بسبب تغير المناخ.. تقرير أممي: 216 مليون شخص معرضون للنزوح بحلول 2050
خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان
حذّر تقرير أممي حديث من أن العالم بات يواجه «الوضع الطبيعي الجديد» المتمثل في تصاعد الكوارث المناخية من فيضانات وجفاف وحرائق غابات وموجات حر، مؤكداً أن الفقراء في البلدان النامية يدفعون الثمن الأكبر رغم أنهم الأقل مسؤولية عن أزمة المناخ.
جاء ذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بمسألة الفقر المدقع وحقوق الإنسان، أوليفيي دي شوتر، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ59 التي تتواصل فعالياتها حتى 9 يوليو المقبل، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.
ووفقاً للتقرير، فإن الكوارث المناخية أثرت بين عامي 2000 و2019 على أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم، فيما بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث المرتبطة بالمناخ 202.7 مليار دولار في عام 2023 وحده.
وأشار التقرير إلى أن استقرار مناطق كاملة من العالم بات مهدداً، ويتوقع أنه بحلول عام 2050، قد يُجبر 216 مليون شخص على النزوح داخل بلدانهم بسبب آثار تغير المناخ، خصوصاً في المناطق الفقيرة والهشة. ففي إفريقيا جنوب الصحراء وحدها، يُرجّح أن يبلغ عدد النازحين 85.7 مليون شخص، ما يعادل 4.2% من سكان المنطقة.
كما يتسبب تغير المناخ في فقدان المحاصيل وارتفاع أسعار الغذاء وزيادة الإجهاد المائي، وهي عوامل تهدد بانهيار نظم الأمن الغذائي، لا سيما في البلدان التي تُعد «سلال غذاء» حالياً. ويحذر التقرير من أن هذه التغيرات قد تدفع 132 مليون شخص إضافي إلى براثن الفقر بحلول 2030.
وأكد دي شوتر، في تقريره، أن آثار الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ لا توزع بشكل عادل، إذ يعيش 2.3 مليار شخص ممن يواجهون هذه المخاطر عند خط الفقر العالمي (6.85 دولار يومياً)، بينما يعيش 390 مليون شخص على أقل من 2.15 دولار يومياً، أي تحت خط الفقر المدقع.
ويُظهر التقرير أن 90% من الوفيات الناجمة عن الكوارث خلال العقود الثلاثة الماضية وقعت في البلدان النامية، رغم أن هذه البلدان لا تمثل سوى أقل من 10% من سكان العالم.
وفي قطاعي البناء والزراعة تحديداً، يتوقع التقرير أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى انخفاض إنتاجية العمل بنسبة 3.8% بحلول عام 2030، ما يعادل خسارة نحو 136 مليون وظيفة بدوام كامل حول العالم.
وتطرّق التقرير إلى ما وصفه بـ«اللاعدالة المناخية»، حيث تُعد الدول الصناعية الكبرى المسؤولة تاريخياً عن الجزء الأكبر من انبعاثات الكربون، في حين تتعرض الدول الفقيرة للضرر الأكبر دون أن تملك الوسائل الكافية لحماية نفسها.
ووصف دي شوتر هذه الظاهرة بأنها «استعمار للغلاف الجوي»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تظل أكبر منتج للانبعاثات المتراكمة عبر التاريخ، تليها أوروبا وروسيا والصين، بينما تمثل أقل البلدان نمواً والاتحاد الإفريقي والهند نسبة ضئيلة من هذه الانبعاثات رغم الكثافة السكانية الكبيرة.
وتابع المقرر الخاص أن الأسر الفقيرة، سواء في المناطق الريفية أو الحضرية، غالباً ما تكون أكثر عرضة للمخاطر المناخية لأنها تعيش في مواقع معرضة للكوارث وتعتمد على الزراعة والمعيشة الطبيعية، ولا تمتلك مدخرات أو وسائل حماية اجتماعية فعالة.
وأبرز التقرير أهمية الحماية الاجتماعية كوسيلة أساسية للحد من تداعيات تغير المناخ، داعياً إلى تعزيز نظم الحماية الاجتماعية في البلدان الفقيرة لتصبح أكثر قدرة على الاستجابة للكوارث ودعم الفئات الأكثر تضرراً.
كما شدد دي شوتر على أن التأمين الخاص لا يمكن أن يكون بديلاً كافياً عن الحماية الاجتماعية الممولة من القطاع العام، نظراً لأن الأسواق التأمينية غالباً ما تكون ضعيفة أو غير موجودة في البلدان منخفضة الدخل.
وحث التقرير على دعم دولي أقوى لتمويل الحماية الاجتماعية في الدول النامية، خصوصاً من قبل الدول الصناعية التي تتحمل المسؤولية التاريخية الأكبر عن تغير المناخ. ودعا إلى رفع نسبة التغطية الاجتماعية سنوياً بمعدل لا يقل عن نقطتين مئويتين، انسجاماً مع أهداف التنمية المستدامة.
وحذر التقرير من أن النظام الحالي للمساعدات الإنسانية، الذي تعتمد عليه العديد من الدول الفقيرة في التعامل مع الكوارث المناخية، أصبح على وشك الانهيار، حيث سجل عام 2023 فجوة تمويلية تاريخية بقيمة 32 مليار دولار بين الاحتياجات الإنسانية والاستجابة الفعلية، رغم ارتفاع المساعدات إلى أكثر من 43 مليار دولار.
واختتم دي شوتر تقريره بالتأكيد على أن الاستجابة الفعالة لتغير المناخ لا تقتصر على خفض الانبعاثات، بل يجب أن تشمل أيضاً تعزيز الحماية الاجتماعية وضمان العدالة المناخية للأكثر فقراً، مشدداً على أن عدم التصدي لعدم التناسب في التوزيع العالمي للمخاطر والمساعدة يعني الإخفاق في حماية حقوق الإنسان الأساسية في وجه أزمة المناخ.