«نزوح غير مسبوق».. إسرائيل تفتح جبهة جديدة وترتكب «جرائم حرب» في لبنان

«نزوح غير مسبوق».. إسرائيل تفتح جبهة جديدة وترتكب «جرائم حرب» في لبنان

بغارات جوية هي الأكبر منذ حرب عام 2006، دخل لبنان على خط المواجهات الخشنة مع إسرائيل، ليشهد البلد العربي المأزوم اقتصاديا حركة نزوح غير مسبوقة من الجنوب إلى الشمال.

وقدر وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، عدد النازحين جراء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في الجنوب بنصف مليون نازح، إذ تشن إسرائيل غارات جوية مكثفة على معقل حزب الله في جنوب وشرق لبنان منذ يوم الاثنين الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 558 شخصا، بينهم 94 امرأة و50 طفلا، وإصابة ما يزيد على 1835 شخصا.

ووفق حصيلة رسمية أولية، أدت تلك الهجمات إلى نزوح 16 ألفا و500 شخص موزعين على 150 مركز إيواء، وسط مؤشرات على توالى النزوح مع استمرار العمليات العسكرية ضد الجنوب اللبناني.

وتداولت وسائل الإعلام ورواد منصات التواصل الاجتماعي، صورا للتشرد والمعاناة الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون على وقع العمليات العسكرية الواسعة، لا سيما الأطفال والنساء والعجائز، الذين افترشوا الأرصفة وتعلقت أعينهم بالسماء في نظرات يغمرها اليأس والحسرة.

ويأتي النزوح الهائل للبنانيين، وسط أشلاء عدد كبير من القتلى التي تسعى الأجهزة الأمنية إلى التعرف على هوية أصحابها، إذ يتبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق النار عبر الحدود بشكل شبه يومي منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023.

نزوح غير مسبوق

وبحسب تقديرات وسائل إعلام لبنانية، فإن أكثر من 4 آلاف نازح توجهوا إلى مدينة صيدا، والتي باتت تشهد ازدحاما لافتا وخاصة في المنازل المخصصة للاستئجار ومراكز الإيواء التي يقدر عددها بـ16 مركزا.

وتوزع نحو 4 آلاف نازح على مراكز الإيواء في صيدا، وسط توجيهات حكومية بفتح مقار الكليات بالجامعة اللبنانية في المدينة الجنوبية، لاستقبال الأعداد المتزايدة من النازحين. 

وطالت الغارات الإسرائيلية مدينة بعلبك، فيما شهدت بعض الأحياء حركة نزوح إلى أحياء وبلدات مجاورة بعيدة من دائرة الاستهداف، وفتحت دار إفتاء محافظة بعلبك الهرمل أبواب القاعات الملحقة بالمساجد، لاستقبال الأهالي الذين يسكنون في أحياء تتعرض للقصف.

ووصلت العديد من العائلات النازحة إلى مدينة عكار (شمال)، وتوزعت على عدد من البلدات بالمدينة، حيث قدمت لهم بعض البلديات وهيئات المجتمع المدني الاحتياجات الأساسية ومستلزمات الإعاشة المؤقتة.

وأعلنت اللجنة الوطنية لتنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات (رسمية) في بيان، قائمة بمراكز الإيواء المتوفرة لاستقبال النازحين عقب توسع الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب وشرق لبنان.

جهود حكومية لمواجهة الأزمة

والثلاثاء، عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، سلسلة اجتماعات مع منسق لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، ووزير البيئة ناصر ياسين، لبحث سبل تذليل العقبات على النازحين وتجهيز مراكز الإيواء، وتوفير مستلزمات الإعاشة الضرورية. 

وأوضح وزير البيئة أن "أماكن الإيواء في المدارس وصلت إلى حدود 150 مدرسة، فيما تتزايد أعداد النازحين حتى وصلت ليلا إلى 16 ألفا و500 نازح".

وأعرب وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، عقب اجتماع طارئ مع النقابات، عن أسفه بتزايد أعداد القتلى والجرحى جراء الغارات الإسرائيلية، وتصاعد أعداد النازحين، قائلا إن "حرب تموز (يوليو) 2006 والتي استمرت 33 يوما بين إسرائيل وحزب الله كان عدد الشهداء وقتها أقل ما سقط خلال اليومين الماضيين".

ودعا سلام الجميع إلى التمسك بالوحدة الوطنية، مشددا على أن فتح المنازل والمناطق لاستقبال نازحي الجنوب والبقاع وكل المناطق التي تتعرض للعدوان أصبح واجب وطني، مؤكدا التزام الدولة اللبنانية بتسهيل أمور النازحين على الطرقات وفي أماكن الإيواء. 

ومن جانبها، أعلنت الداخلية اللبنانية، في بيان، تدابير السير وتنظيم حركة المرور مع تزايد أعداد النازحين، لا سيما المتجهين نحو بيروت وطريق صيدا.

وبدوره كشف وزير التربية والتعليم اللبناني عباس الحلبي، في تصريحات صحفية، أنه تم فتح المدارس لاستقبال النازحين جراء غارات الاحتلال على لبنان، لافتا إلى أن أعداد المدارس كافية لاستيعاب النازحين من الجنوب اللبناني. 

جهود موازية للأحزاب

وجنبا إلى جنب مع الحكومة اللبنانية، تبذل الأحزاب جهودا موازية مع تزايد وتيرة القصف الإسرائيلي، لتوفير الاحتياجات الأساسية للنازحين وتدبير مستلزمات الإعاشة، وسط رفض يتصاعد للعدوان الإسرائيلي. 

أعلن الحزب الديمقراطي اللبناني في بيان، تشكيل لجنة طوارئ بالحزب للعمل على ملف النازحين من النوب ومتابعة التفاصيل اليومية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمتضررين.

وأشار الحزب إلى أن "فتح المدارس والثانويات والمهنيات الرسمية كمرحلة أولى نُفّذ كما كان مخطّطاً له في الاجتماعات التحضيرية والتنسيقية، وجاري العمل على تأمين كل المستلزمات والمتطلبات الأساسية للنازحين بالتنسيق مع المعنيين ولجان الطوارئ في القرى والبلدات ومع البلديات".

وأكد أن "القدرة الاستيعابية للمدارس في منطقة الجبل ما زالت كبيرة، وهناك العديد من المناطق التي لم تُفتح فيها أبواب المدارس حتى هذه اللحظة، الخطّة تشمل احتمالات وخيارات عدّة في حال وصول القدرة الاستيعابية في المدارس الرسمية إلى حدّها الأقصى"، دون توضيح تلك الخيارات.

ومن جانبه، قال عضو تكتل "الاعتدال الوطني" النائب أحمد الخير، في بيان: "لقد تسببت الضربات الإسرائيلية، في سقوط مئات الشهداء والجرحى، وفي موجات نزوح غير مسبوقة، إذا بات واضحا أن ما نواجهه لم يعد عدوانا على فئة أو منطقة، بل عدوانا على كل اللبنانيين، وعلى كل المناطق، لا يميز بين لبناني وآخر، ولا سبيل لمواجهته إلا بالمزيد من الوحدة والتضامن ووقوفنا كلبنانيين إلى جانب بعضنا بعضا في كل المناطق".

وأضاف: "مصاب أهلنا في الجنوب والبقاع وباقي المناطق هو مصابنا في المنية والجوار، ولا كلام يمكن أن يصف حجم الألم الذي يعتصر قلوبنا، إزاء ما نشهد عليه من إجرام يحاول قتلهم وقتلنا كلبنانيين، ومن ترهيب يحاول النيل من كرامتهم التي هي من كرامتنا جميعا".

وتابع: "قلوبنا قبل بيوتنا مفتوحة لكل أهلنا من النازحين، كما كل مدارسنا ومعاهدنا ومؤسساتنا الصحية والاجتماعية والإنسانية، وسيتم عقد اجتماع طارئ لبحث خطة الطوارئ وكل الخطوات الواجب اتخاذها في هذه المرحلة، لاستنفار كل الجهود والإمكانات وتوفير كل مقومات الصمود والبقاء في جاهزية تامة للمساعدة في إيواء النازحين والوقوف إلى جانبهم".

نزوح قسري للمواطنين

قال مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، الدكتور محمود الحنفي، إن "قضية النزوح قضية إنسانية للغاية، والنازحون في لبنان رأوا بأعينهم الاحتلال الإسرائيلي يستهدفهم ويدفعهم للنزوح قسريا".

وأوضح الحنفي المقيم في لبنان حاليا أن "الاحتلال الإسرائيلي قصف منازل آهلة بالسكان، وطرقا، واستهدف سيارات الإسعاف واستخدم أسلحة ثقيلة جدا بعضها قنابل تزن ألف رطل تقصف مباني سكنية، وتدمرها، وبالتالي اللبنانيون رأوا أن البقاء في المنازل والقرى يحمل خطورة كبيرة على حياتهم". 

وأشار إلى أن إسرائيل تستكمل مسلسل جرائم الحرب والإبادة الذي بدأته في غزة وامتد حتى الجنوب اللبناني، رغم أن قوانين الحرب تضمن عدم استهداف المدنيين، وعدم إجبارهم على النزوح القسري، محذرا من أن كارثة نزوح غزة تتكرر في لبنان.

ومن جانبه، أكد الكاتب الصحفي اللبناني وفيق الهواري، أن أعداد النازحين من الجنوب اللبناني تتزايد بصورة مرعبة، وذلك في ظل غياب الوزارات والإدارات الحكومية المعنية.

وقال الهواري في تصريح لـ"جسور بوست" إن الصراع السياسي بين الأحزاب والقوى اللبنانية قد يزيد الأوضاع سوءا بسبب الانقسامات المذهبية والطائفية، في ظل حرب شرسة تقوم بها إسرائيل.

وتوقع الهواري أن تشهد الأيام المقبلة نقصا حادا في السلع الأساسية والوقود ومستلزمات الإعاشة جراء النزوح الكبير والأزمات الاقتصادية التي يشهدها لبنان منذ أكثر من 5 سنوات.

وتستمر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ نحو عام، ما خلف أكثر من 50 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمفقودين والراقدين تحت الأنقاض، وسط نزوح مليوني شخص، وفق تقديرات رسمية وأممية.


موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية