الأمراض تنهش أجساد السودانيين.. أوبئة تتفشى في ظل الحرب والغياب الدولي

الأمراض تنهش أجساد السودانيين.. أوبئة تتفشى في ظل الحرب والغياب الدولي
مرضى في أحد مستشفيات السودان

في مشهد يتجاوز حدود الكارثة الصحية، يواجه السودان موجة متصاعدة من انتشار الأوبئة الفتاكة، في مقدمتها الكوليرا، وحمى الضنك، والحصبة، وسط انهيار شبه كامل للمنظومة الصحية وتردٍّ غير مسبوق في الخدمات الطبية، في ظل الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، والتي مزّقت البلاد وأضعفت مؤسساتها الأساسية.

الكوليرا تتصدر المشهد

وفق أحدث بيانات وزارة الصحة السودانية، تم تسجيل 603 إصابات جديدة بالكوليرا خلال أسبوع واحد فقط، بينها 8 وفيات، لترتفع الحصيلة التراكمية منذ بداية التفشي إلى 85,531 إصابة، بينها 2,145 وفاة، وتشير الأرقام إلى أن المرض بات منتشراً في 110 محليات ضمن 17 ولاية من أصل 18، في مؤشر على توسع نطاق التفشي بشكل غير مسبوق.

ويُعزى جزء كبير من هذه الزيادة إلى تدفق عشرات الآلاف من العائدين من دولة جنوب السودان، لا سيما إلى ولايتي سنار والنيل الأبيض. فخلال الأشهر الأخيرة، عاد نحو 110 آلاف شخص، بينهم 76 ألفاً إلى ولاية النيل الأزرق، ليجدوا أنفسهم في مخيمات تعاني من غياب شبه تام للماء النظيف والخدمات الصحية.

حمى الضنك والحصبة.. تهديدات إضافية تفتك بالضعفاء

لا تقف المأساة الصحية عند الكوليرا فقط، فقد أعلنت وزارة الصحة عن 13,314 حالة إصابة بحمى الضنك، بينها 21 حالة وفاة، في 45 محلية ضمن 10 ولايات. ومع ضعف برامج مكافحة النواقل مثل البعوض، يُخشى من تحول المرض إلى وباء دائم في مناطق مثل كسلا والنيل الأزرق.

أما الحصبة، التي تفتك عادةً بالأطفال دون سن الخامسة، فقد سجلت 2,547 إصابة، بينها 6 وفيات، في 38 محلية بـ11 ولاية، في وقت تتراجع فيه حملات التطعيم جراء صعوبة الوصول إلى المجتمعات الريفية وغياب الأمن.

أزمة دواء ومستلزمات

يشير تقرير مركز الطوارئ التابع لوزارة الصحة إلى نقص حاد في الأدوية والمحاليل الطبية، وفيما وصلت نسبة التوفر إلى 76% في شمال كردفان و73% في نهر النيل، تراجعت إلى 57% في ولاية القضارف، وبينما وصلت شحنات طبية لبعض الولايات مثل الخرطوم وسنار، إلا أن الإمدادات لا تزال غير كافية، خصوصاً مع دخول فصل الخريف، حيث ترتفع معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه.

تحذيرات دولية: 33.5 مليون شخص في دائرة الخطر

في تحذير بالغ الخطورة، أعلنت الأمم المتحدة أن نحو 33.5 مليون شخص داخل السودان –أي أكثر من 70% من السكان– مهددون بالإصابة بالكوليرا، بينهم 5.7 مليون طفل. ويعود ذلك إلى غياب الرعاية الصحية الأساسية، وانعدام المياه النظيفة، وسوء التغذية وتعطل شبكات الصرف الصحي في العديد من المناطق التي أصبحت ساحة قتال أو مناطق نزوح مكتظة.

وسبق أن حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن مستشفيات السودان على شفا الانهيار، وكشفت المديرة الإقليمية لشرق المتوسط، حنان حسن بلخي، عن فجوة دوائية في البلاد في وقت تتفشى فيه الأمراض الوبائية بين السكان، لافتة إلى أن نحو 70 إلى 80 في المئة من المستشفيات في الولايات المتضررة من النزاع لا تعمل، بسبب الهجمات التي تطولها، أو نقص اللوازم الطبية ومستلزمات التشغيل، أو نقص العمالة الصحية.

وذكرت أن المستشفيات مكتظة بالمرضى والمصابين مع استمرار تدفق الأشخاص الذين يلتمسون الرعاية، وكثير منهم نازحون داخلياً، بينما يتعذر الوصول إلى العديد من المستشفيات، كما أرجعت جانباً من الأزمة في المستشفيات إلى انعدام الأمن بالإضافة إلى أن النظام الصحي في السودان كان مُرهقاً بالفعل قبل الحرب، وهو الآن على مشارف الانهيار.

انهيار الصحة انعكاس لأزمة أكبر

ما يجري في السودان ليس تفشياً عادياً لأمراض يمكن احتواؤها، فانتشار الأوبئة يعكس فشل الدولة ومجتمع المانحين الدوليين في توفير الحد الأدنى من الحماية الصحية لملايين السودانيين، وقد مزقت الحرب التي طحنت العاصمة والولايات الرئيسية سلسلة الإمداد الطبي، وأجبرت آلاف الكوادر الصحية على الفرار أو التوقف عن العمل.

وفي غياب سلطة مركزية فاعلة، وتعدد الجهات المسيطرة على المناطق، تفتقد عمليات الاستجابة الطبية إلى التنسيق. كما يعوق انعدام الأمن وصول فرق المنظمات الدولية، في وقت تتصاعد فيه الحاجة إلى تدخل عاجل وواسع يشمل الإمدادات، والكوادر، وإعادة تأهيل البنية التحتية.

العدو الصامت الجديد

في بلد أنهكته الحرب والتهجير والمجاعات، بات المرض هو العدو الصامت الجديد الذي ينهش ما تبقى من حياة السودانيين، خصوصاً الفئات الأكثر ضعفاً.. إن استمرار الوضع على ما هو عليه ينذر بتحول السودان إلى بؤرة وبائية مفتوحة في قلب القارة، ما لم يُتخذ تحرك إقليمي ودولي سريع بحجم الكارثة.

حرب شاملة تمزق السودان منذ أبريل 2023

اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بعد أسابيع من التوترات السياسية والعسكرية، وقد تحولت المواجهات سريعًا إلى حرب شاملة طالت العاصمة الخرطوم وامتدت إلى ولايات دارفور وكردفان والنيل الأزرق، مخلفة دمارًا هائلًا في البنية التحتية ونزوح أكثر من 10 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا.

تسببت الحرب في انهيار مؤسسات الدولة، وعلى رأسها النظام الصحي، حيث دُمّر أو أُغلق أكثر من 70% من المرافق الصحية في مناطق النزاع، بينما يواجه من تبقى من المستشفيات نقصًا حادًا في الأدوية والطواقم والمعدات، نتيجة صعوبة الوصول وتعطل سلاسل الإمداد، وتُصنّف هذه الحرب حاليًا ضمن أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، التي تؤكد أن أكثر من 25 مليون سوداني بحاجة ماسة للمساعدات.

في هذا السياق المنهار، ومع غياب الأمن والرعاية، وجد السودان نفسه أمام موجة وبائية تهدد ملايين الأرواح، خصوصًا الأطفال والنساء وكبار السن في مناطق النزوح والمخيمات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية