أعمال شاقة وتحديات جمة.. كيف يضحي العاملون في الأعياد بحقوقهم وينتصرون للإنسانية؟

أعمال شاقة وتحديات جمة.. كيف يضحي العاملون في الأعياد بحقوقهم وينتصرون للإنسانية؟

بهجة الابتسامة.. كيف ينقل العاملون في الأعياد روح السعادة والتواصل عبر البسمة؟

تجارب تحفيزية.. مشاركات العاملين بالأعياد ودورهم في إلهام الآخرين وإضفاء البهجة

"منذ نعومة أظفاري كنت أعيش حلم أن أصبح طبيبة، كانت العائلة والمجتمع دائمًا يشجعونني على التفوق لتحقيق هذا الحلم، وكانوا يرون في عيني بريق الأمل والإصرار. واليوم، وأنا أحمل هذا اللقب، أجد نفسي أواجه تحديات لم أكن أتخيلها، خاصة في أوقات الأعياد. 

اسمي ياسمين محمد الوراقي، أفخر بذاتي لأنني حققت حلم أسرتي، ولكن أين أنا من بهجة الأعياد، عندما يأتي العيد، تكتسي البيوت بالألوان والزينة، وتغمر الأجواء روائح الأطعمة الشهية وصوت الضحكات. أما أنا، فأكون في قلب المستشفى، بين الجدران البيضاء والأجهزة الطبية، أتنقل كالنحلة بين الزهور، أهتم بمرضاي وأمنحهم الأمل والراحة، في هذه الأوقات، يتحول العيد إلى واجب مقدس، حيث أظل ساهرة كنجمة مضيئة في سماء حالكة، أبحث عن الابتسامة المفقودة على وجوه المرضى.

 تستكمل ياسمين لـ"جسور بوست"، أحيانًا، أقضي الليل كله في المستشفى، أستقبل حالات الطوارئ وأتابع المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة. في كل ليلة عيد، أضع يدي على قلوبهم، وكأنني أحاول أن أبعث فيها نبض الحياة من جديد. 

وهنا تكمن بهجة مستترة أستشرفها وأصنع منها عيدًا، كل نبضة شكر منهم هي عيد بالنسبة لي، وكل ابتسامة أراها على وجوههم هي زينة تزين قلبي، ورغم تلك الصعوبات، أحاول أن أخلق بهجتي الخاصة في العيد، أحضر الحلوى لأشاركها مع زملائي، نصنع لحظات صغيرة من الفرح وسط كل هذا العمل الجاد. 

نتبادل التهاني ونحاول أن نجعل من المكان واحة من الأمل والسعادة، ولو للحظات، عندما تنتهي نوبتي، أعود إلى منزلي محملة بالتعب، لكن أيضًا بإحساس الإنجاز، أحتفل بطريقتي الخاصة، أعد وجبة مميزة، وأدعو أحبائي لمشاركتها معي، نضحك ونتبادل القصص، نصنع ذكريات تعوضني عن ساعات الغياب الطويلة. هذه اللحظات تعيد لي الشعور بالدفء والانتماء، وتجعلني أستعيد طاقتي وأستعد لمواصلة مهمتي. 

مطالبي بسيطة لكنها مهمة، أتمنى أن يتم تقدير جهودنا ليس بالكلمات فقط، بل بتحسين ظروف العمل وتوفير الدعم النفسي والمعنوي. الحصول على وقت راحة كافٍ بعد فترات العمل الطويلة له أثر كبير على صحتنا النفسية والجسدية، نحن في النهاية بشر نحتاج إلى الراحة والاهتمام مثلما نمنح مرضانا. العمل كطبيبة خلال الأعياد يذكرني دومًا بأن الإنسانية والعطاء لا يعرفان حدودًا زمنية. 

رغم الصعوبات، فإن رؤية الشفاء في عيون مرضانا والشكر في كلماتهم هو أكبر عيد يمكن أن أحتفل به، هذه هي بهجتي الحقيقية، العيد الذي أعيشه كل يوم من خلال عملي وتفاني في خدمة الآخرين.

No photo description available.

الطبيبة ياسمين ومهنة الطب والتمريض ليستا حالة فردية، فهناك مهن كثيرة تخضع لتلك الأعباء، وفي أيام الأعياد والمناسبات العامة، يكون العاملون في القطاعات الخدمية كالنجوم المتلألئة في سماء الاحتفال، إذ هم يسهرون لتنير متعة الناس وتضفي على أفراحهم المزيد من البهجة والسرور. 

ففي مصر، يبذل آلاف العاملين في المطاعم والفنادق والمقاهي جهودًا بطولية خلال أعياد الفطر والأضحى، إذ يعمل البعض منهم لساعات طويلة فاقت 12 ساعة في اليوم الواحد، لتلبية طلبات الزبائن ورسم البسمة على وجوههم. 

وفي المملكة العربية السعودية، يستقبل آلاف الموظفين في المراكز التجارية والمطارات والمستشفيات ملايين الزوار والمعتمرين بكل ترحاب وبشاشة، مهما كان ضغط العمل وطول ساعات الخدمة. 

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فتبرز جهود المئات من الموظفين في محطات الوقود والمطار ومراكز التسوق، إذ يقدمون خدمات متميزة ودؤوبة على مدار الساعة دون كلل أو ملل، لإسعاد المواطنين والزوار على حد سواء. 

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد العاملين في القطاعات الخدمية في الدول العربية خلال أعياد الفطر والأضحى يفوق 3.5 مليون عامل، يساهمون بشكل كبير في إنجاح احتفالات المواطنين وتعزيز البهجة والسرور في قلوبهم. 

 وفي المملكة المتحدة، تقدر إحصاءات قطاع التجزئة أن نحو 1.2 مليون موظف في المتاجر والمراكز التجارية يعملون خلال عطلة عيد الميلاد، بما في ذلك العمل في أيام الأعياد الرسمية، ويعمل الكثير منهم لساعات إضافية طويلة لضمان استمرار الخدمة والتسوق خلال الفترة الاحتفالية. 

وفي الهند، يعمل ما يقرب من 500,000 موظف في قطاع الضيافة والسياحة خلال موسم أعياد ديوالي، حيث تشهد المدن الكبرى إقبالًا هائلًا على الفنادق والمطاعم والمقاصد السياحية. ويضطر هؤلاء العاملون إلى العمل لساعات طويلة دون توقف لتلبية احتياجات الزوار. 

أما في اليابان، فيعمل نحو 800,000 موظف في قطاع التجزئة والخدمات خلال احتفالات السنة الجديدة (شينجو)، رغم أن هذه المناسبة تعتبر من أهم الأعياد الوطنية هناك. ويظل هؤلاء العاملون على رأس العمل لضمان انسياب الخدمات وتوافر المنتجات للمواطنين والزوار. 

وفي البرازيل، يعمل ما يقرب من 600,000 موظف في محطات الوقود والمطارات والمراكز التجارية خلال احتفالات كارنفال ريو، حيث تشهد البلاد إقبالًا هائلاً على السياح من جميع أنحاء العالم. ويبذل هؤلاء العاملون جهودًا مضنية لتوفير الخدمات اللازمة للاحتفالات الشعبية الضخمة. 

هذه الإحصاءات تؤكد مدى التضحيات والجهود الجبارة التي يبذلها العاملون في القطاعات الخدمية خلال أعياد وفعاليات المناسبات الوطنية والشعبية في مختلف أنحاء العالم، فهم أبطال مجهولو الهوية يستحقون منا كل الاحترام والتقدير على عطائهم المتواصل.

بينها رجل الأمن والصحفى.. وظائف لا تعرف الإجازات الرسمية | مبتدا

العمل الإعلامي خارج نطاق العيد

وعن تجربته يحكي صادق القدمي، إعلامي يمني، قائلا: هربت من جحيم الحرب وسلطان ميليشيات الحوثي بحثًا عن الأمان لعائلتي ولي، كلما اقترب العيد، تتجدد في نفسي مشاعر مختلطة من الحزن والفرح، الحنين والتفاؤل، العمل في مهنة الإعلام ليس سهلًا أبدًا، خاصة خلال أيام الأعياد، حيث يكون عليّ مواصلة نقل الأخبار ورصد الأحداث، حتى في الأوقات التي يتجمع فيها الناس حول موائد الفرح. 

يستكمل القدمي، لـ"جسور بوست"، في العيد، بينما تتراقص الأضواء في سماء المدن وتملأ الزينة الشوارع والمنازل، أجد نفسي أسير بين مكاتب الأخبار واستوديوهات البث، مثل طائر لا يعرف للسكون طريقًا، أعمل بجد لأكون عين الناس وأذنهم، أنقل الحقيقة بصوتي وكلماتي، وأحيانًا يكون ذلك على حساب لحظاتي الخاصة مع أسرتي. 

ويستطرد، كرب أسرة، يملأ قلبي الشوق لأطفالي، لرؤية ابتساماتهم وهم يرتدون ملابس العيد الجديدة، ويتسابقون لفتح الهدايا، أريد أن أكون بجانبهم، أحتضنهم وأشعرهم بفرحة العيد، لكن واجبي الإعلامي يقيدني بسلاسل غير مرئية، أعمل كالنحلة التي لا تتوقف عن الطيران بين الأزهار، أبحث عن رحيق الأخبار وأقدمه للناس، تاركًا جزءًا من روحي في كل خبر أنقله، رغم هذا العبء، أحاول أن أصنع بهجتي الخاصة، أعد لأطفالي مفاجآت صغيرة، أضع هداياهم تحت الوسائد قبل أن أذهب للعمل، وأترك رسائل حب تشعرهم بوجودي رغم غيابي. 

يستكمل، عندما أعود إلى المنزل، نجتمع حول مائدة بسيطة، نتشارك الأحاديث والضحكات، ونعيش لحظات من السعادة الصافية التي تعوضنا عن ساعات الفراق الطويلة هذا العام، سأحتفل بالعيد بأبسط الطرق، سأصنع من البساطة جمالًا، ومن الحضور المتقطع دفئًا. سأستغل كل لحظة أكون فيها مع أطفالي لأغمرهم بالحب والاهتمام، سأروي لهم قصص العيد التي عشناها في اليمن، وأحاول أن أغرس في قلوبهم الأمل بغدٍ أفضل.   

وعن مطالبه يقول، مطالبي بسيطة: أن أتمكن من الجمع بين واجبي المهني وحقي في الفرح مع عائلتي، أن يُتاح لي الوقت الكافي لأكون رب أسرة حقيقيًا، يشعر أطفالي بحنانه ووجوده، أتمنى أن تأتي الأيام التي نحتفل فيها بالعيد بلا خوف أو قلق، حيث يمكنني أن أترك عبء الأخبار جانبًا وأعيش مع أطفالي فرحة العيد بكاملها. 

هكذا أحتفل بالعيد، رغم الصعوبات، أصنع من الألم أملًا، ومن الغياب حضورًا، أسعى لأكون لأطفالي العيد الذي يستحقونه، لأنني أعلم أن الفرحة الحقيقية ليست في الزينة والملابس الجديدة، بل في دفء القلوب المتحابة، وفي تلك اللحظات التي نشعر فيها بالأمان والسلام.

صادق القدمي (@qkIx2UozBS6r7fR) / X

 

هل في المخيمات أعياد؟

هل تخيلت أن تكون يومًا طالب هندسة يعيش في مخيم للاجئين بالعراق وتعمل كنادل لرعاية نفسك وأسرتك، كيف إذا سيكون عيدك؟

فؤاد الحسين طالب هندسة عراقي، يمر بهذه التجربة، يحكي عنها فيقول: أحمل على كتفي عبء الدراسة والعمل ومسؤولية رعاية أسرتي الفارة من جحيم داعش، الحياة ليست سهلة، لكنها مليئة بالأمل والإصرار، في كل يوم أبدؤه كطالب، أحلم بمستقبل أفضل لعائلتي، وأمسيه كنادل في مطعم، أعمل بجد لأجلب لهم لقمة العيش بكرامة،  عندما يقترب العيد، تتعقد المشاعر في قلبي، إذ تتداخل فرحة العيد مع مرارة الذكريات.

ويتابع لـ"جسور بوست"، العيد في المخيم مختلف، هنا لا توجد الزينة المبهجة ولا الأسواق المليئة بالناس، بل خيام تحيطها صرخات الأطفال وأصوات الأمهات المنهكات ومع ذلك، أحاول أن أخلق من تلك اللحظات شيئًا يشبه الفرح، شيئًا يُشعر عائلتي بأنهم لم يُنسَوا. 

في صباح العيد، أستيقظ مبكرًا، أرتدي ملابسي التي احتفظت بها لأجل هذا اليوم، وأتوجه للمطعم لأكمل نوبتي هناك، بينما أقدم الطعام للزبائن، أفكر في وجوه إخوتي الصغار وهم ينتظرون عودتي، ينتظرون أن أحضر لهم قطعة حلوى أو هدية صغيرة في هذه اللحظات، أشعر أنني كالنحلة، أعمل بلا توقف لأصنع من قطرات العسل حياةً مليئة بالأمل. 

بعد انتهاء العمل، أعود للمخيم وأحمل في يدي بعض الحلوى واللعب البسيطة، أقوم بتوزيعها على إخوتي، وأرى في أعينهم بريق الفرح، بريقا يعيد لي الأمل في أن الغد سيكون أفضل، نحن لا نملك الكثير، لكننا نملك بعضنا البعض، وهذا هو سر قوتنا. 

أجتهد في خلق طقوس خاصة لنا في العيد، نحاول تزيين خيمتنا ببعض الألوان التي نجمعها من هنا وهناك، نحضر الطعام البسيط، ونجلس معًا نتبادل الأحاديث والضحكات، في تلك اللحظات، أشعر بأنني قد نجحت في مهمتي، في إسعاد عائلتي رغم كل الظروف القاسية، بالرغم من كل التحديات، لا أسمح لليأس أن يتسلل إلى قلبي. 

أحتفل بالعيد بطريقتي الخاصة، أحاول أن أزرع البهجة في قلوب عائلتي، وأن أحمل لهم الأمل بغدٍ أفضل أحلم باليوم الذي نعود فيه إلى وطننا، ونحتفل بالعيد كما كنا نفعل في الماضي، لكن حتى يأتي ذلك اليوم، سأظل أجتهد في إسعادهم بكل ما أملك من حب وعطاء. 

هذه تجربتي، تجربة مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا مليئة بالأمل أعمل بجد في دراستي وعلمي، وأحلم بأن أحقق لعائلتي حياةً كريمة ومستقرة، ورغم كل الصعاب، أجد في العيد فرصة لإظهار حبّي لعائلتي، وفرصة لإعادة الأمل في قلوبنا جميعًا.

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية