"المرأة هي الضحية".. الطلاق يكرس التمييز المجتمعي ضد النساء

"المرأة هي الضحية".. الطلاق يكرس التمييز المجتمعي ضد النساء
الطلاق يكرس التمييز ضد النساء- أرشيف

شاعت في الثقافة المجتمعية الذكورية مفاهيم تكرّس النظرة الدونية للمرأة، فاستخدمت مصطلحات مثل "الدرجة الثانية" و"الزوجة الثانية" كوصف اجتماعي يحمل في طياته إهانةً صريحة، تعكس تصورات متجذّرة ترى أن قيمة المرأة لا تُستمد إلا من وجود الرجل في حياتها، وإذا فقدت هذا الوجود، أصبحت -في نظر المجتمع- شخصًا ناقص القيمة أو غير مؤهل للاعتراف.

واستُخدمت عبارة "الدرجة الثانية" بشكل خاص لوصف المرأة المطلقة، إذ يُنظر إليها كمَن هبطت عن مرتبة "المقدسة"، لأن الزواج -بحسب الذهنية الذكورية- هو الغطاء الذي يمنح المرأة الاحترام والقبول، وفور غياب الزوج، تُجرد المرأة من الاحترام وتُصنف كأنها "إلهة ساقطة" لم تعد تحت إشراف الرجل، مما يبرر -اجتماعياً- انتهاك حرمتها ووصمها، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الاثنين.

كشفت ساحل. ك، وهي مطلقة منذ عامين، أن أول ما واجهته كان استغلال محيطها لوضعها الجديد، فقالت: "منذ دخولي محكمة الطلاق، لاحظت كيف حاول بعض الموظفين التقرب مني بحجة المساعدة، لكن أهدافهم كانت واضحة". 

وأضافت ساحل، أن بعض أقارب زوجها السابق تظاهروا بالتعاطف، في حين أنهم سعوا للدخول معها في علاقات تحت غطاء "الدعم والمواساة".

وأشارت إلى أن المجتمع لا يرى المطلقة كامرأة حرة وإنما كامرأة "متاحة"، فتبدأ الأنظار تنظر إليها كوسيلة للمتعة المؤقتة، ما يعكس تفسخًا أخلاقيًا خطيرًا في التعاطي مع كرامة المرأة بعد الطلاق. 

وتكاد تكون هذه التجربة مشتركة بين كثير من النساء اللاتي تخلّصن من زيجات مؤذية، ليجدن أنفسهن أمام مرحلة جديدة من الاستغلال تحت غطاء اجتماعي ملوث بالتمييز.

ربط الطلاق بالخطيئة

استند المجتمع الذكوري إلى تصور مفاده أن الطلاق ليس فقط إخفاقًا شخصيًا، بل "ذنباً اجتماعياً" يتطلب عقابًا، خصوصًا إذا صدر من المرأة. 

وعبّرت الكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار، في كتابها "الجنس الآخر"، عن هذا المفهوم حين اعتبرت أن "المرأة تصبح تابعة للرجل بالزواج"، وبالتالي فإن سعيها للانفصال يمثل -في عين المجتمع- ثورة على سلطة الذكر.

وقالت إن نظر المجتمع إلى المطلقة كـ"مُتمرّدة" يجب كسرها أو تهميشها، حتى لا تفتح الباب لنساء أخريات لطلب الحرية من زيجات قمعية. 

وتابعت: من هذا المنطلق، تصبح المطلقة مهددة بالعزلة، والوصم، والحرمان من العمل، والعرض عليها بزواج مشروط، أو "وظيفة مقابل علاقة"، مما يزيد من دوائر الإهانة الاجتماعية المتكررة.

المطلقة تواجه تحرشًا مجتمعياً

أوضحت عالمة الاجتماع فريدة منصوري من مدينة كرماشان، أن المرأة التي تطلب الطلاق تدخل ـ فعليًا ـ حربًا يومية ضد نظرات المجتمع. 

وقالت: "تُجبر المطلقة غالبًا على مغادرة بيت العائلة، وإذا خرجت للعمل، فإن أصحاب العمل يبتزونها بسبب وصمة الطلاق"، وتجد نفسها ضحية لتصرفات الزملاء والمديرين.

واُستخدمت صورة "القلعة المنهارة" كمجاز للمطلقة، إذ يعتبرها بعض الرجال "فريسة سهلة" يمكن اقتحامها، وهو وصف فاضح لدرجة القسوة المجتمعية تجاه النساء اللواتي قررن استعادة حياتهن بعيدًا عن سلطة زوجية غير عادلة.

ثقافة تملّك المرأة

ترسّخت داخل الثقافة الذكورية نزعة امتلاك المرأة، لكن هذا التملّك غُلِّف بأغطية مثل "الزواج" و"الغيرة"، لتبدو العلاقة وكأنها حماية في حين أنها تحكم صارم في جسدها وخياراتها، فطالما كانت المرأة في بيت والدها أو زوجها فهي "مملوكة"، وخروجها من هذا القيد يُنظر إليه كخروج على النظام.

وتُحمّل المطلقة المسؤولية عن أي أذى تتعرض له بعد الانفصال، إذ يرى المجتمع أنها فقدت الحماية الذاتية بقرارها، وبالتالي تكون "عرضة للاستباحة"، ما يدفع بعض النساء إلى الانتحار، أو العودة لأزواج مسيئين، أو الزواج مجددًا بدافع الخوف، لا الاقتناع.

ومارس المجتمع الذكوري ضغطًا نفسيًا ممنهجًا على النساء عبر تصوير الطلاق كجريمة أخلاقية، فأُشيع أن المرأة لا قيمة لها إلا بوجود "ظل رجل" فوق رأسها، حتى وإن كان هذا الظل قاتمًا ومؤذيًا، ولذا، ترسّخ التهديد غير المعلن في ذهن المرأة: "إذا خرجتِ من سلطة الرجل، فمصيركِ العار والعذاب".

ولم يكن هذا التخويف مجرد خطاب شعبي، بل أصبح وسيلة فعالة لضبط سلوك النساء ومنعهن من المطالبة بحياة أفضل، وهو ما يجعل من الطلاق في الثقافة الذكورية ليس حدثًا شخصيًا، بل ساحة حرب على حرية المرأة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية