«واشنطن بوست»: رحيل البابا فرنسيس يترك فراغاً حقوقياً في الدفاع عن المهاجرين
«واشنطن بوست»: رحيل البابا فرنسيس يترك فراغاً حقوقياً في الدفاع عن المهاجرين
ودّع العالم البابا فرنسيس، الذي كرّس حبريته للدفاع عن المهمّشين ونشر ثقافة الرحمة، بعد وفاته صباح الاثنين عن عمر ناهز 88 عاماً، وقد مثّل رحيله نهاية مرحلة مفصلية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث قاد الكنيسة خلال 12 عاماً مليئة بالتحولات، وواجه خلالها تصاعد النزعة القومية والانقسامات الداخلية.
ووفقا لتقرير نشرته "واشنطن بوست"، اليوم الثلاثاء، احتفل البابا في آخر ظهور له بعيد الفصح، أقدس الأعياد المسيحية، بينما جلس على كرسيه المتحرّك في ساحة القديس بطرس، محاطًا بعشرات الآلاف، وُجّهت كلمته الأخيرة إلى العالم، حيث شدد على أهمية الرحمة في مواجهة الخوف والكراهية.
وقرأ أحد مساعديه الرسالة بصوت مرتفع: "كم يُثار من الاحتقار أحيانًا تجاه الضعفاء والمهمّشين والمهاجرين!".
وأضاف: "أدعو جميع من يشغلون مناصب المسؤولية السياسية في عالمنا ألا يستسلموا لمنطق الخوف"، دون أن يسمي دولًا أو قادة.
زعيم أخلاقي وصوت للفقراء
تجمّع العديد في ساحة القديس بطرس فور إعلان وفاته، وعبّر كثيرون عن حزنهم لفقدان شخصية كانت صوتًا أخلاقيًا صريحًا في عالم مضطرب، قالت الراهبة النمساوية بريجيت ثالهامر: "كان لا يزال صوتًا أخلاقيًا، يدافع عن السلام والعدالة وكرامة الناس".
وأردفت: "دعائي أن تظل الكنيسة مختلفة عن قادة العالم، حيث يتربع المتنمرون على القمة".
وخلال فترة بابويته، نقل فرنسيس تركيز الكنيسة من القضايا العقائدية التقليدية، مثل الطلاق والمثلية ومنع الحمل، إلى قضايا أكثر اتصالًا بالواقع العالمي، من بينها تغير المناخ، والهجرة، والذكاء الاصطناعي، ورفض مرارًا الانخراط في الانقسامات السياسية، مؤكدًا أن رسالته موجهة لكل الناس "بغض النظر عن خلفيتهم".
مجمع انتخاب البابا المقبل
تستعد الكنيسة لعقد المجمع السري خلال أقل من 20 يومًا لاختيار البابا الجديد، يشارك في المجمع 135 كاردينالًا يمثلون جميع أرجاء العالم، من ميانمار إلى إيران، ويُتوقع أن يكون هذا المجمع الأكبر من نوعه في التاريخ الكاثوليكي.
ولم يُعيّن البابا فرنسيس خلفًا واضحًا، ما يفتح الباب لاحتمالات عديدة، بما في ذلك جولات اقتراع طويلة أو مفاجآت غير متوقعة، وقال ماركو بوليتي، مؤلف كتاب عن إرث فرنسيس: "أكثر من أي وقت مضى، سيُعثر على البابا الجديد داخل المجمع المغلق، وليس قبله".
وأُعلنت الوفاة رسميًا عند الساعة 7:35 صباحًا في مقر إقامته بدار سانتا مارتا، وأكد مدير الصحة بالفاتيكان، الدكتور أندريا أركانجيلي، أن الوفاة نتجت عن سكتة دماغية تلاها انهيار قلبي وعائي، عقب معاناة من التهاب رئوي مزدوج، وتوسع مزمن في القصبات الهوائية، وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري من النوع الثاني.
وكان البابا قد خضع للعلاج في المستشفى لمدة 38 يومًا، وكاد أن يموت مرتين، لكنه عاد إلى الظهور العلني يوم 23 مارس، وسط تفاؤل حذر من أنصاره، ورغم نصائح الأطباء بالراحة، أصر على استكمال مهامه حتى آخر لحظة.
وبدأت مراسم الحداد فور إعلان الوفاة، وتولى الكاردينال كيفن فاريل، الذي يشغل منصب الكاميرلينغو، إدارة شؤون الفاتيكان مؤقتًا، أعلن الخبر للعالم قائلًا: "أُعلن ببالغ الحزن وفاة قداسة البابا فرنسيس، الذي كرس حياته كلها لخدمة الرب وكنيسته".
وفي مساء الاثنين، أُغلق مقر إقامة البابا رسميًا، كما جرت العادة، بختم الشقة بالشمع الأحمر، نُقل الجثمان إلى كنيسة دار سانتا مارتا، حيث أقيمت مراسم خاصة حضرها كبار المسؤولين وأفراد من عائلته.
قبرًا بسيطًا خارج الفاتيكان
في وصيته التي كتبها عام 2022، طلب فرنسيس أن يُدفن في كاتدرائية القديسة مريم الكبرى بروما، ليكون أول بابا منذ أكثر من قرن يُدفن خارج أسوار الفاتيكان، وشدد في وصيته على أن يكون القبر "بسيطًا، بدون زخرفة، وعليه فقط اسم فرانسيسكوس".
ومن المتوقع أن يُعرض الجثمان علنًا في كاتدرائية القديس بطرس، قبل مراسم الجنازة، التي يُرجح إقامتها في أحد أيام نهاية الأسبوع.
وتوالت ردود الأفعال من زعماء العالم... كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "ارقد بسلام يا بابا فرنسيس! باركه الله وكل من أحبه!"، أما الرئيس السابق جو بايدن، وهو ثاني رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة، فقال إن فرنسيس كان "بابا الشعب"، مضيفًا: "أمرنا بالكفاح من أجل السلام، والدفاع عن كوكبنا، وعن من لا صوت لهم".
الدفاع عن العدالة
مثّلت وفاة فرنسيس خسارة لصوت عالمي كان يتحدى القادة، ويدعو إلى التضامن مع الفقراء والمهاجرين، اصطدم مع إدارة ترامب بسبب سياسات الهجرة، وانتقد الحكومات الأوروبية على تقاعسها بشأن تغير المناخ.
رغم معارضة داخلية شديدة من تيارات محافظة داخل الكنيسة، بقي فرنسيس متمسكًا بنهجه الشجاع، مؤكدًا أن العقيدة لا تتعارض مع الرحمة والانفتاح، والآن، تجد الكنيسة نفسها أمام تحدٍ مصيري: كيف يمكن الحفاظ على إرثه ومواصلة رسالته في عالمٍ تزداد فيه الانقسامات؟