30 يونيو من كل عام

اليوم الدولي للعمل البرلماني.. صوت الشعوب لبناء جسور السلام ودعم حقوق الإنسان

اليوم الدولي للعمل البرلماني.. صوت الشعوب لبناء جسور السلام ودعم حقوق الإنسان

تعد البرلمانات حجر الزاوية في الديمقراطيات، بشرط أن تمثل الشعوب تمثيلا حقيقيا فعالا وأن تكون قوية وشفافة وخاضعة للمساءلة، في الوقت الذي تشهد فيه الديمقراطية البرلمانية تحديات عدة من الحركات الشعبوية والقومية.

ويحتفي العالم باليوم الدولي للعمل البرلماني، لمراجعة التقدم المحرز في جعل البرلمانات أكثر تمثيلا لطوائف الشعوب، وأكثر قدرة على مواكبة التغيرات والقدرة على إجراء تقييمات ذاتية، فضلا عن إشراك المرأة والشباب في العمل البرلماني.

وتحتفل دول العالم وتحيي اليوم الدولي للعمل البرلماني، في 30 يونيو من كل عام، وهو التاريخ الذي تأسس فيه الاتحاد البرلماني الدولي في عام 1889.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، هناك 79 بلدا ببرلمان من غرفتين و114 بلدا ببرلمان ذي غرفة واحدة، وهو ما يعني وجود 272 غرفة برلمانية، ينشط فيها 46 ألف برلماني وبرلمانية بالعالم.

وتمثل النساء نسبة 25% من مجمل أعضاء البرلمانات في العالم، ورغم أن نحو 39% من سكان العالم تتراوح أعمارهم بين 20 و39 عاما، فإن نسبة أعضاء البرلمان من هذه الفئة لا يزيد على 17.5%. 

وتم إنشاء هذا اليوم عام 2018 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي اعترفت فيه بدور البرلمانات في الخطط والاستراتيجيات الوطنية، وفي ضمان قدر أكبر من الشفافية والمساءلة على المستويين الوطني والعالمي.

ويتيح الاحتفال باليوم الدولي للعمل البرلماني الفرصة لمراجعة التقدم الذي أحرزته البرلمانات في سعيها لتكون أكثر تمثيلًا ومواكبة للعصر، بما في ذلك إجراء التقييمات الذاتية، والعمل على ضم المزيد من النساء وأعضاء البرلمان الشباب، والتكيف مع التقنيات الجديدة.

بناء جسور من أجل السلام والتفاهم

الدبلوماسية البرلمانية هي وسيلة لبناء العلاقات وتعزيز التعاون بين البرلمانات الوطنية، العديد من البرلمانات تشجع أعضاءها على المشاركة في المنظمات البرلمانية الدولية والتبادلات الثنائية والمبادرات الأخرى للدبلوماسية البرلمانية، يمكن للبرلمانيين بهذه الطريقة تمثيل مصالح بلدانهم وتعزيز الحوار والتعاون مع نظرائهم من دول أخرى والعمل على بناء توافق حول القضايا الدولية.

ويلعب الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) في البلدان الخارجة من الصراعات أو التي تمر بمرحلة انتقالية إلى الديمقراطية دورًا حيويًا في بناء مؤسسات برلمانية قوية وديمقراطية قادرة على توحيد المجتمعات المنقسمة، من خلال دفاعها القوي عن نزع السلاح.

الاتحاد البرلماني الدولي

تأسس الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) في عام 1889، ويُعد أول منظمة سياسية متعددة الأطراف تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وحل النزاعات من خلال الحوار بدلاً من الحرب، كان على مدار تاريخه، بمثابة منصة محورية للدبلوماسية البرلمانية، مما أتاح للأمم الانخراط في محادثات ومفاوضات ذات مغزى.

ويبرز تأثير المنظمة من خلال حقيقة أن مؤسسيها والعديد من الأعضاء البارزين الآخرين قد تم منحهم جائزة نوبل للسلام، مما يسلط الضوء على مساهماتهم في جهود السلام العالمية.

وإدراكًا لتأثير الحرب بشكل غير متناسب على النساء والشباب، يركز الاتحاد البرلماني الدولي بشكل خاص على السلام والأمن لهذه المجموعات، ويسترشد هذا التركيز بقراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 و2250، اللذين يتناولان أدوار النساء والشباب وحمايتهم في حالات النزاع.

تطور الأجندة البرلمانية العالمية

تنامى دور البرلمانات في العالم المعاصر مع التطور الإنساني، لتزايد تشابك وتداخل ما هو داخلي وخارجي، فيما عرف بتنامي ظاهرة الاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات بفعل التطور الكبير في وسائل وتكنولوجيا الاتصال، وتعدد وتداخل التحديات التي تواجه التنمية والاستقرار، بل وتهدد السلم والأمن.

وحفز التطور في الأجندة البرلمانية العالمية، وانعكاساتها على الأجندات الوطنية، بروز أهمية التعاون الدولي متعدد الأطراف الذي جسده نشأة عدد كبير من المنظمات الدولية الحكومية في مختلف المجالات (حقوق الإنسان، والتجارة والتنمية، والعمالة، والتمويل الدولي، والتعاون الاقتصادي.. إلخ) من ناحية، وظهور عمليات الاندماج الإقليمي (اقتصاديًّا وسياسيًّا) في مختلف القارات من ناحية أخرى، فمع هذين التطورين، باتت الأجنحة البرلمانية هدفًا في المنظمات الدولية والإقليمية باعتبارها هيئات تمثيلية، لإضفاء الطابع التكاملي أو العلاقات التعاونية، والتجارب التاريخية تؤكد ذلك.

وتصل تجارب التكامل الاقتصادي الناجحة إلى ذروتها بإنشاء كيان برلماني، ومنها جماعة الفحم والصلب التي انتهى بها المطاف إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تطورت من خلالها الجمعية البرلمانية وصولًا إلى البرلمان الأوروبي، وكذلك الاتحاد البرلماني لدول أمريكا الشمالية، وأيضًا المنظمة البرلمانية لحلف شمال الأطلنطي.

أصبحت المظلة البرلمانية هدفًا محوريًا في المنظمات القارية والإقليمية، مثل الاتحاد الإفريقي، الذي أنشأ "برلمان عموم إفريقيا"، وجامعة الدول العربية التي أنشأت "البرلمان العربي"، ومنظمة التعاون الإسلامي التي أنشأت اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وحركة عدم الانحياز التي أنشأت مؤخرًا في عام 2023 "الشبكة البرلمانية لحركة عدم الانحياز".

وأصبح اليوم أمام الدول تحديات ضخمة، فرضت واقعًا جديدًا على سلوك الفاعلين الدوليين، كما لم تعد تقتصر على الدول وحدها، بل ظهر فاعلون جدد من غير الدول، مثل المنظمات الدولية والإقليمية والتي أصبح لمعظمها ذراع برلمانية.

أمام هذا المأزق، باتت هناك حاجة ملحة لدور البرلمانات في معالجة هذه القضايا لتعكس توجهات الشعوب ورغباتها ورأيها فيها بكل مصارحة وشفافية، فتعددت وتنوعت أطروحات التعامل مع هذه التحديات، وأقدمت الحكومات والبرلمانات على ابتكار أساليب جديدة للتعامل مع التحديات ووضع استراتيجيات وطنية وإقليمية ودولية للتعاون في مواجهاتها.

وكان من بين العوامل المهمة التي حفزت تنامي دور الدبلوماسية البرلمانية، على الصعيد الدولي، التحديات التي واجهتها الحكومات في حل منازعاتها عبر المفاوضات والأساليب السلمية، مما كان من نتاجه تعريض العالم لحروب ومنازعات دولية مستمرة.

وجاءت نشأة الاتحاد البرلماني الدولي عام 1889، بمبادرة من السير البريطاني، وليم راندال كريمر، والفرنسي فريدريك باسي، حيث استهدفا أساسًا الإسهام في حل المنازعات الدولية السائدة آنذاك بين الدول من خلال التحكيم الدولي، مما ساهم في وضع أسس إنشاء مؤسسات التعاون الدولي متعددة الأطراف على مستوى الحكومات، وأصبح الاتحاد البرلماني الدولي يمثل البرلمانات منذ عام 1922، وكان محل اهتمامه بحث فكرة جرائم الحرب والصراع المسلح والحفاظ على الأمن الدولي.

الأدوار الجديدة للبرلمانات

استحدثت البرلمانات المعاصرة بعض الأدوار الجديدة والتي تجلّت في عدد من الممارسات والأنشطة، حيث نشطت في مجالات جديدة، بعضها كانت تمارسه بقدر محدود، والآخر مستحدث.

كما تطورت أدوات الدبلوماسية البرلمانية، من خلال بلورة مواقف برلمانية من القضايا الجديدة، ومنها: دعم السياسات الخارجية للدول ومصالحها، والتنمية المستدامة في إطار الرؤى الأممية وتطويعها على المستويات الوطنية، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.

وتتنوع أشكال الدبلوماسية البرلمانية، ومن أهمها: الدبلوماسية البرلمانية الوقائية، من خلال التدخل البرلماني المبكر، للمساهمة في منع نشوء النزاعات، ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها.

ونشطت دبلوماسية المياه، استنادًا إلى الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة،  من خلال وضع الأطر التشريعية الوطنية والدولية لبناء التعاون وتنظيمه في مجال المياه، وبناء تعاون فعَّال عبر الحدود في أحواض الأنهار لمعالجة مخاطر المياه، في ظل الفيضانات وحالات الجفاف، خاصة مع تفاقم ظاهرة تغير المناخ.

كما ظهرت دبلوماسية العلوم أو الدبلوماسية العلمية، بهدف الجمع بين العلم والعلماء بالسياسيين، من أجل تحقيق الأهداف والغايات المنشودة للجميع، ومن أبرز صورها التعاون العلمي في حل مشكلات بيئية أو صحية.

التغيرات المناخية

يمكن الإشارة هنا إلى مبادرتين، الأولى: هي حملة الاتحاد البرلماني الدولي "برلمانات من أجل الكوكب"، أُطلقت في عام 2023 لتعبئة البرلمانات والبرلمانيين لتسريع العمل بشأن حالة الطوارئ المناخية، لا سيما أن البرلمانيين يرون عن كثب تأثير الأزمة المناخية على مجتمعاتهم. 

والثانية: البرلمان العالمي للمناخ، وهو عبارة عن شبكة دولية متعددة الأحزاب من البرلمانيين المهتمين بمكافحة تغير المناخ في جميع أنحاء العالم، ويضم 2000 برلماني يمثلون 121 برلمانًا حول العالم.

البرلمانات والذكاء الاصطناعي

سيطرت الخطوات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) على الاهتمام البرلماني وخاصة التهديد الخطير المتمثل في "التزييف العميق"، والمسألة المثيرة للجدل المتعلقة بملكية البيانات، والآثار المترتبة على البيانات المسروقة واستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في سياقات مختلفة.

علاوة على دراسة كيفية التفاعل بين التقدم التكنولوجي والحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في عالم يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي. 

وفي هذا الإطار، ينصب الاهتمام البرلماني على دراسة: المخاطر والفرص المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وهل سيكون الذكاء الاصطناعي هو المعطل الأكبر للانتخابات في عام 2024 مع ذهاب أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع، أم ستكون العمليات والمؤسسات الديمقراطية، مثل البرلمانات، قادرة على التكيف وتسخير الذكاء الاصطناعي ليصبح أقوى وأكثر فاعلية؟


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية