100 يوم من حكم ترامب.. عداء يتصاعد تجاه وسائل الإعلام والهجوم على الصحفيين

100 يوم من حكم ترامب.. عداء يتصاعد تجاه وسائل الإعلام والهجوم على الصحفيين

بين المنع والهجوم على الصحفيين وإغلاق وتقييد مؤسسات إعلامية أحدها يرجع تاريخه لـ180 عاماً، مرت 100 يوم من حكم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب محملة بخطاب يتضمن انتقادات قاسية ضد الصحافة والإعلام ببلاده.

ويرى خبراء إعلام تحدثوا لـ"جسور بوست"، إن هذا نهج خطر ومعبر عن عداء مفرط تجاه الإعلام والصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك غير مسبق، لافتين إلى أن المستقبل مقلق وقد يحمل تراجعاً نسبياً، أو استمراراً في حال العداء بصورة تزيد المخاوف على حريات الإعلام والصحافة بالبلد الذي طالما نصب نفسه مدافعاً عنه لعقود.

بعد نحو 10 أيام على تنصيب ترامب، أعلن الإدارة بالبنتاغون في نهاية يناير أنها ستخلي مكاتب أربع مؤسسات إعلامية من بينها صحيفة نيويورك تايمز والإذاعة الوطنية العامة وشبكة إن.بي.سي نيوز المملوكة لشركة كومكاست كورب وصحيفة بوليتيكو داخل وزارة الدفاع مشيرة إلى رغبتها في إفساح المجال لهيئات أخرى، بحسب ما نقلته رويترز، وسط حديث مراقبين أن الجديدة أقرب من نهج الرئيس الأمركيي ولا تحمل أي توجهات ليبرالية أو معارضة.

وفي 6 فبراير الماضي، كتب ترامب على صفحته في شبكة التواصل الاجتماعي Truth Social: "كما يبدو قامت وكالة USAID ومنظمات أخرى، بسرقة مليارات الدولارات وتم استخدام جزء منها لتمويل وسائل الإعلام التي تنشر الأخبار الزائفة، وذلك بمنزلة رشوة، وتنشر روايات إيجابية عن الديمقراطيين".

وأعرب الرئيس ترامب عن اعتقاده بأن صحيفة Politico حصلت على ما يقارب 8 ملايين دولار من الحكومة الأمريكية، وتساءل ما وسائل الإعلام الأخرى التي تلقت الأموال الحكومية كذلك، مشيراً إلى أن هذه القضية، ستؤدي إلى "أكبر فضيحة حتى الآن"، ولن يتمكن الديمقراطيون من الهروب والتملص منها.

إلغاء اشتراكات بوسائل الإعلام

وأعلنت وزارة الكفاءة الحكومية أنه تم إلغاء اشتراكات بعض المؤسسات الحكومية الأمريكية في وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة Politico، وصحيفة New York Times، ووكالة أسوشيتد برس، في خطوة يراها المراقبون وسيلة من إدارة ترامب لتقويض الصحافة التي تعاني بالفعل من ضائقة مالية.

وردت ”بوليتيكو”، عبر رئيس تحريرها جون هاريس: "لم نتلقَ أي تمويل حكومي على الإطلاق، لا إعانات، ولا منح، ولا مساعدات. الوكالات الحكومية التي تشترك في خدماتنا تفعل ذلك من خلال عمليات المشتريات العامة الاعتيادية، تمامًا كما تشتري أي أداة أخرى للعمل بكفاءة كبرى. هذا ليس تمويلاً، إنه صفقة".

وفي منتصف فبراير منع البيت الأبيض صحفيي ومصوري وكالة "أسوشيتد برس" العريقة التي تأسست قبل 180 عاماً من دخول المكتب البيضاوي والسفر على متن الطائرة الرئاسية بسبب إصرار الوكالة الأميركية العريقة على استخدام تسمية "خليج المكسيك" عوضاً عن "خليج أميركا" كما قرر ترامب.

وأشارت وكالة "رويترز" في 26 فبراير 2025، إلى منع مراسلها ومراسلي "هافبوست" و"دير تاجس شبيجل" الألمانية إلى جانب مصور وكالة "أسوشيتيد برس" من تغطية أول اجتماع للرئيس ترامب مع الكابينيت.

وباليوم ذاته، ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي، أن ترامب، وضع سابقة جديدة للسيطرة الحكومية المشددة والعقابية على الصحافة الحرة، لافتا إلى أنه قبل توليه المنصب، رفع ترامب دعاوى قضائية ضد شبكة ABC وشبكة CBS، وخبير استطلاعات الرأي السابق في صحيفة Des Moines Register بسبب تغطيتها الإعلامية.

ووافقت ABC على دفع 15 مليون دولار لمكتبة ترامب الرئاسية المستقبلية بدلاً من الخوض في معركة قضائية، ويبدو أن CBS تتجه أيضاً نحو التسوية. ومن الصعب ألا يشجع هذا المزيد من الدعاوى القضائية ويغري الرؤساء المستقبليين الغاضبين من التغطية الإعلامية بفعل الشيء نفسه، بحسب الموقع.

وفي 26 فبراير، أعلن البيت الأبيض أنه سيتولى مسؤولية تحديد الصحفيين الذين يحق لهم تغطية نشاطات ترامب، متخليًا بذلك عن الدور الذي أدته جمعية مراسلي البيت الأبيض لعقود في تنظيم هذا الأمر.

وانتقدت جمعية مراسلي البيت الأبيض القرار، مؤكدة في بيانها أنه "في بلد حر، لا يختار القادة وسائل الإعلام"، ووصف رئيسها، يوجين دانييلز، الإجراء بأنه "يمزق استقلالية الصحافة الحرة في الولايات المتحدة"، معتبرًا ذلك يمثل سابقة خطِرة.

ومنعت الإدارة الجديدة الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي من نشر مواد إعلامية تعارض سياسات الرئيس ترامب، وفق ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز"، في 28 فبراير الماضي، كاشفة عن إجازات ممتدة مع عدد من منتسبي الشبكة على ذمة التحقيقات.

وبهدف وقف التمويل الفيدرالي عن الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً في 15 مارس ويشمل ذلك "فويس أوف أمريكا" وشبكات الإذاعة الموجهة مثل "راديو أوروبا الحرة و"راديو آسيا الحرة" وشبكات البث للشرق الأوسط، مع إعطاء موظفي "فويس أوف أمريكا"، البالغ عددهم 1300 إجازة إدارية ومنعهم من دخول مقر الشبكة أو استخدام معداتها

أمر قاضٍ فيدرالي أمريكي البيت الأبيض، في 8 أبريل الجاري، بالسماح مجدداً لمراسلي وكالة أسوشيتيد برس (أ ب) بتغطية جميع النشاطات الرسمية للرئيس دونالد ترمب، معتبراً أنه لا يحق للرئيس منع وسائل الإعلام بسبب "وجهات نظرها".

مخاوف وانتقادات

على مدار الـ100 يوم الأولى من حكم لم تتوقف الانتقادات والمخاوف، وقال مات غيرتز، من مؤسسة “ميديا ماترز” ذات التوجه اليساري: “النتيجة المترتبة على كل هذا هي أن قاعدة لنجعل أميركا عظيمة مجدداً، باتت تملك تبريراً جديداً لرفض أي تغطية سلبية لترامب”.

وقال روي غوتيرمان، الأستاذ بجامعة سيراكيوز، لوكالة فرانس برس: “يبدو أن الإدارة الجديدة تكثّف جهودها لمعاقبة وسائل الإعلام. نحن نتحرك إلى ما هو أبعد من مجرد التهديدات”.

وفي بيان، قالت لورين إيستون من وكالة أسوشيتد برس، إن الوكالة تشعر بخيبة أمل عميقة لأن البيت الأبيض اختار فرض قيود على جميع وكالات الأنباء، بدلاً من استعادة وصول الوكالة، وأضافت: "تمثل وكالات الأنباء آلاف المؤسسات الإخبارية في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم .. لا تزال تصرفات الإدارة تتجاهل الحرية الأمريكية الأساسية في التعبير عن الرأي دون رقابة حكومية أو رد فعل انتقامي".

وصرح الصحفي لدى "صوت أمريكا" ليام سكوت عبر إكس بأن إغلاق إدارة ترامب لـ"صوت أمريكا" ومنصات إعلامية أخرى تندرج "في إطار جهودها لتفكيك الحكومة على نطاق أوسع، لكنها أيضاً جزء من هجوم الإدارة الأوسع على حرية التعبير والإعلام".

وتابع "غطيت حرية الصحافة لمدة طويلة ولم أرَ قط شيئاً على غرار ما حدث في الولايات المتحدة خلال الشهور القليلة الماضية".

ووفت لجنة حماية الصحفيين (CPJ) بأن خطوات إغلاق وسائل الإعلام "مخزية"، محذّرة من أن البيت الأبيض يقوّض وكالة يموّلها الكونغرس ويدعم الصحافة المستقلة في الأنظمة الاستبدادية.

هجمة شرسة

من جانبه، قال الدكتور مهدي عفيفي، عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والباحث والمحلل السياسي، في تصريح لـ“جسور بوست”، إنه خلال المئة يوم الأولى من حكم ترامب هناك هجمة شرسة من ترامب وأعوانه ضد الإعلام والصحافة وكأنه عقاب على الأراء ومحاولة لتقييد حق التعبير مع تصدر الوسائل الإعلام الموالية لترامب كفوكس نيوز.

وأكد عفيفي، أن ما يحدث تهديد لحرية التعبير والإعلام التي يضمنها الدستور الأمريكي، معتقداً أن ما يفعله ترامب يحد من الحريات التي اعتاد عليها المواطن، وتقييد كبير ومحاولة لإسكات الأفواه صاحبة الأراء المستقلة.

بدورها، قالت عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، الدكتورة ليلى عبد المجيد لـ"جسور بوست" إن ترامب في فترة رئاسته الأولى كان علاقته أيضاً سيئة بوسائل الإعلام بشكل عام، وكان هذا نتاج مهاجمتهم له، وما يفعله اليوم ليس جديداً.

وأكدت الدكتورة ليلى عبد المجيد أن ترامب اتخذ قرارات الإغلاق بدعوى ترشيد الإنفاق كما حدث مع قناة الحرة التي كان لها حضور بالعالم العربي ولا يعرف هل هناك خطط أخرى أم لا؟

وترى أن مواقفه الحالية تأتي في ظل قرارات حاسمة يتخذها، سواء بتخفيف العمالة أوالرسوم الجمركية لذا تبدو العلاقة متوترة مع الصحفيين خشية أن يهاجموه، لكنه عادة قد يتراجع عن بعض مواقفه.

وتتوقع الدكتورة ليلى عبد المجيد أن تتغير الأمور جزئياً أو كلياً في المرحلة المقبلة، معربة عن تفاؤلها أن يتم بعد فترة تغيير هذا المسار من جانب ترامب، ويغير أسلوبه مع وسائل الإعلام خاصة وأمريكا كانت تهتهم بالإعلام والإعلام الرئاسي الأمريكي له تاريخ طويل وعريق ولرؤساء سابقيين علاقات جيدة مع الإعلام.

من جانبه، قال الأكاديمي المتخصص في الإعلام السياسي، الدكتور صفوت العالم، في حديث لـ"جسور بوست"، لا شك أن تعامل الرئيس ترامب مع وسائل الإعلام يتسم بالحدة والمبالغة في التناول وعدم إتاحة الفرصة للرأي والرأي الآخر، وآرؤاه تتسم بالتطرف وعدم التوازن.

وأكد أن اختيار الصحفيين من جانب إدارة ترامب نوع من التجاوز يمس حرية الإعلام، معرباً عن مخاوفه من أن يستمر التطرف في المنع وعدم إتاحة الفرصة للرأي والرأي الآخر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية