شميمة بيغوم.. بريطانية فقدت طفولتها بين الدعاية الإرهابية وغياب الحماية القانونية

شميمة بيغوم.. بريطانية فقدت طفولتها بين الدعاية الإرهابية وغياب الحماية القانونية
شميمة بيغوم - أرشيف

طالبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان المملكة المتحدة بتوضيح أسباب سحب الجنسية البريطانية من شميمة بيغوم، وسط مخاوف حقوقية من استغلالها وتهريبها إلى سوريا وهي في الخامسة عشرة من عمرها للانضمام إلى تنظيم "داعش".

ووفقاً لتقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، اليوم الأربعاء، وجّهت محكمة ستراسبورغ في أواخر ديسمبر سلسلة من الأسئلة إلى الحكومة البريطانية، تسعى من خلالها إلى معرفة ما إذا كانت قد انتهكت التزاماتها بمكافحة الاتجار بالبشر عند سحب الجنسية من بيغوم عام 2019.

وتشمل التساؤلات ما إذا كان القرار يتعارض مع المادة الرابعة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تحظر الرق والاستعباد والعمل القسري، وما إذا كانت الدولة قد قصّرت في واجبها بمنع الاتجار بالبشر والتحقيق فيه.

برّر وزير الداخلية السابق ساجد جاويد سحب الجنسية البريطانية من بيغوم بأسباب تتعلق بالأمن القومي، مشيرًا إلى أن القرار "يصب في المصلحة العامة"، وأن عدم اتخاذه قد يُشكّل تهديدًا للمملكة المتحدة، وأوضح مكتبه أن بيغوم كانت مؤهلة للحصول على جواز سفر بنغلاديشي بحكم أصول والديها، رغم أنها لم تزُر أو تعش في بنغلاديش قط.

قصة بيغوم

فرّت بيغوم إلى سوريا عام 2015 للانضمام إلى تنظيم "داعش" برفقة اثنين من أصدقائها من منزلها في شرق لندن، وعُثِر عليها بعد أربع سنوات من الفرار، وكانت في تلك الفترة حاملاً بطفل توفي لاحقًا.

منذ ذلك الحين، حاولت بيغوم مرارًا العودة إلى المملكة المتحدة واستعادة جنسيتها، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، ولا تزال محتجزة في معسكر اعتقال شمال سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد.

تُجري المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حاليًا تقييمًا لما إذا كانت وزارة الداخلية البريطانية قد أغفلت النظر في كون بيغوم ضحية للاتجار بالبشر، وما إذا كان سحب جنسيتها قد حال دون قيام الحكومة بالتحقيق في كيفية السماح لها بمغادرة البلاد.

الإخفاقات البريطانية

ذكر محامو بيغوم في طلبهم المقدم إلى محكمة ستراسبورغ أن السلطات البريطانية لم تطرح قبل سحب الجنسية أربعة أسئلة أساسية، وهي: هل نُقلت بيغوم قسرًا إلى سوريا؟ هل قصّرت السلطات البريطانية في حمايتها؟ هل سحب الجنسية يُقوّض أي تحقيق مستقبلي في قضايا الاتجار بالبشر المحتملة؟ وإذا كانت هناك قضايا اتجار، هل يمكن تبرير سحب الجنسية لأسباب أمنية؟

ووصف مكتب بيرنبرغ بيرس للمحاماة الذي يُمثل بيغوم تدخل المحكمة الأوروبية بأنه "فرصة غير مسبوقة" للحكومة البريطانية لتقييم ما إذا كانت الإدارات السابقة قد تجاهلت أو تغاضت عن أي اعتبارات اتُخذت عند سحب جنسيتها.

وقال محامي بيغوم، غاريث بيرس: "لا يمكن إنكار أن طفلة بريطانية تبلغ من العمر 15 عامًا قد تم استدراجها وتشجيعها وخداعها بهدف استغلالها جنسيًا، لمغادرتها إلى مناطق سيطرة داعش لتسليمها لأحد مقاتلي التنظيم ونشر الأطفال لصالح التنظيم".

وأضاف: "كما لا يمكن تجاهل سلسلة الإخفاقات في حماية طفلة كان معروفًا لأسابيع قبل ذلك أنها معرضة لخطر كبير، خصوصًا بعد اختفاء صديق مقرب لها بالطريقة نفسها".

وأشار بيرس إلى تقاعس الشرطة عن تحذير العائلات، وتأخير المدرسة في اتخاذ أي إجراءات وقائية، وغياب التنسيق مع الموانئ وطرق السفر المعروفة لمنع وصولها إلى وجهتها.

مواقف قضائية سابقة

صرّح رئيس القضاة السابق في أيرلندا، دكلان مورغان، بأن المملكة المتحدة كان ينبغي لها ألا تسحب الجنسية من بيغوم، خلال إطلاق تقرير للجنة المستقلة المعنية بقانون وسياسة وممارسات مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة.

وفي عام 2020 قضت محكمة الاستئناف الخاصة بالهجرة بأن الظروف التي تحتجز فيها بيغوم تعسفية وبدون محاكمة تُعدّ معاملة لا إنسانية ومهينة. وبعد عامين خلصت لجنة الهجرة واللاجئين في ولاية إلينوي (SIAC) إلى أن السلطات البريطانية فشلت في حمايتها، لكن قدرتها كانت مقيدة بسبب قرارات المحكمة العليا التي قلّصت قدرة محكمة الهجرة على أخذ مزايا قضيتها في الاعتبار.

وذكرت "سكاي نيوز" في نسختها الإنجليزية، أن التشريع البريطاني الجديد يغلق ثغرة قانونية كانت تسمح للمتطرفين الذين تُسحب جنسيتهم باستعادة وضعهم القانوني بسهولة عند الاستئناف، إذ يجب الآن استنفاد جميع طرق الاستئناف قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن الجنسية، ويُعدّ سحب الجنسية سلطة بالغة الخطورة، وتُعدّ بيغوم أبرز مثال على استخدامها.

خسارة محاولات الطعن

من جانبها أفادت قناة "جي بي نيوز" البريطانية بأن بيغوم خسرت محاولتها الأخيرة للطعن في قرار سحب جنسيتها، حيث قضت المحكمة العليا البريطانية بأنها لا يحق لها الاستئناف مجددًا، وأكد القضاة الثلاثة عدم وجود أساس قانوني للطعن في قرار محكمة الاستئناف السابقة.

وأوضح فريقها القانوني أن "نساءً وأطفالاً بريطانيين محتجزون تعسفياً منذ خمس سنوات في مخيمات سورية بلا أمل في محاكمة"، مضيفًا أن المملكة المتحدة أصبحت الدولة الوحيدة التي لا تعيد مواطنيها وأطفالهم من المخيمات، رغم تدخل باقي الدول في ظروف مماثلة.

وأكد المحامون أنهم سيواصلون جميع الخطوات القانونية الممكنة، ومنها التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لحماية حقوق بيغوم وضمان حل قضيتها بشكل يحترم التزامات المملكة المتحدة الدولية تجاه مواطنيها.

السياق الإنساني

تظهر قضية شميمة بيغوم بوصفها مثالاً واضحاً على التحديات الحقوقية المتعلقة بسحب الجنسية من مواطنين تعرضوا للاستغلال في صغرهم، والحاجة إلى تقييم الإجراءات القانونية الحكومية وفق التزامات مكافحة الاتجار بالبشر وحماية الأطفال في النزاعات المسلحة.

كما تسلط القضية الضوء على مدى صعوبة موازنة الأمن القومي مع حقوق الإنسان الأساسية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأشخاص قاصرين تعرضوا للاستدراج والدعاية الإرهابية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية