«1000 يوم حرب».. الحقوق والحريات الخاسر الأكبر من الصراع بين روسيا وأوكرانيا
بتداعيات طالت أوروبا والعالم
بأهوال إنسانية لم يتخيلها أحد، عاشت قارة أوروبا توترات صعبة على وقع 1000 يوم من الحرب الروسية الأوكرانية، التي أسفرت عن مقتل وإصابة آلاف المدنيين ونزوح الملايين، وقصف المستشفيات والمدارس والمنازل، وارتكاب انتهاكات ترقى إلى جرائم الحرب.
وفي 24 فبراير 2022، بدأت روسيا غزوا عسكريا واسعا لأوكرانيا، ووقعت هجمات عشوائية وأعمال عدائية تنتهك القوانين الدولية، حيث فر ملايين الأشخاص في أوكرانيا من منازلهم، فيما بلغت الرقابة في روسيا إلى مستويات مرتفعة، حيث منعت السلطات الوصول إلى العديد من المواقع الإعلامية المستقلة على أساس منشوراتها حول الحرب، وأغلقت وسائل الإعلام المستقلة.
وشهد مسار الحرب في البلدين ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بدءا من التضييقات والمراقبة مرورا بالاعتقال التعسفي ومحاكمة المعارضين، وصولا لتعذيب الأسرى وعمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، في انتهاكات صريحة للقانون الدولي الإنساني.
تقديرات ومخاوف أممية
وقبل أيام، تحدث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن مرور 1000 يوم على الحرب الروسية الأوكرانية، قائلا: "تلك الفترة التي مرت على الاعتداء المسلح الشامل الذي شنه الاتحاد الروسي على أوكرانيا، اتسمت بالدمار الهائل وسقوط قتلى وجرحى وبالنزوح ومعاناة الأسر، وبتفشّي انتهاكات القانون الدولي على نطاق واسع".
وأضاف تورك: "سرعان ما أمست هذه الحرب مثالاً مأساويًا صارخًا على الدمار الذي خلّفته على الناس والبيئة والمستقبل المشترك، كما تركت إرثًا من الصدمات والخسائر للأجيال المقبلة"، مؤكدا تواصل انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في أماكن الاحتجاز، إذ وصلت تقارير عن أنماط من تعذيب أسرى الحرب الأوكرانيين وسوء معاملتهم الممنهجة على يد الروس.
وبخلاف تعذيب الأسرى وجه المسؤول الأممي في خطابه اتهاما إلى روسيا، بأنها تواصل اعتداءاتها الممنهجة على البنية التحتية الحيوية للطاقة في أوكرانيا، حيث شنت أربع موجات كبيرة على الأقل من الهجمات على مدى ثلاثة أشهر، وبشكل متزايد ضد مرافق توليد الطاقة.
وبحسب تورك، فإن هذه الاعتداءات أدت إلى انخفاض ملحوظ في قدرة أوكرانيا على توليد الطاقة، إضافة إلى معاناة الأوكرانيين من انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف، ومن الممكن أن يتدهور الوضع خلال فترة الشتاء القارس عندما يزداد الطلب على الطاقة الكهربائية.
وأكد أن "الحرب تسمم بشكل مطرد الأراضي والموائل الطبيعية في أوكرانيا، وتلوث الهواء والمياه الجوفية والتربة، بما فيها المستخدمة في الزراعة، كما تزيد الأعمال القتالية النشطة بالقرب من محطات الطاقة النووية والاعتداءات على البنية التحتية ذات الصلة من خطر عدم الاستقرار النووي والحوادث النووية، ما قد يسبب عواقب وخيمة عابرة للحدود".
انتهاكات حقوقية وقانونية
وقدم الأمين العام المساعد لأوروبا وآسيا الوسطى والأمريكتين في الأمم المتحدة ميروسلاف ينتشا، إحاطة لمجلس الأمن بشأن الأوضاع في أوكرانيا، شرح خلالها مجموعة من الانتهاكات الحقوقية والقانونية التي ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا، وتتسبب بأضرار هائلة للسكان.
وقال ينتشا: "رغم مرور 1000 يوم على هذه الحرب المدمرة، لا تزال تسبب معاناة إنسانية عميقة، وتهدد الاستقرار الإقليمي، وتفاقم الانقسامات العالمية، حيث تستمر روسيا في شن هجمات منهجية بلا هوادة على الأوكرانيين، توقع العديد من الإصابات يومياً وتسفر عن أضرار جسيمة بالبنية التحتية الحيوية".
وأضاف: "بالانتقال إلى المناطق الأقرب للصراع العسكري في شرق وجنوب أوكرانيا، فإنها تشهد أسوأ تأثير للحرب على المجتمعات، إذ بات الموت والدمار حدثاً يومياً بعيدا عن مناطق القتال النشط، بما يشمل ذلك المناطق السكنية في العاصمة كييف".
ومضى ينتشا، موضحا أن "التدمير الواسع النطاق وانقطاع إمدادات الطاقة والمياه في جميع أنحاء أوكرانيا قد يؤديان لتفاقم الظروف المعيشية لملايين الأوكرانيين خلال الشتاء الثالث من هذه الحرب. لا نزال نشعر بقلق عميق إزاء 1.5 مليون شخص لم نتمكن من الوصول إليهم بشكل صحيح في أجزاء من المناطق التي يحتلها الاتحاد الروسي حاليا".
وأشار إلى عمليات التعذيب التي تمارسها روسيا بحق أسرى الحرب الأوكرانيين، محذرا من خطر وقوع حادث نووي بسبب تكرار استهداف محطة "زابوريجيا" للطاقة النووية في أوكرانيا، حيث تزيد الانفجارات المنتظمة وإطلاق النار والانقطاعات المتكررة لإمدادات الطاقة الخارجية.
قتل ولجوء ونزوح
وبحسب إفادات المديرة الإقليمية لشرق أوروبا وآسيا الوسطى في صندوق الأمم المتحدة للسكان، فلورنس باور، فإن عدد السكان في أوكرانيا تراجع بعشرة ملايين نسمة منذ 2014، وبنحو ثمانية ملايين منذ الغزو الواسع في 2022، تحت تأثير تغيير الغزو الروسي للوضع الديموغرافي في أوكرانيا.
وأوضحت باور في مؤتمر صحفي، أن "معدل المواليد في أوكرانيا انخفض بشكل حاد، إذ يبلغ حاليا نحو طفل واحد لكل امرأة، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم"، مؤكدة أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في مقتل آلاف الأوكرانيين (مدنيين وعسكريين)، وتشريد الملايين خارج حدود بلادهم، فضلا عن احتياج 14.6 ملايين شخص للمساعدة الإنسانية.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، قتل 11 ألفا و973 مدنياً في أوكرانيا، بينهم 622 طفلا، كما أصيب 25 ألفا و943 شخصا بينهم ألف و686 طفلا منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، فضلا عن لجوء 6.5 مليون شخص من البلاد.
ومنذ بداية الهجوم الروسي، نزح ثلث سكان أوكرانيا بشكل قسري داخلياً، حيث يعيشون مخاطر عدة على وقع الصراع الدائر، فقد تسببت الهجمات الصاروخية في تدمير المنازل والشركات وإلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء البلاد، وفق إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وأوضحت المفوضية الأممية، أن "أزمة الطاقة في أوكرانيا تعطّل وصول السكان للمياه والكهرباء والتدفئة والرعاية الصحية والتعليم والحماية الاجتماعية، ويكون وقع هذه الأوضاع أسوأ على الفئات الضعيفة، خاصة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة الذين قد لا يتمكنون من الفرار من المناطق عالية الخطورة، إضافة للنساء والأطفال الذين يشكلون نحو 90 بالمئة من النازحين، وهم معرضون أيضاً لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي والاستغلال والاعتداء الجنسيين".
روسيا تشكو للمنظمات الدولية
وتشكو روسيا في مختلف المحافل الأممية والدولية تأثير الهجمات التي تشنها أوكرانيا على مقاطعة كورسك الحدودية، والتي تعرضت لاختراق بري مفاجئ من جانب القوات الأوكرانية في أغسطس الماضي.
وطالب رئيس المجلس الرئاسي الروسي لتنمية المجتمع المدني وحقوق الإنسان، فاليري فاديف، المنظمات الدولية بالاعتراف بالطبيعة الإرهابية لتصرفات نظام كييف في كورسك.
وقال فاديف: "هجوم القوات الأوكرانية على مقاطعة كورسك، تعمدوا استهداف المدنيين. هؤلاء ليسوا ضحايا عشوائيين، وما يحدث للأسف أثناء الأعمال القتالية هي عمليات قتل متعمدة، حيث قُتلت امرأة حامل، وهناك أطفال جرحى، مصابون بجروح في الظهر، وتجري عملية مطاردة للسيارات المدنية".
وأشار المسؤول الروسي إلى أن "هذه مجرد بعض الحقائق والوقائع، وبعد صد الهجوم سيكون من الضروري تجميع قائمة كاملة بالجرائم المرتكبة واتخاذ الإجراءات المناسبة".
وتابع: "هذه جرائم واضحة تحظر اتفاقية جنيف استهداف المدنيين وما نراه هو أنهم يتعمدون مهاجمة السيارات السلمية، واللاجئين، وهذا بلا شك انتهاك لاتفاقية جنيف، ونحن نتعامل مع جرائم حرب".
وأكد وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو أن 66 شخصا بينهم 9 أطفال أصيبوا بجروح جراء قصف القوات الأوكرانية مقاطعة كورسك الروسية أغسطس الماضي.
مرحلة مفصلية من الانتهاكات
واعتبر الخبير الروسي، الدكتور ديميتري بريجع، أن مرور 1000 يوم على الحرب الروسية الأوكرانية يمثل مرحلة مفصلية في تحليل أوضاع حقوق الإنسان وتأثير الحرب على تلك الحريات الأساسية، لا سيما أن حالة حقوق الإنسان تعرضت لضغوط شديدة على وقع النزاع.
وقال بريجع، في تصريح لـ"جسور بوست": "تأثرت حياة ملايين المدنيين بشكل مباشر، ومناطق القتال شهدت تهجيراً جماعياً وانتهاكات عديدة، تشمل القتل خارج نطاق القانون، وتدمير البنية التحتية الأساسية، ما أدى إلى نقص في الإمدادات الطبية والغذائية".
وأضاف: "الموقف الروسي يعتبر أن العمليات العسكرية ضرورة لحماية الأمن القومي والرد على ما تصفه بالاعتداءات والتهديدات الموجهة ضدها، وهي تؤكد التزامها بفتح ممرات إنسانية وإيصال المساعدات إلى المتضررين، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على استقرار المناطق التي تسيطر عليها".
واستدرك قائلا: "ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن الحرب فرضت تحديات كبيرة على حقوق الإنسان، سواء في مناطق القتال أو على مستوى المنطقة ككل، حيث بات الوضع يتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة للتوصل إلى حلول سلمية، تؤدي إلى تحسين أوضاع حقوق الإنسان وضمان حياة كريمة للمواطنين".
وبعبارة "لا حلول إلا بالمفاوضات"، توقع بريجع أن تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونتائجها مسارا فاصلا في الحرب الروسية الأوكرانية، لإحداث نقلة نوعية في مسار الحل، معوِّلا على أهمية أن تتراجع الدول المؤثرة بالمنطقة في إطالة أمد تلك الحرب الدموية التي يتبادل فيها الأوكران والروس بيانات السيطرة على مواقع جديدة وسط خسائر اقتصادية كبيرة للبلدين.
فاتورة مشتركة للحرب
وقال الدكتور رامي القليوبي، الأستاذ الزائر بكلية الاستشراق بالمدرسة العليا بموسكو، إن أي منطقة صراعات وحروب من المؤكد أنها تشهد انتهاكات حقوقية وإنسانية جسيمة من طرفي النزاع، في ظل العدوان وفرض الأحكام العرفية وانتشار السلاح.
وأضاف القليوبي، في تصريح لـ"جسور بوست": "حكومات الدول ترتكب انتهاكات ضد شعوبها أثناء الحروب، مثل منع كييف للشباب الأوكران من السفر لإجبارهم على التجنيد في الجيش، وفي روسيا استدعاء 300 ألف من أفراد الاحتياط من الشعب وهذا إخلال بالعقد الاجتماعي بين المواطنين والسلطة، والذي يضمن توفير الدولة قدرا من الأمن والرخاء مقابل عدم التدخل في السياسية".
ورأت الباحثة المتخصصة في الشؤون الدولية، علا شحود، أن كلاً من أوكرانيا وروسيا تقومان بانتهاكات صارخة، لا سيما مع تخفيض أوكرانيا سن التجنيد بالجيش، ما دفع آلاف الشباب للهروب عبر الغابات والطرق الصعبة لأوروبا، وكذلك حال في روسيا حيث يتم إجبار الشباب على الانضمام لصفوف القوات في الحرب".
وتابعت علا شحود: "حقوق الإنسان بعد 1000 يوم على الحرب ستكون ملفاً في غاية السلبية".
واعتبر الأكاديمي والباحث الفرنسي في العلاقات الدولية، بيير لويس ريمون، أن روسيا وأوكرانيا دفعتا فاتورة كبيرة جراء المعارك الممتدة.
ورجح ريمون، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن المجتمع الدولي سيضطر إلى العودة للحوار والتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لإنهاء الحرب مع أوكرانيا والتي ألقت بظلالها على القارة الأوروبية والعالم بأسره.