شبح داعش يعود ليخيم على دول الخليج.. هجوم مسقط جرس إنذار

شبح داعش يعود ليخيم على دول الخليج.. هجوم مسقط جرس إنذار

عودة مُقلقة إلى الواجهة.. ما دوافع عودة داعش واستراتيجياته الجديدة؟

خلف ستار هجوم مسقط.. تحليل دقيق لخطط داعش في الخليج 

حقوقيون: داعش يهدد حقوق الإنسان وعودته تُنذر بمخاطر جسيمة

 

بظلاله الداكنة على الخليج كطائر الفينيق، يطل شبح تنظيم داعش الإرهابي من جديد، مخيمًا بظلاله القاتمة على منطقة الخليج العربي. 

فبعد هزيمته المروعة في العراق وسوريا، عاد هذا التنظيم الدموي ليُرسل رسائل رعب من خلال عملياته الإرهابية، كان آخرها هجومه على مسجد في العاصمة العمانية مسقط، والذي راح ضحيته عدد من المصلين الأبرياء. 

لا تأتي عودة داعش من فراغ، بل هي نتاج لظروف سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة، فمنذ إعلان "الخلافة المزعومة" عام 2014، واجه التنظيم ضربات عسكرية قاسية أدت إلى تراجعه وتفككه إلا أنه لم يتم القضاء عليه بالكامل، بل تحول إلى خلايا نائمة تنتظر الفرصة للانبعاث من جديد.

ووجد داعش في بعض دول الخليج أرضًا خصبة لنموه وانتشاره، فالتوترات السياسية والطائفية والاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والشعور بالتهميش لدى بعض الشباب، كلها عوامل ساهمت في جذبهم إلى أفكاره المتطرفة. 

لم يكن هجوم مسقط مجرد عمل إرهابي عشوائي، بل كان رسالة واضحة من داعش تؤكد قدرته على ضرب أي مكان في أي وقت، فمن خلال هذا الهجوم، سعى التنظيم إلى تحقيق عدة أهداف، منها إعادة إحياء هيبته، أراد داعش أن يُظهر للعالم أنه ما زال موجودًا وقويًا، وأنّه قادر على شن هجمات نوعية، كذلك سعى التنظيم إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج من خلال إثارة الخوف والذعر بين السكان.

من الأسباب أيضًا، استقطاب المزيد من الأعضاء، أراد داعش أن يُظهر للمتطرفين في المنطقة أنه ما زال الخيار الأفضل "للجهاد" وإقامة "الخلافة" بحسب أفكاره. 

وكان قد هزّ انفجار مدوٍّ مساء الثلاثاء 17 يوليو الجاري العاصمة العمانية مسقط، مخلفًا وراءه 9 قتلى، بينهم 3 من المهاجمين، في هجوم تبنّاه تنظيم داعش الإرهابي، ووقع الهجوم في مسجد علي بن أبي طالب في منطقة الوادي الكبير، حيث أطلق مسلحون النار على المصلين، قبل أن يتمكن رجال الأمن من تصفيتهم. 

وأسفر الهجوم عن مقتل 5 أشخاص من المدنيين، إضافة إلى مقتل أحد رجال الشرطة، وإصابة 28 شخصًا بجروح متفاوتة الخطورة، من بينهم 4 من رجال الأمن والطوارئ، وأعلنت شرطة عُمان السلطانية، في بيان رسمي، عن تفاصيل الهجوم، مؤكدةً سيطرتها على الوضع، وضبطها للموقف. 

يُعدّ هذا الهجوم الأعنف في سلطنة عمان منذ سنوات، ويثير قلقًا بالغًا من تزايد خطر الإرهاب في المنطقة.

ويُمثل هجوم مسقط جرس إنذار مدوٍّ لدول الخليج يدعوها إلى توحيد جهودها لمواجهة خطر الإرهاب، فالتعاون الأمني والاستخباراتي، والتوعية بمخاطر التطرف، ومعالجة الأسباب الجذرية التي تُساهم في انتشاره، كلها خطوات ضرورية لمنع عودة داعش بشكل أقوى وأكثر ضراوة.

داعش من فوضى الغزو إلى رحلة الإرهاب

وقبل التحدث عن دلالة حادث مسقط لا بد من قراءة ما في تاريخ داعش..

انبثق تنظيم داعش، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، من رحم الفوضى التي اجتاحت المنطقة العربية عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، واستغلّ هذا التنظيم الإرهابي الظروف السياسية المتردية واليأس الذي ألمّ بالشباب، لنشر أفكاره المتطرفة وجذبهم إلى صفوفه. 

ويعود الفضل في تأسيس داعش إلى أبي مصعب الزرقاوي، القيادي الأردني المتشدد الذي أسس جماعة التوحيد والجهاد عام 2003.

وارتكزت أيديولوجية الزرقاوي على تأويلات متطرفة للإسلام، مُمزوجة بنظريات سياسية شمولية، تُمجّد العنف وتُنادي بإقامة "خلافة إسلامية" عالمية.

وأعيد تنظيم جماعة التوحيد والجهاد تحت اسم "القاعدة في بلاد الرافدين" بعد مقتل الزرقاوي.

2006 انضمت "القاعدة في بلاد الرافدين" إلى جماعات مسلحة أخرى لتشكيل "دولة العراق الإسلامية".

2014 أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عن إقامة "الخلافة المزعومة" بعد سيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا.

 2017- 2019: واجه داعش هجمات عسكرية مكثفة من قبل التحالف الدولي والقوات المحلية، مما أدى إلى تراجعه وفقدانه لمعظم الأراضي التي كان يسيطر عليها. 

2020- وحتى الآن: لا يزال داعش موجودًا كخلايا نائمة، ينفذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا ودول أخرى.

ويتبع تنظيم داعش مذهبًا سلفيًا متشددًا يُعرف باسم "الجهادية العالمية"، يُنكر هذا المذهب شرعية الدول الوطنية الحديثة ويدعي السعي لإقامة خلافة إسلامية موحدة تُطبق الشريعة الإسلامية بشكل صارم.

ويسعى داعش إلى إسقاط الأنظمة الحالية وإقامة خلافة إسلامية تُطبق الشريعة الإسلامية بشكل صارم، ويُحاول داعش نشر أفكاره المتطرفة من خلال وسائل الإعلام والإنترنت، وجذب المزيد من الأعضاء من جميع أنحاء العالم.

ويُنفذ داعش هجمات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين في مختلف الدول، بهدف نشر الخوف والفوضى وإثارة الرعب.

معارك فاصلة:

 معركة الموصل (2014- 2017): سيطر داعش على مدينة الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، بعد معركة دامت 3 أشهر. 

معركة كوباني (2014- 2015): دافع الأكراد عن مدينة كوباني السورية بمساعدة من التحالف الدولي، وأفشلوا هجومًا واسعًا لداعش.

معركة الفلوجة (2016): استعادت القوات العراقية مدينة الفلوجة من سيطرة داعش بعد معركة دامت 8 أشهر. 

معركة الرقة (2017): هزم التحالف الدولي داعش في مدينة الرقة، عاصمة "الخلافة المزعومة". 

ولا يزال داعش موجودًا كخلايا نائمة، ينفذ عمليات إرهابية في العراق وسوريا ودول أخرى، ومن أهدافه الحالية إعادة تنظيم صفوفه واستعادة بعض الأراضي التي فقدها. 

كذلك شنّ هجمات إرهابية ضد المدنيين والعسكريين في مختلف الدول، ونشر أفكاره المتطرفة وجذب المزيد من الأعضاء.

عودة تستدعي القلق

وقال المفكر التنويري الدكتور أحمد عبده ماهر، إنه وفي الآونة الأخيرة، شهدنا ازديادًا في نشاط داعش في بعض دول الخليج العربي، بما في ذلك هجومه على مسجد في العاصمة العمانية مسقط، والذي راح ضحيته عدد من المصلين الأبرياء. 

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، يُثير هذا التطور قلقًا بالغًا من عودة التنظيم بشكل أقوى وأكثر ضراوة، ولا يمكن فهم عودة داعش بشكل كامل دون النظر إلى سياقه التاريخي، فمنذ نشأته، استغلّ التنظيم الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة لتعزيز نفوذه، كما استفاد من الخلافات الطائفية والعرقية لزرع الفتنة وبثّ الفرقة. 

الدكتور أحمد عبده ماهر

واستطرد ماهر، عودة داعش تُذكّرنا بأهمية معالجة الأسباب الجذرية للتطرف، مثل الفقر والبطالة والشعور بالتهميش، كما تُؤكد ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتية. 

وشدد على أهمية نشر التوعية بمخاطر التطرف وتعزيز القيم الدينية السمحة، فعودة داعش تشكل تهديدًا خطيرًا على أمن واستقرار الدول العربية، ولكن من خلال العمل الجماعي والتعاون الدولي، وإرادة قوية لمحاربة التطرف بكل أشكاله، يمكننا ضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوبنا.

عودة تهدد الأفراد والمجتمعات

وقال الحقوقي البارز نضال منصور، إن عودة تنظيم داعش الإرهابي تُمثل تهديدًا خطيرًا على حقوق الأفراد والشعوب في المناطق التي يحاول السيطرة عليها، فقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا التنظيم قد ارتكب انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان الأساسية، مرتكبًا جرائم ضد الإنسانية كالقتل والخطف والاغتصاب والتعذيب والإعدامات الجماعية، فعودة داعش تُعرِّض الأفراد في المناطق المستهدفة لخطر الموت والاعتقال التعسفي والتعذيب والاستغلال الوحشي.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، كما أنها تهدد سلامة واستقرار المجتمعات المحلية بشكل عام، وتُقوِّض جهود إعادة الإعمار والتنمية في المناطق المحررة من سيطرته، ومن الناحية القانونية، فإن وجود داعش ينتهك بشكل صارخ التزامات الدول بحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فأنشطة هذا التنظيم تُشكل جرائم دولية كالإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والتي يجب محاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الدولية المختصة. 

نضال منصور

وأضاف، كما أن عودة داعش تُعرقل عملية المصالحة الوطنية والتئام النسيج الاجتماعي في المناطق المتضررة، حيث تزرع بذور الكراهية والانقسام بين مكونات المجتمع وهذا بدوره يُعيق إعادة بناء الثقة والتماسك الاجتماعي، ويُعرِّض المجتمعات لخطر الانهيار والانفلات الأمني. لذلك، تتطلب مواجهة خطر عودة داعش جهودًا دولية متضافرة على المستويات السياسية والأمنية والإنسانية، فيجب تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية والعسكرية لمنع تمدد هذا التنظيم، مع توفير المساعدات الإنسانية الضرورية للمتضررين من أنشطته الإرهابية.

واستطرد نضال، كذلك يجب العمل على إحلال السلام والمصالحة الوطنية في المناطق المستهدفة، من خلال الحوار والمبادرات المجتمعية التي تُعزز التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأطياف، وفي الوقت ذاته، يجب محاسبة قيادات داعش على جرائمهم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، بما يُرسخ مبادئ العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى ذلك، لا بد من تكثيف الجهود الدولية لقطع مصادر تمويل هذا التنظيم الإرهابي، ومنع تدفق المقاتلين الأجانب إليه، وتفكيك شبكاته الإلكترونية والإعلامية التي تُروج لأيديولوجيته المتطرفة. 

وأتم، مواجهة خطر عودة داعش تُمثل تحديًا كبيرًا على المجتمع الدولي، لكنه تحد ضروري لحماية حقوق الأفراد والشعوب، وصيانة السلم والأمن الدوليين، وهذا يتطلب عزمًا سياسيًا راسخًا ووحدة في الموقف والجهود على كافة الأصعدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية