وجه آخر للفقر.. قروض الزواج في إيران قيد جديد يكبل النساء
وجه آخر للفقر.. قروض الزواج في إيران قيد جديد يكبل النساء
منذ ولادتها، يُنظر إلى الفتاة في المجتمع الإيراني الأبوي بوصفها "فرصة" للتزويج والمقايضة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية وتبني السلطات سياسات قائمة على تشجيع الزواج المبكر والإنجاب مقابل قروض ومزايا مالية، تحولت أجساد الفتيات إلى أدوات لتأمين الموارد، لتتوسع دائرة الزواج القسري والحمل المبكر وجه آخر للفقر.
وتمنح القوانين الجديدة للزواج في إيران، التي أقرت عام 2025، قرضاً يصل إلى 700 مليون تومان إذا كان الزواج يضم فتاة دون 23 عاماً، وقد أدى هذا الإغراء المالي إلى دفع الأسر الفقيرة إلى تزويج بناتهن مبكراً من أجل الحصول على الأموال، ما جعل الزواج يتحول من رابطة إنسانية إلى صفقة اقتصادية، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الخميس.
وتشير بيانات البنك المركزي إلى أن عدد المتقدمين للحصول على القروض من الفتيات دون سن 15 عاماً ارتفع عام 2018 بمقدار 90 ضعفاً مقارنة بالعام الذي سبقه، وهو اتجاه استمر مع تفاقم الفقر في السنوات التالية.
الولادة في سن الطفولة
تقول رويا (اسم مستعار)، ممرضة من مدينة كرماشان: "حضرت ولادة فتاة في العشرين من عمرها، وكان هذا طفلها الثالث، عندما سألناها عن سبب استمرارها في الإنجاب رغم الفقر، أجابت بأنها تأمل أن تمنحها السلطات أرضاً أو وحدة سكنية مقابل كثرة الأطفال".
ومثل هذه القصص ليست استثناءً، بل تعكس سياسة سلطوية ترى في الفتاة مجرد وسيلة لإنتاج مواليد جدد، بغض النظر عن صحتها أو مستقبلها.
ورغم تشجيع الولادات المتكررة، قلّصت السلطات من خدمات الفحص الطبي للحوامل بعد إقرار قانون دعم السكان والشباب والأسرة، إذ لم تعد الفحوص الإلزامية للكشف عن تشوهات الأجنة متاحة على نطاق واسع.
وتخشى ناشطات نسويات أن يكون الهدف الحقيقي من هذه القرارات هو منع الإجهاض وزيادة المواليد بأي ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى ولادة أطفال بأمراض أو إعاقات.
وتقول سارة (اسم مستعار)، ناشطة نسائية من كرماشان: "كل هذه السياسات اعتداء مباشر على وجود المرأة، تُجبر الفتيات على الزواج المبكر والإنجاب المتعدد، ثم يتحملن وحدهن عبء رعاية أطفال قد يكونون مرضى أو معاقين، في حين يجني الرجال المنافع المادية".
العنف بعد الزواج
قصص النساء تكشف أن قروض الزواج لا تجلب لهن سوى دوامة من القمع والعنف، حيث تقول داريا.م (23 عاماً، أم لطفلين): "تزوجتُ بناءً على نصيحة والدتي للحصول على القرض، لكن زوجي أنفق المال كله، ثم صار يضربني يومياً ويقول إنني سبب بؤسه، طردني من المنزل، والآن أعيش مع طفليّ في حظيرة بفناء منزل والدي، لا أحد يعترف بحقي، لا أبي ولا زوجي ولا الدولة".
وتسعى الحكومة عبر هذه السياسات إلى مواجهة الشيخوخة السكانية، لكنها في الواقع تخلق جيلاً جديداً من الفتيات اللاتي يُجبرن على الزواج المبكر والإنجاب المتكرر، بلا تعليم ولا رعاية صحية، ويواجهن العنف والتهميش.
تجارب رويا وسارة وداريا تكشف أن الفتيات والنساء في إيران لا يعشن حياتهن كأفراد مستقلين، بل يُعاملن كوسائل لإنقاذ الدولة من أزمتها السكانية، وكسلع اقتصادية لعائلاتهن.
وتجعل هذه الدورة القاسية المرأة أسيرة ثلاثية قاتلة، هي الفقر والزواج القسري والحمل المبكر، فيما تُسلب منها إنسانيتها وحقها في تقرير مصيرها.