فقراء غزة.. لا صوت ولا أمل

فقراء غزة.. لا صوت ولا أمل
عبداللطيف المناوي

في المشاهد المأساوية المتكررة للضربات الإسرائيلية التي تستهدف قطاع غزة، تتبدد الشعارات الكبيرة بسرعة أمام أهوال الواقع.. آخرها الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 ولم تنتهِ بعد، وهي التي بدأت بصخب غير مسبوق من حركة حماس، محمّلة بشعارات (المقاومة، التحرير، والردع)، ولكن سرعان ما انكمشت تلك الشعارات إلى شعار واحد، وهو البقاء على قيد الحياة كتنظيم، وكقوة مسيطرة على القطاع.

أصبح واضحًا، مع مرور الأشهر وتضخم المجازر والدمار، أن حماس لم تعد تملك خطة للنصر أو المقاومة، ولا حتى مسارًا للتفاوض يُفضي إلى مكاسب سياسية. هدفها اليوم لا يتجاوز البقاء كفاعل، والإفلات من الضغوط التي تهدد وجودها.

أحد أكثر جوانب الحرب مأساوية هو التفاوت الفجّ في قيمة البشر من قِبَل الأطراف المختلفة. بالنسبة لإسرائيل، باتت حياة الرهائن الإسرائيليين تتصدر كل الحسابات، حتى إن القيادة الإسرائيلية على استعداد، إلى حد ما، لتعليق العمليات أو الدخول في اتفاقيات طويلة الأمد مقابل الإفراج عنهم.

لكن بالمقابل، لا تحظى أرواح الفلسطينيين الأبرياء في غزة، من نساء وأطفال وشيوخ، بأي وزن يعادل ذلك، في حسابات إسرائيل، ولا حتى- للأسف- في حسابات حركة حماس.

تحول الرهائن إلى ورقة مساومة استراتيجية لدى حماس، وسلاح تَفاوُض في حربها للبقاء. 

وهي تحرص على حمايتهم وتأمينهم، ليس بدافع إنساني أو أخلاقي، بل لضمان استمرار ورقة الضغط الوحيدة التي ما زالت تملكها على الطاولة.

وفي المقابل، لم يكن للفقراء من أهل غزة موقع في حسابات القيادة، فقد تحصنت القيادة السياسية في أماكن آمنة خارج القطاع، بينما توزعت القيادة العسكرية في الأنفاق تحت الأرض، تاركة المدنيين العزل يواجهون أعتى آلة حرب في الشرق الأوسط.

وبينما يتحدث قادة حماس عن الصمود، يعيش الناس في العراء، في المخيمات، بلا دواء ولا حماية.

لا يوجد في هذه الحرب بطل حقيقي، إسرائيل، التي تدّعِى الدفاع عن نفسها، ارتكبت مجازر مروعة ضد المدنيين، وتجاوزت كل الأعراف الدولية والإنسانية. 

قصف لا يميز بين هدف عسكري ومدرسة، بين مقاتل وطفل. سياسة تجويع، وإذلال جماعى، وعقوبات جماعية تجاوزت كل حدود الردع إلى الانتقام والتنكيل.

وحماس، التي نصّبت نفسها حاميةً للشعب، تخلّت فعليًّا عن دورها. لم تُقدم حلًّا، ولم تُجنّب الشعب الدمار، بل اختارت أن تُدير حربًا طويلة بلا مخرج، بلا حماية، بلا رؤية.

ما بدأته حماس تحت شعار «تحرير فلسطين» أو «كسر الحصار» انتهى اليوم إلى محاولة البقاء على الخريطة السياسية بأى ثمن، حتى وإن جاء هذا الثمن من دماء آلاف الأبرياء.

الحرب لم تُنهِ حماس، لكنها كشفت حدودها، وانكشفت أمام العالم وأمام جمهورها غائبًا عنها الخطاب الأخلاقي.. لم تُحقق ردعًا، ولم تُوقف الاجتياح.

أما الشعب، فهو لا يزال هناك، يدفن موتاه تحت الأنقاض، يبحث عن رغيف، ويستجدي وقفًا للنار من عالم لا يسمعه. في هذه الحرب، لم يكن للفقراء من غزة موقع ولا صوت ولا أمل.


* نقلا عن صحيفة (المصري اليوم)



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية