مفوضية حقوق الإنسان تناقش سبل الحد من وفيات الأمهات وأمراض الأمومة

خلال فعاليات الدورة الـ54 في جنيف

مفوضية حقوق الإنسان تناقش سبل الحد من وفيات الأمهات وأمراض الأمومة

استعرض المنتدى الدولي لتعزيز حقوق الإنسان تقريره أمام الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023.  

وقدمت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقريراً يتناول مسألة وفيات الأمهات وأمراض الأمومة على أنها مسألة حقوق إنسان وهو أمر يتطلب عدم النظر إلى الوفيات والإصابات الخطيرة التي تتعرض لها النساء أثناء الحمل والولادة على أنها أحداث حتمية بل على أنها بالأحرى نتيجة مباشرة لقوانين وممارسات تمييزية، ولعدم استحداث نظم وخدمات صحية عملية والحفاظ عليها، وللافتقار إلى المساءلة.

وينقسم التقرير إلى جزأين، حيث قدم الجزء الأول تفاصيل عن المبادرات والممارسات الجيدة والتحديات المتعلقة بتنفيذ الإرشادات التقنية والنهج القائم على حقوق الإنسان بصورة أعم، وهو يستند إلى الورقات الواردة من 14 دولة عضواً منها أذربيجان، والأرجنتين، وإكوادور، وأوروغواي، وتنزانيا وسوريا والعراق، وغواتيمالا، ولوكسمبورغ، وليتوانيا وماليزيا، ومصر وغيرها، ويقدم الجزء الثاني من التقرير لمحة عامة عن تأثير جائحة كوفيد-19 على الصحة الجنسية والإنجابية.

ووفقًا للتقرير، واصلت هيئات معاهدات حقوق الإنسان مثل اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إسداء المشورة إلى الدول لاتخاذ التدابير التشريعية والإدارية اللازمة لمنع وفيات الأمهات وأمراض الأمومة وذلك باستخدام الإرشادات التقنية في سياساتها وبرامجها الرامية إلى الحد من أمراض الأمومة ووفيات الأمهات التي يمكن الوقاية منها.

وتشكل العمليات المتعددة لأصحاب المصلحة مكوناً هاماً من مكونات النهج القائمة على الحقوق ويمكن أن تيسر الفهم الشامل للثغرات، بما في ذلك الثغرات المتصلة بالحق في الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك صحة الأمومة، والتي ينبغي أن تؤثر نتائج هذه العمليات على عملية صنع القرار، وخاصة في ما يتعلق بالخطط والسياسات الوطنية ذات الصلة، بما في ذلك تحديد أولويات الإجراءات الرئيسية للحد من وفيات الأمهات وأمراض الأمومة التي يمكن الوقاية منها.

وأفادت عدة دول في ورقاتها بأنها تستخدم الإرشادات التقنية أو مبادئ حقوق الإنسان المكرسة فيها كأداة للتقييم أو الرصد لبحث السياسات والبرامج وتعديلها واعتمادها مع إيلاء اهتمام خاص للفئات السكانية المهمشة، وأبلغت الأرجنتين والمكسيك -على سبيل المثال- عن كيف استخدمنا مبادئ الإرشادات التقنية للاسترشاد بها في وضع برامج عملهما المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية.

وأوضحت الأرجنتين كذلك أن نهجاً قائماً على الحقوق يطبق في صياغة برنامج عملها وتصميمه وتنفيذه، بما في ذلك التغطية المجانية لخدمات الصحة الجنسية والإنجابية. 

وأفادت الأرجنتين أيضاً بأنه منذ تنفيذ القانون رقم 27-610 في عام 2020 بشأن الوصول إلى خدمات الإنهاء الطوعي للحمل، انخفض بنسبة 43.5 في المئة عدد الوفيات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن، وسلطت بعض الجهات صاحبة المصلحة الضوء في ورقاتها على التدخلات الصحية المصممة خصيصاً للتصدي للتمييز والتركيز على النساء والفتيات المهمات اللاتي يواجهن احتمالاً مرتفعاً لخطر التعرض لوفيات الأمهات وأمراض الأمومة. 

التوعية وبناء القدرات

وأشار التقرير إلى أن بناء القدرات في مجال تطبيق النهج القائمة على حقوق الإنسان أمر بالغ الأهمية لضمان حصول المكلفين بواجبات على المعلومات والموارد التي يحتاجون إليها للوفاء بالتزاماتهم في مجال حقوق الإنسان المتصلة بوفيات الأمهات وأمراض الأمومة، ولتمكين أصحاب الحقوق من المطالبة بحقوقهم. 

وبالمثل، تتسم مبادرات التوعية بأهمية مساوية لزيادة المعرفة بالمسائل المتصلة بالصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك صحة الأمومة، ولزيادة إبرازها.

وسلطت المكسيك الضوء في ورقتها على إعداد وترجمة رسائل إذاعية عن صحة الأمومة أذيعت بالإسبانية ولغات السكان الأصليين بغية توفير معلومات موثوقة ذات توقيت مناسب لتحديد العلامات والأعراض التحذيرية المتعلقة بالولادة للوقاية من حالات وفيات الأمهات وزيادة استخدام الخدمات الصحية، وتعزيز معارف نساء الشعوب الأصلية بصحتهن وحقوقهن الجنسية والإنجابية.

وقدمت أذربيجان والأرجنتين وإكوادور وليتوانيا وماليزيا والمكسيك في ورقاتها معلومات عن أنشطة بناء القدرات أو التوعية المضطلع بها لصالح العاملين الصحيين، بما في ذلك عن تطبيق نهج قائم على حقوق الإنسان بشأن صحة الأمومة وعن احترام الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية لجميع النساء. 

وعلى سبيل المثال، أشارت إكوادور إلى أنه بغية تقاسم معارف وممارسات القابلات الوارثات للمهنة، وضعت وزارة الصحة دليلاً لعرض ممارسات ومعارف القابلات الوارثات للمهنة بهدف تحسين صحة الأمومة والمواليد الجدد. 

وتؤكد الإرشادات التقنية أن المساءلة، التي تفهم على أنها الرصد والاستعراض والرقابة والسبل العلاجية، هي محور كل مرحلة من مراحل النهج القائم على حقوق الإنسان. 

وأكدت الجهات صاحبة المصلحة -في ورقاتها- الرصد والاستعراض والرقابة والسبل العلاجية بما يتماشى مع الإرشادات التقنية، ووصفت أذربيجان والأرجنتين وإكوادور وتنزانيا وسوريا وغواتيمالا ولوكسمبورغ والمكسيك وهولندا كيف أنها أنشأت آليات للرصد والمساءلة بشأن صحة الأمومة، مثل جمع البيانات المصنفة؛ والتقارير الأسبوعية والدراسات الاستقصائية، والسجلات الوطنية والهدف من هذه الآليات هو الاسترشاد بها في وضع استراتيجيات السياسات والتغييرات البرنامجية الرامية إلى الحد من وفيات الأمهات. 

وأشارت ماليزيا إلى مراجعتها السريرية الروتينية لحالات وفيات الأمهات، ما مكن من تحديد العوامل التي تسهم في وفيات الأمهات واتخاذ الإجراءات العلاجية اللازمة، بما في ذلك معالجة الثغرات في تقديم الرعاية وفي النظام الصحي الأوسع نطاقاً. 

وقدم تحليل المراجعة هذا أيضاً مؤشرات ومبررات لاتخاذ تدابير تصحيحية على المستويات المختلفة داخل المرافق الصحية، مثل إدراج مخصصات بالميزانية لتحسين الرعاية الصحية للأمهات وتحديث أجهزة التوليد وأجهزة أمراض النساء، وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وزيادة إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية إلى أقصى حد. 

وأفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان، من جانبه، بأنه يدعم البلدان في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بوفيات الأمهات كجزء من جهود الرصد الرامية إلى فهم العوامل الأساسية التي تسهم في الوفيات ولاستخدامها في وضع الإجراءات الوقائية عن طريق نظام مراقبة وفيات الأمهات والوفيات في الفترة المحيطة بالولادة والتصدّي لها ووضع تقارير سنوية وطنية عن هذا النظام. 

وأورد التقرير أن لدور المحاكم أهمية مساوية، بما في ذلك باعتباره طريقاً محتملاً لسبل الانتصاف، ففي عام 2019، أمرت المحكمة الدستورية في غواتيمالا وزارة الصحة باعتماد تسعة تدابير لضمان حصول نساء الشعوب الأصلية على خدمات وحقوق الصحة الجنسية والإنجابية، مع مراعاة الملاءمة الثقافية، وفي عام 2020، أنتج مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في غواتيمالا ونشر مقطع فيديو قصيراً لتسليط الضوء على عمل القابلات من الشعوب الأصلية وأهمية المضي قدماً في تنفيذ القرار القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية.

وأضاف التقرير، أنه لا يزال يوجد كثير من التحديات التي تعوق تنفيذها، فأعربت بعض الجهات صاحبة المصلحة في ورقاتها عن شواغلها إزاء محدودية المعرفة بالإرشادات التقنية، أو محدودية امتلاك زمام الأمور بشأنها لدى صانعي القرار الرئيسيين، بمن فيهم العاملون الصحيون على الصعيد الوطني. 

وبالمثل، أشار آخرون إلى الحاجة إلى مواصلة الجهود الرامية إلى نشر الإرشادات التقنية والنهج القائمة على الحقوق وإلى زيادة الوعي بها بصورة أعم.

وأشار التقرير إلى تقدم الأمثلة المذكورة أعلاه صورة مشجعة في ما يتعلق بتنفيذ الإرشادات التقنية والنهج القائمة، وأبلغ عدد من الجهات صاحبة المصلحة عن التحديات التي يطرحها كل من الوصم والقوالب النمطية والحواجز الاجتماعية -الثقافية والقوانين والممارسات التمييزية- بما في ذلك ما يتصل منها بدور العاملين الصحيين، التي لا تزال تعوق إعمال حقوق الإنسان للنساء والبنات مع ما لذلك من تأثير سلبي على صحتهن الأمومية والجنسية والإنجابية.

وفي التقرير، جرى تسليط الضوء أيضاً على ما لذلك من تأثير خاص على النساء والبنات اللاتي يعشن أوضاعاً من الضعف والتهميش، فعلى سبيل المثال، أشارت الرابطة الدولية لتمكين المرأة في ورقتها إلى أن النساء والبنات والأشخاص ذوي الإعاقة المتنوعين جنسانياً يواجهون حواجز غير متناسبة من حيث إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، بما في ذلك خدمات صحة الأمومة، بسبب التمييز والقوالب النمطية عن حياتهم الجنسية. 

وقال التقرير إن تفاقم هذه العوامل بسبب الحواجز الموجودة من قبل أمام إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية والتي تتمثل في المرافق التي يتعذر الوصول إليها، وحواجز الاتصال، والافتقار إلى تدريب مقدمي الخدمات، وهي عوامل يمكن أن يكون لها جميعا تأثير شديد على صحتهم البدنية والعقلية.

ووفقًا للتقرير، جرى تسليط الضوء على الموارد المالية والبشرية، والمعوقات المتعلقة بالبنية التحتية، والبعد الجغرافي عن المرافق الصحية، باعتبارها تحديات رئيسية أمام تطبيق نهج قائم على الحقوق. 

فعلى سبيل المثال، أفادت لجنة الكنائس للشؤون الدولية في ورقتها المشتركة بأن المسافة الجغرافية إلى المرافق الصحية والتكاليف الباهظة للرعاية الصحية، بما في ذلك تكاليف النقل، لا تزال تحول في بعض أنحاء مدغشقر دون الحصول على خدمات الرعاية الصحية، بما في ذلك الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، الأمر الذي يُسهم في النتائج الصحية الضعيفة في ما يتعلق بالنساء.

تأثير جائحة كوفيد-19 

أورد التقرير أنه في عام 2020، ذكر الأمين العام أن حقوق الإنسان أساسية في تشكيل الاستجابة للجائحة، وشدد على الحاجة إلى مواصلة تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية أثناء الجائحة.

وأكدت الآليات الدولية لحقوق الإنسان ومنظمة الصحة العالمية أن حقوق الإنسان يجب أن توجه استجابة الصحة العامة لجائحة كوفيد-19. 

وأورد أنه ينبغي أن تكفل هذه الاستجابات أن تكون أي من التدابير الطارئة قانونية ومتناسبة وضرورية وغير تمييزية، وأن يكون لها تركيز ومدة محددان، وأن تأخذ بأقل النُّهج الممكنة تدخلية لحماية الصحة العامة.

ودعت المفوضية أيضاً إلى أهمية اتباع نهج قائم على حقوق الإنسان في الاستجابات للجائحة، وقد أعدت مذكرة توجيهية بشأن جائحة كوفيد-19 وحقوق الإنسان للمرأة، تتضمن فرعاً جزئياً محدداً عن تأثير الجائحة على الصحة، يحدد الإجراءات الرئيسية التي يمكن للدول والجهات الأخرى صاحبة المصلحة اتخاذها لضمان حصول النساء والفتيات على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

وأوضحت الجائحة مواطن الضعف الهيكلية في كثير من المنظومات الصحية في جميع أنحاء العالم، حيث كان أكثر من نصف سكان العالم -ولا سيما النساء والبنات- يفتقرون أصلاً إلى إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية الكافية.

وذكر التقرير أن الوضع أدى إلى تفاقم بسبب التدابير الطارئة التي اتخذتها الدول للتصدي للجائحة، وإلى تعميق أوجه انعدام المساواة بين الجنسين.. فعلى سبيل المثال، أشارت دراسة أجريت في عام 2022 إلى أن الجائحة قد عمقت ثلاث أزمات متشابكة قوضت المساواة بين الجنسين، وهي جائحة ظل تتمثل في العنف القائم على النوع الاجتماعي (العنف الجنساني ضد النساء والبنات، وأزمة عمالة وسبل عيش، وأزمة رعاية ودعم) بشكل منهجي.

وأثرت الجائحة وتدابير الاستجابة لها على وصول النساء والفتيات إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.

وتطلبت الجائحة من الدول اتخاذ تدابير استثنائية لحماية صحة السكان ورفاههم، واعتمد كثير منها أيضاً بحلول أغسطس 2021 تدبيراً واحداً على الأقل يراعي الاعتبارات الجنسانية.

وأشار التقرير إلى أن الاستجابة تباينت على نطاق واسع فيما بين المناطق، ما يعكس الاختلافات في بُنى السياسات القائمة من قبل، وأنماط التعبئة النسوية، والالتزام السياسي، والقدرة المالية والإدارية، فالبلدان المنخفضة الدخل والهشة في إفريقيا وآسيا اتخذت عدداً أقل بكثير من التدابير بالمقارنة بالبلدان المرتفعة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل.

وتتضمن بعض أمثلة التدابير الهادفة إلى معالجة التأثير الجنساني للجائحة على النساء والبنات لتطبيب عن بعد أو استخدام الاتصالات السلكية واللاسلكية الرامية لدعم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية؛ وتوزيع المعلومات عن وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة عن طريق خدمات الاتصال المجانية، ووضع ترتيبات مبتكرة لدعم النساء ضحايا العنف الجنساني، (على سبيل المثال الخطوط الساخنة والخدمات المقدمة على الإنترنت) وتوفير إجازة مدفوعة الأجر ممتدة لأي والد(ة) لرعاية الأطفال أو الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يبقون في المنزل؛ وتوفير رعاية مجانية للأطفال؛ وتوفير السكن والغذاء بصفة مؤقتة للنساء الفقيرات والتحويلات النقدية للنساء في الاقتصاد غير الرسمي.

غير أن كثيراً من التدابير المعتمدة التي تراعي الاعتبارات الجنسانية كانت محدودة من حيث المدى ولم تنفذ تنفيذاً كاملاً.

واتخذت بعض الدول أيضاً تدابير تركز على الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات المهمشات.. فعلى سبيل المثال، أوضحت إكوادور في ورقتها أنه بسبب التدابير المتخذة لمنع وإبطاء انتشار جائحة كوفيد-19 فإن إمكانية حصول المشتغلين بالجنس على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية محدودة. 

وفي هذا الصدد، اتخذت وزارة الصحة -إلى جانب مبادرات أخرى- تدابير لضمان توافر اختبارات الكشف السريع عن فيروس نقص المناعة البشرية في جميع المرافق الصحية، وقامت بتدريب جميع الموظفين الصحيين على هذه الاختبارات ولدعم وصول النساء ذوات الإعاقة إلى خدمات صحة الأمومة، أفادت الرابطة الدولية لتمكين المرأة بأن الخطة الوطنية للتأهب والاستجابة لجائحة كوفيد-19، في ملاوي، قد حددت الأشخاص ذوي الإعاقة والنساء الحوامل والمرضعات على أنهم أشخاص يحتاجون إلى حماية خاصة، بما في ذلك ما يتعلق بمنع العنف، والحصول على التعليم، وتلبية الاحتياجات الأساسية، والكشف عن مرض كوفيد وعلاجه. 

ولضمان إدماج عامل الإعاقة، دعت الخطة إلى إجراء مراجعة لبروتوكولات الفحص والبروتوكولات الأخرى وقدمت مواد لمرافق الحجر الصحي للتأكد من أنها تلبي احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأشار التقرير إلى أنه وعلى الرغم من الحاجة الماسة إلى أصوات النساء والبنات وخبراتهن وتجاربهن في الاستجابات للجائحة والتعافي منها، لم تكن النساء والبنات ممثلات على قدم المساواة في مجالات السياسات المحلية والوطنية والعالمية. فعلى سبيل المثال، تُظهر دراسة أجريت مؤخراً أنه من بين 414 فرقة عمل معنية بجائحة كوفيد-19- في 184 بلداً، قادت النساء 76 منها فقط 18%، ومن أجل التصدي بفاعلية للتأثير المستمر للجائحة، لاحظ الفريق العامل المعني بالتمييز ضد النساء والبنات أنه يتحتم أن تكفل الدول مشاركة النساء والبنات على قدم المساواة مع الرجال والأولاد في عمليات صنع القرار المتعلقة بمنع حدوث الأزمات وإدارتها والتعافي منها.

وعلى الرغم من وجود قدر متنامٍ من الأدبيات التي تشير إلى التأثير الكبير لجائحة كوفيد-19 على إمكانية حصول النساء والبنات على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك صحة الأمومة، لا تزال توجد ثغرات في توافر البيانات كما أن البيانات المتاحة تتعلق بعدد محدود من البلدان.

وأشارت دراسة عن تأثير جائحة كوفيد-19 على الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، أُجريت على عينة من البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل إلى أن الجائحة تسببت في إيقاع الخلل بجميع المستويات الوظيفية لسلسلة الإمداد المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك التصنيع والشحن والخدمات اللوجستية والمشتريات وتقديم الخدمات ما تسبب في نقص الأدوية ووسائل منع الحمل المتاحة، وزيادة احتمال الحمل غير المقصود. 

فئات معينة من النساء والبنات

ذكر التقرير، أنه وكما هي الحال مع حالات الطوارئ الصحية الأخرى، سلطت جائحة كوفيد-19 مزيداً من الضوء على التأثيرات الصحية المترتبة على انعدام المساواة الاجتماعية، إذ يعاني السكان المهمشون بالفعل من معدلات أعلى من الأمراض والوفيات المرتبطة بالجائحة ومن خلل أكبر في الخدمات الصحية، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية.

وفيما يتعلق بالنساء والبنات من الفئات المهمشة، أدت أوجه انعدام المساواة والتمييز التي كانت قائمة بالفعل في وضعهن الاجتماعي- الاقتصادي، هي وأشكال التمييز المتقاطعة خلال الأزمة الصحية لجائحة كوفيد-19، إلى تفاقم تأثير الجائحة في حياتهن. 

وفي هذا الصدد، دعت هيئات المعاهدات الحكومات إلى ضمان أن تكون الاستجابات لجائحة كوفيد-19 مراعية للاعتبارات الجنسانية وذات طبيعة مترابطة، وإلى معالجة تأثير الجائحة غير المتناسب على صحة المرأة، ويؤدّي تقاطع التمييز القائم على العرق مع التمييز الجنساني في السياقات الصحية إلى زيادة احتمال تعرض النساء والبنات المنحدرات من أصل إفريقي ونساء وبنات الشعوب الأصلية لسوء المعاملة في مجال رعاية الأمومة. 

وفي الواقع، تبين أن العنف التوليدي يزيد من معدل وفيات الأمهات ويخلق حواجز أمام استخدام خدمات الرعاية الصحية من جانب هذه الفئات من النساء والبنات في بعض البلدان.

وأوصى المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية بأنه توجد حاجة -قبل اعتماد التكنولوجيا الرقمية أو التوسع في استخدامها- إلى تهيئة بيئة تنظيمية يشارك فيها مستعملو التكنولوجيا الرقمية.

وأورد التقرير أن وفيات الأمهات تُشكل إحدى أبرز نتائج التمييز ضد النساء، ما يترك المئات بل والآلاف من النساء والبنات يلقين حتفهن في جميع أنحاء العالم. 

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن المعرفة السريرية والتكنولوجيا اللازمتين للحيلولة دون حدوث هذه الوفيات موجودتان منذ فترة طويلة.. بيد أنه يجري إهمال هذه الحلول بصورة منهجية وهي كثيراً ما تكون غير متاحة أو لا يمكن الوصول إليها أو لا يجري تنفيذها، ولا سيما في البيئات المنخفضة الموارد.

 وعلى الرغم من مقصد الغاية الـ13 من الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة المتمثلة، خفض معدل وفيات الأمهات العالمي إلى أقل من 70 في المئة ألف من الولادات الحية بحلول عام 2030، تظهر تقديرات منظمة الصحة العالمية المنشورة في عام 2023 حدوث انتكاسات من وفيات الأمهات في جميع المناطق تقريباً بين عامي 2016 و2020. 

وعلى الرغم من أن هذه التقديرات ليست قاطعة فيما يتعلق بالتأثير الكامل لجائحة كوفيد-19- على صحة الأمومة، فإنها تشير إلى أنه في عام 2020، توفيت 800 امرأة تقريباً كل يوم لأسباب يمكن الوقاية منها تتصل بالحمل والولادة، وهو ما يعني وفاة امرأة كل دقيقتين تقريباً.

وذكر التقرير أن الأغلبية العظمى من الوفيات حدثت في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل التي تشهد تفاوتات واسعة في معدلات وفيات الأمهات لدى فئات النساء والبنات اللاتي درجن تاريخياً على التعرّض للتهميش.

وقد توقف التقدم المحرز في كثير من مجالات الصحة الجنسية والإنجابية في السنوات التي سبقت الجائحة، على الرغم من أن هذا التوقف لا يعزى فقط إلى جائحة كوفيد-19، وبالمثل، وجدت الدراسات أن النتائج المتحققة على مستوى صحة الأمهات والمواليد قد ساءت خلال جائحة كوفيد-19، ولا سيما في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، وإلى جانب الزيادة في معدلات وفيات الأمهات، أبلغ أيضاً عن زيادات في حالات الإملاص المواليد، (الموتى ومضاعفات الحمل واكتئاب الأمومة). 

ويثير هذا الأمر قلقاً خاصاً للفتيات والشابات دون سن الـ20 عاماً، اللائي يواجهن مخاطر أكبر للوفاة والمرض أثناء الحمل أو الولادة.

الاستنتاجات والتوصيات

في التقرير، يحيط المفوض السامي لحقوق الإنسان علماً مع التقدير بالمبادرات التي اتخذتها الجهات صاحبة المصلحة لتنفيذ نهج قائم على حقوق الإنسان بشأن الحد من وفيات الأمهات وأمراض الأمومة التي يمكن الوقاية منها وضمان الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك خدمات صحة الأمومة ولا يزال تقييم تأثير استخدام الإرشادات التقنية الصادرة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان وزيادة فهم كيفية تفعيل النهج القائمة على حقوق الإنسان بشأن وفيات الأمهات وأمراض الأمومة أمراً بالغ الأهمية، بما في ذلك في سياق حالات الطوارئ الصحية، مثل جائحة كوفيد-19. 

وأكد الأمين العام أن الصدمات العالمية الكبرى في السنوات الأخيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، قد شكلت تحدياً للمؤسسات الدولية وقوضت التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع تأثر النساء والبنات بها تأثراً غير متناسب.

وشدد غوتيريش على أن جائحة كوفيد-19 كشفت عن انعدام المساواة بين الجنسين وضاعفتها وحولت الانتباه بعيداً عن ضمان الوصول إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك خدمات صحة الأمومة. ويمثل هذا الوضع تحدياً بشكل خاص في السياقات الإنسانية والهشة وسياقات بلدان الدخل المنخفض، حيث تتصف الرعاية والخدمات الصحية بأنها ضعيفة بالفعل.

ولفت التقرير إلى ضرورة معالجة أوجه قصور السياسات والأضرار التي واجهتها ولا تزال تواجهها النساء والبنات فيما يتصل بصحتهن الجنسية والإنجابية، وعدم ضمان مشاركتهن وتمثيلهن على نحو نشط وهادف على جميع مستويات صنع القرار، مع وجوب أن تكون أصواتهن جزءاً من وضع السياسات والبرامج المتعلقة بصحتهن الجنسية والإنجابية.. وليس هذا الوضع الراهن مقبولاً، وهو الوضع الذي تتعرض فيه ملايين النساء والبنات في جميع أنحاء العالم تعرضاً شديداً لمخاطر جنسانية تهدد صحتهن الجنسية والإنجابية.

ومن التوصيات، وجوب نشر وتعزيز تنفيذ الإرشادات التقنية والأدوات ذات الصلة على أوسع نطاق ممكن، بما في ذلك على جميع الوزارات، وخاصة وزارات الصحة والمؤسسات العامة ذات الصلة على جميع المستويات، وكذلك على أصحاب الحقوق، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان العاملة في المجالات ذات الصلة.

أيضًا سن القوانين ووضع السياسات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية بما يتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان (العاملين الصحيين والنساء والبنات المهمشات)، لمناقشة تطبيق نهج قائم على الحقوق في مجال المساءلة عن تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية