ثورة تكنولوجية تعيد صياغة مهنة الصحافة.. فرص وتحديات تواجه فرسان الكلمة
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة
لم تسلم مهنة الصحافة في عالمنا المتغيّر، من ثورة تكنولوجية هائلة تعيد صياغة ممارستها وتؤثر على دورها في المجتمع، وهناك أدوات غيّرت المهنة منها الإنترنت الذي يعتبر بوابة لبحر من المعلومات، يمكّن الصحفيين من الوصول إلى كمية هائلة من المعلومات من مختلف أنحاء العالم، يُساعدهم على إجراء تحقيقات مُعمّقة ونشر أخبار دقيقة، تتجاوز قيود المسافة والزمان.
ووفقًا للأرقام، هناك، 40% من سكان العالم يعتمدون على الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات (اليونسكو)، و90% من الصحفيين يستخدمون الإنترنت في تحقيقاتهم (دراسات حديثة).
وأثرت منصات للتواصل مع الجمهور، حيث يوفر للصحفيين منصات جديدة للتواصل مع الجمهور، مثل مواقع التواصل الاجتماعي ومدوناتهم الشخصية، ويُتيح لهم مشاركة أخبارهم وآرائهم مع الجمهور بشكلٍ مباشر، كما يساعدهم على التفاعل مع الجمهور وفهم احتياجاته، فوفقًا للأرقام هناك 54% من الصحفيين على مستوى العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الجمهور، و72% من الصحفيين يعتقدون أن مواقع التواصل الاجتماعي ساعدتهم على بناء علاقات قوية مع الجمهور.
ووفقًا للدراسات، يتيح بث الأخبار بشكل مباشر سرعة إيصال المعلومات للجمهور، ما يُعزّز الشفافية، فوفقًا للأرقام فإن 65% من الصحفيين يستخدمون الإنترنت لبث الأخبار مباشرة، و80% من الجمهور يفضلون الحصول على أخبارهم من خلال الإنترنت.
وتعد الهواتف الذكية أدوات لا غنى عنها، تمكن الصحفيين من التقاط الصور والفيديوهات، وتتيح لهم إجراء المقابلات، كما تساعدهم على بث الأخبار مباشرة من موقع الحدث، فيسهم ذلك في تغطية الأحداث بشكل مباشر وفعّالٍ، فوفقًا للأرقام فإن ما نسبته 95% من الصحفيين على مستوى العالم يستخدمون الهواتف الذكية في عملهم، و78% من الصحفيين يعتقدون أن الهواتف الذكية ساعدتهم على تحسين جودة تقاريرهم.
وتساعد تطبيقات التحقق من الحقائق، وتطبيقات تحليل البيانات، وتطبيقات الترجمة، الصحفيين على إنجاز عملهم بشكل متقن وفعال، وتقول الأرقام إن 82% من الصحفيين على مستوى العالم يستخدمون تطبيقات متخصصة في عملهم، و75% من الصحفيين يعتقدون أن التطبيقات ساعدتهم على زيادة كفاءتهم في العمل.
بمناسبة يوم الصحافة العالمي الذي يتم الاحتفال به في الثالث من مايو من كل عام، تناقش "جسور بوست"، تأثير التكنولوجيا على الصحافة سلبًا وإيجابًا.
تحديات استخدام التكنولوجيا
قال خبير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي المهندس محمد شكري، إن التكنولوجيا قد أحدثت ثورة في مهنة الصحافة وفي كل ما هو موجود على سطح الأرض، أي في جميع المهن، مقدمة أدوات وفرصًا جديدة لا حصر لها، ومع ذلك فإن استخدام التكنولوجيا في الصحافة يواجه بعض التحديات والتأثيرات السلبية التي لا يمكن تجاهلها، إلا أن هناك بعض السلبيات، منها انتشار الأخبار المزيفة وهذا أمر خطير في مجتمعاتنا العربية، وكذلك في العالم أجمع، حيث قد تستهدف المشاهير والرؤساء، ما قد يؤدي لنتائج كارثية، ولذا فإن انتشار الأخبار المزيفة أحد أكبر التحديات التي تواجه الصحافة في العصر الرقمي، فمع سهولة نشر المعلومات عبر الإنترنت، أصبح من السهل على الأفراد نشر أخبار كاذبة أو مضللة دون أي تحقق من صحتها.. يُؤدّي ذلك إلى تضليل الجمهور وإثارة البلبلة، ما قد يُهدّد الثقة في وسائل الإعلام ويُعيق عملية اتخاذ القرارات السليمة.
وأضاف شكري، في تصريحات لـ"جسور بوست": من الأمور السلبية أيضًا خاصة مع سرعة تدفق المعلومات عبر الإنترنت، أنه قد يُضطر الصحفيون أحيانًا إلى نشر أخبار دون التحقق الكافي من صحتها أو التأكد من جميع جوانب القصة، ويؤدي ذلك إلى تراجع الدقة والموضوعية في الصحافة، ما يفقدها مصداقيتها ويُقلل ثقة الجمهور بها.
واستكمل: الأمر الخطير الذي يستدعي تفكيراً ووضع حلول، هو فقدان الوظائف، فمع ظهور الذكاء الاصطناعي وأتمتة العديد من المهام التي كان يقوم بها الصحفيون في الماضي، مثل جمع المعلومات وكتابة التقارير، فقد يفقد بعض الصحفيين وظائفهم، ويؤدي ذلك إلى انخفاض التنوع في مهنة الصحافة وتراجع جودة المحتوى الصحفي بشكلٍ عام، كذلك فإنه مع سهولة الوصول إلى المعلومات الشخصية عبر الإنترنت، قد يُساء استخدام التكنولوجيا من قبل بعض الصحفيين للتنصت على الأفراد أو جمع معلوماتٍ شخصيةٍ عنهم دون رضاهم، وبدوره يؤدي ذلك إلى تآكل الخصوصية وانتهاك حقوق الأفراد.
وعن التحديات قال شكري، إن التكنولوجيا تتطور بسرعة هائلة، ما يُشكل تحديًا كبيرًا للصحفيين الذين يحتاجون إلى مواكبة هذه التطورات باستمرار وتعلم مهارات جديدة لاستخدام الأدوات التكنولوجية الحديثة، كذلك التحقق من صحة المعلومات، والحفاظ على الاستقلالية والموضوعية، فمع سيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى على منصات التواصل الاجتماعي ومصادر المعلومات، قد يُواجه الصحفيون ضغوطًا للحفاظ على استقلاليتهم وموضوعيتهم في تغطية الأحداث، ويحتاج الصحفيون إلى بذل جهدٍ كبيرٍ للحفاظ على حيادتهم ونقل المعلومات بشكلٍ موضوعيٍ ودقيق.
المهندس محمد شكري
وأتم: لا شك أن التكنولوجيا قد أحدثت ثورة في مهنة الصحافة، لكنها تواجه أيضًا بعض التحديات والتأثيرات السلبية، ويعد التكيف مع التطورات التكنولوجية، والتحقق من صحة المعلومات، والحفاظ على الاستقلالية والموضوعية، وبناء الثقة مع الجمهور من أهم التحديات التي يجب على الصحفيين مواجهتها.
التكنولوجيا في الصحافة
وقال الخبير التكنولوجي والدكتور بالجامعة الأمريكية، عمرو العراقي، إن مهنة الصحافة شهدت ثورة هائلة مع ظهور التكنولوجيا، ما أدى إلى تغيرات جذرية في طريقة إنتاج ونشر وتلقي المعلومات، ومن الدول التي استخدمتها الولايات المتحدة، حيث تعد من أوائل الدول التي اعتمدت التكنولوجيا في الصحافة بشكل واسع، وشهدت الصحف الأمريكية تحولا رقميًا هائلًا، مع تزايد الاعتماد على المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ساهم ذلك في توسيع نطاق جمهور الصحف الأمريكية وجذب قراء جدد من مختلف أنحاء العالم، ولذلك نجد أن 74% من الأمريكيين يحصلون على أخبارهم من الإنترنت وفقًا لمركز بيو للأبحاث، و53% من الأمريكيين يتابعون أخبارهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وتابع “العراقي” في تصريحات لـ"جسور بوست": ومن الدول أيضًا التي اتبعت ذلك النهج كانت المملكة المتحدة، والتي شهدت أيضًا تحولًا رقميًا كبيرًا في الصحافة، حيث تُوفّر العديد من الصحف البريطانية إصدارات رقمية مجانية، ما أسهم في زيادة عدد قرائها، وتستخدم التكنولوجيا أيضًا في الصحافة البريطانية للتحقق من صحة المعلومات ومكافحة الأخبار المزيفة، فوفقًا للأرقام فإن 62% من البريطانيين يحصلون على أخبارهم من الإنترنت و45% من البريطانيين يتابعون أخبارهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.
وعن الدول العربية قال، إن الصحافة لدى الدول العربية تُواجه بعض التحديات في استخدام التكنولوجيا، مثل الرقابة على الإنترنت، ومع ذلك تُبذل جهود كبيرة لتطوير الصحافة الرقمية في الدول العربية، وتُستخدم التكنولوجيا في الصحافة العربية للتحقق من صحة المعلومات ومشاركة الأخبار مع الجمهور العربي في جميع أنحاء العالم، فيحصل 39% من العرب على أخبارهم من الإنترنت وفقًا لمركز بيو للأبحاث، و27% من العرب يتابعون أخبارهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتُستخدم التكنولوجيا بشكل واسع في وكالات الأنباء لجمع المعلومات ونشرها بسرعة وكفاءة، كما تُستخدم أدوات مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل البيانات وتحديد الأخبار المهمة، ساهم ذلك في تحسين دقة وسرعة تغطية الأحداث من قِبل وكالات الأنباء.
واستطرد: تعتمد المواقع الإلكترونية الإخبارية بشكل كبير على التكنولوجيا لعرض محتواها وجذب القراء، كما تستخدم أدوات مثل تحسين محركات البحث (SEO) وتحليلات الويب لفهم سلوكيات القراء وتقديم محتوى مُناسب لاحتياجاتهم، ما ساهم ذلك في زيادة عدد زوار المواقع الإلكترونية الإخبارية وتحسين إيراداتها.
الدكتور عمرو العراقي
وعن القنوات التلفزيونية الإخبارية، أشار “العراقي” إلى أنها تستخدم لإنتاج محتوى مُباشر وعالي الجودة، كما تستخدم أيضًا أدوات مثل البث عبر الإنترنت والتلفزيون الذكي لجعل محتوى القنوات التلفزيونية الإخبارية متاحًا لمزيد من الجمهور، ما أدى إلى توسيع نطاق جمهور القنوات التلفزيونية الإخبارية.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام بـ"اليوم العالمي لحرية الصحافة"، وهو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحفيين الأفارقة في 3 مايو 1991.
كان هدف هذا الإعلان تذكير الحكومات بضرورة احترامها حرية الصحافة، كما نصَّ هذا الإعلان على ضمان بيئة إعلامية حرة وآمنة للصحفيين، وكذلك يعتبر الثالث من مايو يوماً لتأمل الصحفيين والإعلاميين قضايا حرية الصحافة وأخلاقياتها.
وتخصص الأمم المتحدة هذا اليوم للاحتفاء بالمبادئ الأساسية، وتقييم حال الصحافة في العالم، وتعريف الجماهير بانتهاكات حق الحرية في التعبير، والتذكير بالعديد من الصحفيين الذين واجهوا الموت أو السجن في سبيل القيام بمهامهم في تزويد وسائل الإعلام بالأخبار اليومية.