العفو عن السجناء.. بوابة ملكية لتحقيق مصالحات وطنية في الدول العربية
العفو عن السجناء.. بوابة ملكية لتحقيق مصالحات وطنية في الدول العربية
بانفراجة فتحت بصيصا من الأمل لرأب صدع دام لسنوات، جاء عيد الفطر هذا العام برياح التغيير في عدد من الدول العربية، ليبشر بمزيد من الانفتاح السياسي.
واحتل ملف العفو عن السجناء، صدارة تلك الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول العربية مؤخرا، أبرزها مصر وسوريا والسعودية والبحرين والمغرب والأردن وغيرها.
مصر
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قرارا بالعفو عن عدد من السجناء بينهم نشطاء سياسيون، وأعلن اتخاذ خطوات جادة لإجراء حوار وطني مع القوى السياسية بهدف الإصلاح والتحول الديمقراطي.
وقرر أيضا إعادة تشكيل لجنة مختصة بالعفو الرئاسي، لبحث ملفات السجناء تمهيدًا للإفراج عنهم، مع تكليف الحكومة بتسهيل عودتهم إلى وظائفهم دون تعقيدات إدارية.
سوريا
بعد سنوات من الحرب والاقتتال الداخلي، هبت رياح التغيير على سوريا، بإصدار الرئيس بشار الأسد، مرسوما بالعفو عمن تم اتهامهم في جرائم إرهابية قبل إبريل الماضي.
وأفرجت الحكومة السورية عن عشرات السجناء في سجن "صيدنايا" سيئ السمعة، بينهم معتقلون منذ بدء الحرب السورية في 2011.
السعودية
أطلقت السلطات سراح الأكاديمي والسياسي البارز عبدالعزيز الزهراني، والمحتجز منذ عام 2017، إلى جانب الإفراج عن المدون والناشط رائف بدوي بعد 10 سنوات على سجنه، في استجابة لمطالبات محلية ودولية.
البحرين
أصدر عاهل البلاد الملك حمد عيسى الخليفة، مرسومًا بالعفو الخاص والإفراج عن 160 من السّجناء المحكومين في قضايا مختلفة، بعد أن قضوا فترة من العقوبات الصّادرة بحقّهم.
المغرب
احتلت المغرب المرتبة الأولى في عدد المفرج عنهم، إذ أصدر الملك محمد السادس، قرارًا بالعفو عن 958 شخصًا.
وقالت وزارة العدل المغربية إن العفو شمل أيضًا 29 سجينا على ذمة قضايا إرهاب أو تطرف بعد مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية.
الأردن
قرار العفو في المملكة الهاشمية جاء صريحا بالحديث عن إطلاق سراح السجناء السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بـ"إطالة اللسان على الملك"، لكن بيان الديوان الملكي لم يحدد عدد من شملهم العفو.
انفتاح سياسي
بدوره، قال وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، لـ"جسور بوست" إن قرار العفو عن السجناء على ذمة قضايا "إطالة اللسان" جاء بتوجيه ملكي بهدف إنهاء هذه القضايا بشكل كامل.
وأوضح المعايطة أن هذه التهمة ليست خاصة بمعارضين سياسيين فحسب، بل بوقائع قد يرتكبها أشخاص عاديون كانت تصدر عنهم أقوال تخالف القانون.
وأضاف: “التوجيه الملكي بإنهاء هذه القضايا يحمل طابعا سياسيا، مفاده عدم ملاحقة أي شخص يرتكب هذا التجاوز القانوني، لذلك يتم إغلاق جميع الملفات في هذا الصدد، إضافة إلى وقف تفعيل المادة القانونية الخاصة بالتطاول اللفظي على الملك”.
واعتبر المعايطة، أن القرار الملكي يعتبر رسالة مهمة الهدف منها تعزيز الأجواء الإيجابية والانفتاح السياسي، وتهيئة الأجواء لتحقيق مزيد من إجراءات الإصلاح الديمقراطي في البلاد.
الُلحمة الوطنية
ومن جانبه، قال المحلل السياسي السوري الدكتور علاء الأصفري، لـ"جسور بوست" إن العفو الرئاسي عن المتهمين في قضايا الإرهاب الصادر قبل أيام يمثل سابقة وقرارًا استثنائيا في سوريا.
وأوضح الأصفري أن هذه تعد المرة الأولى التي سيخرج فيها آلاف السجناء إلى منازلهم، في محاولة للمّ الشمل وتحقيق اللحمة الوطنية للشعب السوري بجميع أطيافه بعد سنوات من التوترات.
وأضاف: "مبادرة كبيرة وإيجابية على درب المصالحة الوطنية الشاملة لتضميد جراح السوريين جميعًا هذا القرار التاريخي يثبت أن الدولة السورية هي وطن يسع الجميع بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم السياسية".
وأشار الأصفري إلى أن قرار العفو يشمل الأشخاص الذين تورطوا بشكل أو بآخر في أعمال إرهابية سواء بتوصيل معلومات أو بالدعم اللوجيستي، بشرط أن تكون تلك الأعمال لم تؤدِ إلى مقتل عسكريين أو مدنيين.
وتابع: "الرسالة من وراء هذا القرار تتلخص في أن سوريا تريد حل مشاكلها بنفسها بعيدا عن المزايدات أو الإملاءات الخارجية، وذلك بعد استقرار الأوضاع وامتلاكها القرار الوطني".
ومضى قائلا: "القرار يستفيد منه آلاف السوريين ممن تعاونوا مع الجماعات المسلحة التي حاربت الدولة طوال السنوات الماضية، حيث تتم حاليًا تسوية أوضاع هؤلاء ممن لم يتورطوا في قتل العسكريين والمدنيين ليشملهم العفو.
سياسة إنسانية
من جهته قال عميد كلية العلوم القانونية بجامعة القاضي عياض المغربية الدكتور محمد الغالي، إن العفو عن السجناء سياسة إنسانية حميدة يستفيد منها الآلاف سنويا.
وأوضح الغالي لـ"جسور بوست" أن العفو عن السجناء يتم بموجب ما يسمى بـ"دليل السلوك"، وهو تقيم لسلوك السجين داخل مقر الاحتجاز، يتم تقديمه إلى اللجنة المختصة المعنية بقوائم الأسماء والذي ترفعه بدورها إلى الملك.
وأضاف وزير العدل عبداللطيف وهبي، أن من يثبت حسن سلوكه ويتمكن من الحصول على شهادات دراسية عليا أثناء فترة احتجازه يُمنح شهادة حسن السير والسلوك العدلية (شهادة تحييد السوابق القضائية)".
وتابع الغالي: "أما السجناء على ذمة قضايا الإرهاب، فهم يستفيدون من العفو أيضا طبقًا لبرنامج المصالحة الوطنية الذي دشنته المملكة في عام 2017، لمنحهم فرصة للتحرر من مختلف الأفكار الهدامة المتطرفة ونبذ خطاب العنف والكراهية".
ومضى قائلا: "برنامج المصالحة في المغرب استفاد منه نحو 300 سجين على ذمة قضايا الإرهاب، إما بإنهاء العقوبة بشكل نهائي أو تخفيفها، كما يتم إعادة تأهيلهم للاندماج في المجتمع".