كميل البوشوكة لـ«جسور بوست»: النساء والأقليات في إيران يواجهون قمعاً مستمراً
النظام يستخدم الإعدام لإسكات الشعوب
يواصل النظام الإيراني انتهاك حقوق الشعوب غير الفارسية، ومنها الأحواز والبلوش والأكراد، كما تتفاقم معاناة النساء بسبب التمييز على أساس الجنس المفروض على المرأة الإيرانية، والتدخل في ملابس النساء، بشكل قد يصل إلى الضرب والسجن والاعتداء الجنسي أو الموت كما حدث في واقعة مقتل الشابة مهسا أميني قبل عامين.
ويتواصل النهج الذي قامت عليه الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الخميني في 1979، من إحكام للسيطرة على جميع شعوب إيران، وممارسة الإقصاء والتمييز ضد الشعوب غير الفارسية، وحرمانها من التعليم بلغاتها الأصلية، وفرض اللغة الفارسية في جميع مراحل التعليم.
وخلال الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سلط تقرير دولي الضوء على ارتفاع نسبة استخدام عقوبة الإعدام في الشرق الأوسط لتأتي إيران في صدارة الدول التي تسرف في استخدام هذه العقوبة.
وفي حوار مع «جسور بوست» يسلط الناشط الحقوقي الأحوازي والباحث في مجال القانون الدولي بمعهد الحوار للدراسات، كميل البوشوكة، الضوء على الانتهاكات المتواصلة التي يرتكبها النظام الإيراني بحق المرأة والأقليات الدينية والعرقية، كما يجيب عن أسئلة متعلقة بوضعية حقوق الإنسان في إيران والإسراف في استخدام عقوبة الإعدام والتضييق على الحريات ومحاربة أي محاولة لتحسين سجل حقوق الإنسان داخل إيران.. فإلى نص الحوار:
ما تقييمك لوضعية حقوق الإنسان في إيران؟
لقد اعتُبِر وضع حقوق الإنسان في إيران سيئاً للغاية. وقد أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان الانتهاكات السابقة والمستمرة في إيران في عدة قرارات، ووفقا لمنظمات دولية لحقوق الإنسان، فإن سجل حقوق الإنسان في إيران تدهور بشكل ملحوظ.
وفي أعقاب احتجاجات سبتمبر 2022، وردت تقارير عن التعذيب والقتل ضد المتظاهرين، فضلا عن اعتقال ومحاكمات جماعية علنية لمئات من المتظاهرين حيث قرأ المتهمون اعترافات تحمل كل علامات الإكراه، وذكرت المنظمات الدولية أن السلطات الإيرانية انخرطت في حملة قمع شديدة على المدافعين عن حقوق الإنسان.
وما أبرز الانتهاكات التي ترتكبها السلطات الإيرانية بحق الأقليات العرقية داخل البلاد؟
في الواقع، نحن نتجنب استخدام مثل هذه المفردات للتعريف بأنفسنا بدلا من الاعتقاد بأننا شعوب وليس أقليات. وقد واجهت الشعوب غير الفارسية، بمن في ذلك العرب الأحوازيون، والأتراك والأذريون، والبلوش، والأكراد والتركمان، تمييزا واسع النطاق، ما أدى إلى تقليص فرص حصولهم على التعليم والتوظيف والسكن اللائق والمناصب السياسية.
وأدى استمرار نقص الاستثمار في المناطق التي يسكنها غير الفرس إلى تفاقم الفقر والتهميش والتهجير وتدمير البيئة بهدف التغيير الديموغرافي. وظلت اللغة الفارسية هي اللغة الوحيدة للتدريس في التعليم الابتدائي والثانوي، على الرغم من الدعوات المتكررة للتنوع اللغوي. وقتلت قوات الأمن بشكل غير قانوني مع الإفلات من العقاب العشرات من المتظاهرين غير الفرس، وخاصة العرب الأحوازيين بسبب احتجاجهم.
وتعاني الأقليات الدينية، بمن في ذلك البهائيون والمسيحيون والدراويش واليهود والمسلمون السنة والمندائيون الصابئة، من التمييز في القانون والممارسة، بما في ذلك في الوصول إلى التعليم والتوظيف والمناصب السياسية وأماكن العبادة، وتعرض المئات للاحتجاز التعسفي والملاحقة القضائية غير العادلة والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة بسبب إعلانهم أو ممارستهم لعقيدتهم.
ولماذا يسرف النظام الإيراني في استخدام عقوبة الإعدام؟
الإعدام يمثل استراتيجية خطيرة تتبعها الأنظمة الفاشية والديكتاتورية لإسكات الناس. ويستخدم النظام الإعدام كأداة للحفاظ على أمنه حتى يتمكن من السيطرة على الساحة الاجتماعية والسياسية في إيران. وقد كان النظام الإيراني دائمًا على رأس قائمة الدول التي تنفذ عقوبة الإعدام ضد المحتجين، وحافظ على استمرار هذه العملية في جميع مراحله.
وفي الواقع، لا يستخدم هذا النظام الإعدام لتطبيق العدالة أو الردع، بل لضمان النظام الاقتصادي وأمن شبكات السلطة وبقاء السيطرة بيد العنصر الفارسي، ويتم تنفيذ معظم هذه الإعدامات السياسية ضد الشعوب غير فارسية.
بعد عامين على مقتل مهسا أميني.. لماذا يواصل النظام الإيراني التضييق على النساء؟
يعتقد النظام أن المرأة يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في مواجهته من خلال المشاركة مع الرجال في الاحتجاجات كما حدث في سبتمبر 2022. لذلك، أصبح التحدي المستمر ضد المرأة في إيران نقطة رئيسية للنظام من أجل قمع أي نوع من الأصوات.
كما يعتقد النظام أن المرأة يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تشجيع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والغرب وتحديدا الولايات المتحدة وأوروبا لزيادة الضغط على النظام وقادته بمن في ذلك المرشد الأعلى.
لذلك، قام النظام بزيادة الإجراءات والسياسات القمعية منذ أبريل 2023، بعد 7 أشهر من احتجاجات سبتمبر 2022، لتشجيع قوات الأمن على انتهاك حقوق النساء والفتيات اللائي يُعتقد أنهن فشلن في الامتثال لقوانين وقواعد الحجاب الإلزامي من خلال ضرب وركل وصفع النساء والفتيات.
وهل يوجد فرق بين سلطة إيرانية يقودها رئيس متشدد أو آخر إصلاحي؟
علينا أن نعلم أن المرشحين للانتخابات الإيرانية لا يأتون من أحزاب سياسية متنوعة بما في ذلك المعارضة أو من قوميات وشعوب غير فارسية، بل يأتون من مؤسسات داخل النظام، لذلك، فإن جميع الرؤساء والحكومات الإيرانية يتبعون نفس النهج السياسي في ما يتعلق بالأجندة الاستراتيجية للنظام. ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات حول الأجندة التكتيكية، بالنسبة للقضايا الداخلية، هناك بعض الأجندات الاستراتيجية التي يجب على أي حكومة اتباعها مثل التعامل مع متطلبات الشعوب غير الفارسية وحقوق المرأة والاقتصاد.
ودعني أسأل، هل إعلان فوز مسعود بزشكيان بالانتخابات يعني مغادرة سعيد جليلي للمشهد؟ والإجابة لا، فهو إحدى أكثر ركائز قوة الظل تأثيرا.
وما الذي تحقق من وعود الرئيس بزشكيان الانتخابية؟
مسعود بزشكيان وعد بإيلاء اهتمام خاص للأقليات العرقية والدينية ووضع النساء في البلاد، ولكن لم يستطع؛ لأن الدستور الإيراني هو من يحدد صلاحيات وقدرات الرئيس أو أي مسؤول في البلاد.
على سبيل المثال، الفقرة 14 من المادة 3 من الدستور الإيراني يسعى النظام لأن يقول للمجتمع الدولي إن وضع حقوق الإنسان والمرأة في إيران جيد والدستور الإيراني يوفر الحماية والحقوق الكاملة، في حين أنه ليس كذلك، لأن حالات انتهاكات حقوق المرأة بما في ذلك التعذيب الجنسي ضد النساء مرتفعة للغاية، ولا يوجد قانون مكتوب في إيران يشير إلى وقف الانتهاكات ضد النساء.
بل الدستور الإيراني ينص على أن: الحجاب إلزامي، ومساواة المرأتين مع الرجل في حالات الحاجة إلى شهود أمام المحكمة، وعدم السماح بمغادرة البلاد دون إذن الزوج، ولا يسمح لها بدخول الملاعب.
ولماذا لم تنجح الاحتجاجات على مدار سنوات في إسقاط النظام الإيراني؟
فشلت كل الاحتجاجات في إيران في تغيير النظام لعدة أسباب، منها المصالح الدولية، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا التي لم تقتنع بعد بتغيير النظام من أجل المنظور السياسي والتوازنات الإقليمية، والصدام بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى، والخلاف بين المعارضين الفرس وأحزاب غير الفارسية.
ولا تزال هناك رغبة قوية بين الفرس في إيران في إنكار وضع الشعوب غير الفارسية في إيران باعتبارها أقليات تتعرض للتمييز. والحجة المشتركة لهؤلاء الفرس هي أننا جميعا بشر أو أننا جميعا إيرانيون وأن مصطلح فئات الأغلبية/الأقلية خطأ، والمشكلة الرئيسية هي عدم وجود حكومة ديمقراطية في إيران. في حين نفس المعارضة الفارسية لديها رؤية أكثر تطرفا ضد الشعوب غير الفارسية وتحديدا الأحوازيين.
كما توجد أسباب أخرى تلعب دورا هاما في إفشال خطة إسقاط النظام في الاحتجاجات، ومنها غياب القيادة والتخطيط، وعشوائية فكر القيادات في استمرارية التظاهرات بحيث لم تكن قيادات الحركات الاحتجاجية قادرة على حشد الكثير من الناس، واستخدام العنف الشديد من جانب النظام، وكان على المتظاهرين دفع كلفة باهظة في احتجاجاتهم مثل الاعتقال والتعذيب والإعدام.
قد يقول البعض إنه نظام راسخ وهناك تمسك شعبي ببقائه.. ما رأيك؟
كما أوضحت في السؤال السابق، عدم سقوط النظام يعود لضعف أجندة المعارضة وعدم قناعة الغرب بسياسة تغيير النظام كما فعل في دول عربية، وهذا يعني أن النظام ليس له شعبية في البلاد، أو أن مؤيديه من الأقلية فقط.
ولماذا لم تفلح سياسة العقوبات الدولية في الضغط على إيران لتحسين سجلها الحقوقي؟
ينبغي لنا أن نعلم أن العقوبات تعمل بطريقتين، إما أنها من المفترض أن تضع ضغطا كافيا على النظام والدولة المستهدفة لتغيير سلوكها، أو أنها من المفترض أن تضع ضغطا كافيا على المجتمع للانتفاض ضد النظام والإطاحة به. في حين أن العقوبات على إيران ليست جديدة فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على إيران لأول مرة في عام 1979، إلا أن التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط وسياسة النظام في دعم الإرهاب والعنف جلبت هذه العقوبات إلى الواجهة.
في الحقيقة استخدام أمريكا للعقوبات كتكتيك دفاعي ورادع ضد النظام الإيراني يعني أن نوعية هذه العقوبات لا تسقط أنظمة ولا تجبر أنظمة لتغيير سلوكها. ولكن في فترة دونالد ترامب زادت العقوبات بنحو 900% لتغيير سلوك النظام فقط وليس إسقاطه. لكن القمع الداخلي غير مرتبط بالعقوبات. وكلما ضعفت سياسة النظام إقليميا يزداد القمع في الداخل.
وهل هناك أمل في أن يصلح النظام الإيراني نفسه من الداخل؟
لقد ظل النظام الإيراني منحرفا فكريا وسياسيا منذ تأسيسه عام 1979، ومبادئ الدستور في إيران في ظل النظام الحالي ثابتة، وتسمح للنظام بمواصلة نهجه العنيف، في وجود مجلس صيانة الدستور وفكر ولاية الفقيه في مؤسسات الدولة، ووجود قوانين في النظام الحالي تصر على التمييز الديني والجنسي بين الأفراد. ولذلك لا يمكن إصلاح النظام الحالي لأن النظام لا يستطيع قبول فصل مؤسسة الدين عن الحكومة، ولا يستطيع التنازل عن سلطة الفقيه المطلقة.
في حال تغير النظام.. هل سيواصل الأحواز والأكراد وغيرهم المطالبة بدول مستقلة أو بالحكم الذاتي أم سينصهر الجميع في دولة ديمقراطية؟
تقرير المصير والحصول على الاستقلال عن إيران يعتبر خطة استراتيجية لشعب الأحواز وغيره من الشعوب غير الفارسية. ومع ذلك، فقد فهم هؤلاء الناس وجهة نظر الغرب والمجتمع الدولي لقبول التوازن السياسي في المنطقة أو في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، فإن المشاركة في النظام السياسي الإيراني المستقبلي ممكنة لأسباب تكتيكية، ولكن فكرة الوصول إلى تقرير المصير تظل هدفا استراتيجيا، فعلى سبيل المثال، تتمتع اسكتلندا في المملكة المتحدة بنظام ديمقراطي فيدرالي، ولكن في الوقت نفسه لها الحق في طلب تقرير المصير أو الاستفتاء للانفصال عن بريطانيا.
وينبغي لنا أن ندرك أن المعارضة الفارسية لا بد أن تقبل حقيقة أنها لا تشكل أغلبية في إيران، وبالتالي فلا يجوز لها أن تفرض أيديولوجيتها على الآخرين، كما ينبغي لها أن تعمل على تغيير سلوك شعبها الفارسي حتى ينتقل من الأيديولوجية الفاشية المعادية للشعوب وتحديدا العرب إلى الفكر الديمقراطي، وبالتالي من دون التحرك نحو هذه العملية وقبول واحترام الآخر، يصبح من المستحيل تقاسم أي نوع من الأدوار السياسية مع المعارضة الفارسية في المستقبل.