم على ممارسة الرقابة الذاتية وتجنب نشر أي معلومات تثير غضبهم. 

وتفرض الرقابة على وسائل الإعلام في العديد من الدول العربية، مما يعيق وصول المعلومات إلى المواطنين ويحرمهم من حقهم في المعرفة.

وإضافة إلى ذلك، تواجه المؤسسات الإعلامية العربية قلة في الموارد المالية والبشرية، مما يؤثر على جودة العمل الصحفي ويعيق قدرتها على مواكبة التطورات والتغييرات. 

وتشهد المنطقة انتشار الأخبار المزيفة والشائعات على نطاق واسع، مما يصعّب على الصحفيين تقديم المعلومات الدقيقة والموثوقة للجمهور. 

ويؤكد خبراء ومحللون، أنه من أجل تحسين حالة حرية الصحافة في العالم العربي، هناك حاجة إلى إصلاحات جذرية في القوانين والتشريعات المتعلقة بحرية الصحافة وحماية الصحفيين.

ويجب أن تكون هناك ضمانات لحرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات، ويجب أن تتوقف المضايقات والاعتداءات على الصحفيين ويتم معاقبة المسؤولين عن تلك الجرائم، علاوة على ذلك، تعزيز الوعي بأهمية حرية الصحافة ودورها في المجتمع، وتشجيع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية على دعم حرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين. 

ومن المهم أيضًا تشجيع التكنولوجيا والابتكار في مجال وسائل الإعلام والاتصال، حيث يمكن أن تلعب وسائل الإعلام الجديدة والمنصات الرقمية دورًا هامًا في تعزيز حرية الصحافة وتوفير منصات للتعبير الحر. 

فحرية الصحافة تعد أحد أركان الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتعزز الشفافية والمساءلة والتنمية، ومن الضروري أن يعمل المجتمع الدولي والدول العربية على تعزيز حرية الصحافة وحماية الصحفيين، وتذليل العقبات التي تحول دون ممارستهم لمهنتهم بحرية وأمان.

وفي يومها العالمي الذي يحل غدا الجمعة 3 مايو تناقش "جسور بوست"، وضع الصحافة في العالم العربي.

في اليوم العالمي للصحافة.. ما هي مؤشرات حرية الصحافة في الوطن العربي؟ -  شبكة رصد الإخبارية

قيود تعيق الحقيقة 

في البداية، علق الحقوقي الأردني الشهير، نضال منصور بقوله، تُمثّل قيود حرية الصحافة جروحا عميقة في جسد الحقيقة في الوطن العربي، حيث تعيق قدرتها على النمو والازدهار، ويُحرم المواطنون من حقهم في المعرفة والحصول على المعلومات الدقيقة والموثوقة، مما يعيق مشاركتهم الفاعلة في الحياة العامة ويضعف قدرتهم على اتخاذ القرارات السليمة، نحن نواجه انتكاسة غير مسبوقة وكذلك العالم ككل، لكن الوطن العربي بشكل كبير يعتبر الصحافة خطرًا داهمًا على السلطة ولذا يطاردها.

وعن تحسن حال الصحافة في بعض البلدان العربية ووضعها إبان الربيع العربي قال “منصور”، نعم، هناك بعض البلدان العربية التي شهدت تحسينات في حالة حرية الصحافة على مر السنوات، ومن بين الأمثلة على ذلك تونس، بعد الثورة التونسية في عام 2011، شهدت تونس تحسينات كبيرة في حرية الصحافة تم إصلاح التشريعات وتعزيز حقوق الصحفيين، وتأسست هيئات مستقلة للإعلام، مثل هيئة الإعلام السمعي البصري والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وتمكنت تونس من تحقيق تقدم في مؤشرات حرية الصحافة وتصنف بين البلدان العربية الأكثر حرية في هذا المجال. 

وأضاف “منصور”، في تصريحات لـ"جسور بوست" أيضًا الأردن رغم رغم التحديات التي تواجهها، حافظ الأردن على بعض درجة من حرية الصحافة، ويتمتع الصحفيون في الأردن بمستوى نسبي من الحرية في نشر الأخبار والتعبير عن الرأي، وتعمل العديد من المنظمات الإعلامية المستقلة في البلاد، وتوجد صحف ومحطات تلفزيونية وإذاعية تنقل آراء متنوعة، كذلك المغرب والذي شهد بعض التحسينات في حالة حرية الصحافة خلال السنوات الأخيرة، فتم تحسين بعض القوانين المتعلقة بحرية الصحافة وتحرير الإعلام، وتم إنشاء المجلس الوطني للصحافة لتنظيم المهنة وحماية حقوق الصحفيين، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال هناك تحديات متبقية تتعلق بالتشريعات والقيود على حرية التعبير في بعض الأحيان.

نضال منصور يكتب.. في نقد الأديان و

نضال منصور

وأتم، على الرغم من التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها لبنان، فإنه لا يزال يحتل مكانة نسبية في حرية الصحافة في المنطقة العربية، ويعمل العديد من الصحفيين والإعلاميين في لبنان بشكل مستقل ويمتلكون حرية نسبية في نقل الأخبار والتعبير عن الرأي.

الإصلاح التشريعي أولاً

من جانبه، علق أستاذ القانون بجامعة القاهرة، مصطفى سعداوي، على الجانب التشريعي وما يضمن حرية الصحافة بقوله، إن الإصلاحات التي يمكن أن تساهم في تحسين حالة حرية الصحافة في العالم العربي هو إصلاح التشريعات والقوانين، فمن المهم إصلاح القوانين المتعلقة بحرية الصحافة والتأكد من أنها تحمي حقوق الصحفيين وتعزز حرية التعبير، كما يجب أن تكون هناك ضمانات لحرية الصحافة وحق الوصول إلى المعلومات، ويجب تجنب استخدام القوانين المكافحة للإرهاب والجرائم الإلكترونية لقمع الحريات الإعلامية.

وتابع سعداوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، من الأهمية بمكان حماية الصحفيين، فيتم تبني تدابير فعالة لحماية الصحفيين وضمان سلامتهم أثناء أداء عملهم، ومعاقبة المسؤولين عن الاعتداءات على الصحفيين وضمان تقديمهم للعدالة، وأن يكون هناك نظام فعال للإبلاغ عن التهديدات والاعتداءات على الصحفيين، وضمان تحقيق سريع ومستقل في تلك الحوادث، كذلك فإن التعاون والتنسيق بين الدول العربية في مجال حرية الصحافة، وتبادل الخبرات والممارسات الجيدة. يجب أيضًا تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان وحرية الصحافة.

Dr-Moustafa Saadawi - استاذ القانون الجنائي - كلية الحقوق جامعة المنيا |  LinkedIn

مصطفى سعداوي

وأتم، توفير التدريب والتطوير المهني للصحفيين، وتعزيز قدراتهم في مجالات مثل الأخلاقيات الصحفية والتحقيقات والتحليل البيانات والتكنولوجيا الرقمية تسهم في تطوير قدرات الصحفيين وفي تعزيز جودة ومهنية الصحافة، ودعم التحول الرقمي في صناعة الإعلام وتعزيز الوصول إلى الإعلام الرقمي يمكن أن يسهم التكنولوجيا في تمكين الصحفيين وتعزيز قدرتهم على نشر الأخبار والمعلومات بشكل أسرع وأوسع.

اليوم العالمي لحرية الصحافة

يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة"، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991.

كان هدف هذا الإعلان تذكير الحكومات بضرورة احترامها حرية الصحافة، كما نصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، وكذلك يعتبر الثالث من مايو يوماً لتأمل الصحفيين والإعلاميين قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها.

وتخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية، وتقييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحفيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهماتهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية