"كسرن الحواجز".. صيّادات تونسيات يواجهن سيطرة الذكور والتغير المناخي (صور)

"كسرن الحواجز".. صيّادات تونسيات يواجهن سيطرة الذكور والتغير المناخي (صور)
أرشيف

في جزيرة قرقنة الواقعة على الساحل الجنوبي لتونس، يتردد صدى أمواج البحر كما لو أنها تحكي قصصاً قديمة عن مهنة الصيد، تلك التي كانت منذ الأزل حكراً على الرجال. 

وسط هذا المشهد التقليدي، تسحب سارة السويسي قاربها الصغير بكل عزم وإصرار، لتؤكد مرة أخرى تصميمها على كسر الحواجز التي طالما قيّدت النساء، وفق وكالة "فرانس برس".

هي ليست صيادة عادية، بل امرأة تحمل على عاتقها حلم الاستقلالية في مجتمع يظل فيه البحر ميداناً للرجال.

سارة، التي عشقت البحر منذ نعومة أظافرها، تروي بحب تفاصيل رحلتها مع الموج. "أحب البحر وأحب صيد الأسماك"، تقول بابتسامة دافئة تعكس شغفاً لا ينطفئ. 

هذا الشغف جعلها تصرّ على ممارسة مهنة غير مألوفة للنساء في مجتمعها، رغم التحديات الاجتماعية التي تواجهها. 

المجتمع لم يكن دوماً متقبلاً لامرأة تصطاد السمك، ولكن بالنسبة لسارة، كانت هذه المهنة وسيلتها لتحقيق ذاتها والمساهمة في توفير لقمة العيش لعائلتها.

فيما تسود النظرة السائدة أن النساء في قطاع الصيد "مساعدات للعائلة من دون أجر"، سارة ترى الأمور من زاوية مختلفة. 

سارة، ليست فقط "مساعدة"، بل عماد أساسي، تعمل جنباً إلى جنب مع زوجها، وتتحدى الظروف البيئية والاجتماعية لتبني لها مكاناً على هذا الشاطئ الصعب. 

هي أم لولدين، وعلى الرغم من مسؤولياتها العائلية، ترفض أن تبقى مجرد ربة منزل، وتصرّ على أن تكون لها يدٌ في دعم أسرتها مادياً.

لكن التحديات التي تواجه سارة وزميلاتها في الصيد ليست اجتماعية فقط، فالبحر الذي تعشقه بدأ يتحول إلى ساحة صراع مع الطبيعة نفسها. 

كما أن التغيرات المناخية جعلت المياه أكثر دفئاً، ما أدى إلى نقص في أنواع الأسماك والأعشاب البحرية التي تعتمد عليها معيشة الصيادين.. "المياه لم تعد كما كانت"، تقول سارة بحسرة.

في أغسطس الماضي، وصلت درجات حرارة البحر الأبيض المتوسط إلى مستويات قياسية، مما أثر سلباً على الثروة البحرية التي تعيش عليها سارة وأبناء جزيرتها.

الصيادون، من جانبهم، لا يساعدون في تحسين الوضع، بل إن بعضهم يلجأ إلى الصيد الجائر والأساليب غير المستدامة التي تدمر الحياة البحرية. "لا يحترمون القانون".

تشتكي سارة، "يصطادون كل ما يجدونه حتى خارج المواسم المسموح بها"، وهذه الانتهاكات تترك أثراً عميقاً ليس فقط على البيئة، بل على حياة الصيادين الذين يعتمدون على البحر كوسيلة وحيدة للرزق.

في جنوب قرقنة، كانت هناك محاولات لدعم النساء في هذا القطاع، مثلما فعلت جمعية جامعي المحار التي أنشئت عام 2017. 

الجمعية ساعدت النساء على "تحرير أنفسهن من الوسطاء" الذين كانوا يستغلونهن مادياً، لكن حتى هذه الجهود لم تصمد أمام التلوث وتغير المناخ. 

عندما أغلقت الحكومة التونسية باب جمع المحار في عام 2020 بسبب التدهور البيئي، انهارت آمال العديد من النساء في تحسين حياتهن.

سارة، مثل غيرها من النساء، تجد نفسها في مواجهة ليس فقط مع المجتمع والتقاليد، ولكن أيضاً مع الطبيعة نفسها، ومع ذلك، فإنها ترفض أن تستسلم. 

تقول سارة بحزم، "البقاء في المنزل والقيام بالأعمال المنزلية؟ مستحيل!". 

بالنسبة لها، البحر هو الحياة، ولن تتخلى عن حلمها في مهنة تعشقها، حتى لو كان الثمن كفاحاً يومياً ضد المد والجزر، سواء كان ذلك بفعل البشر أو الطبيعة.

 


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية