مبادرات يمنية لترميم مقابر اليهود رغم الحرب والمعاناة.. ومواطنون: اليمن للجميع
مبادرات يمنية لترميم مقابر اليهود رغم الحرب والمعاناة.. ومواطنون: اليمن للجميع
لم يستمد اليمن لقبه "السعيد"، لحدائق غناء وخضرة تكسو أرضه فقط، وإنما لقيمته التاريخية وما يحويه من قصص تاريخية ذكرتها الكتب السماوية كأصحاب الأخدود، فلا يمكن النظر لليمن لما هو عليه الآن من جماعات متناحرة يذبح على أعتابها الوطن.
مما تركه التاريخ هناك مقابر أثرية لليهود في مدينة عدن جنوبي اليمن، هي عرضة للهدم والاندثار، تخضع لعملية ترميم تهدف إلى الحفاظ على آخر بقايا الجالية اليهودية التي كانت مزدهرة في البلاد ذات يوم.
الجهود المبذولة لتجديد الموقع كانت بقيادة منظمات مدنية تطوعية بإشراف من رئيس المجلس الانتقالي وعضو المجلس الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، ووفقًا لتقارير صحفية، تهدف مبادرة ترميم المقابر اليهودية لإرسال رسالة سلام للشعوب والأمم، مفادها أن مدينة عدن تعزز التعايش بين الأديان والأعراق، وهي الميزة التاريخية للمدينة الساحلية العريقة.
أماكن مقابر اليهود في اليمن
ومعروف أن 4 مقابر يهودية كانت موجودة في عدن، اثنتان منها أغلقتا قبل القرن التاسع عشر، وكانت هذه المقابر القديمة تقع على المنحدرات المحيطة بحفر كريتر، وقد تم التخلي عنها لعدة أجيال بحلول الوقت الذي وصل فيه البريطانيون.
أما الثالثة، في مديرية كريتر، فكانت لا تزال مستخدمة حتى وقت الاستعمار البريطاني، كانت تقع في حي العيدروس بين حدائق بارسي ومركز شرطة كريتر، وكانت تستخدم لعدة أجيال.
وعلى الرغم من انتقالهم إلى ربع جديد، استمر اليهود في استخدام مقبرة الحفرة حتى عام 1860 تقريبا، وبعد إغلاق مقبرة الحفرة أمام المدافن، منحت الإدارة البريطانية عائلة مناحيم موشيه، إذنا خاصا لمواصلة استخدام المقبرة في كريتر لأفراد أسرهم حتى منتصف القرن العشرين، المقبرة الرابعة، في مديرية المعلا، كانت الأحدث، تم استخدامها من قبل الجالية اليهودية في عدن من عام 1860 حتى عام 1967، عندما تم حل الجالية اليهودية.
"جسور بوست"، حاورت خبراء آثار ومواطنين يمنيين للوقوف على الهدف من الترميم وقيمة تلك المقابر.
(1).jpg)
ضرورة الحفاظ على التراث
قال أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، ومستشار أمين عام المجلس الأعلى للآثار السابق، مختار الكسباني: "إن اليهود جزء متأصل من الشعب اليمني منذ قصة أصحاب الأخدود، ولهم تراث معماري وفني موجود في اليمن، فالتفكير في حماية هذا التراث وأخذ الإجراءات اللازمة لذلك ليس له علاقة بالدين أو السياسة، وإنما هو حماية تراث إنساني، ففي مصر على سبيل المثال رممت معابد يهودية على الرغم من أن عدد اليهود بها 7 أفراد فقط، فهذا الأمر لا يتم للأفراد وإنما هي قواعد وأسس لحماية التي قامت عليها مبادئ الأمم المتحدة".
وأضاف في تصريح خاص لـ"جسور بوست": "كل الدول تقوم بهذا الأمر، لقد قمنا بحماية التراث الإنساني الذي تركه البدو، لأنه يعتبر تراثا معماريا إنسانيا وهذا الاهتمام يرجع إلى أن كل تراث إنساني له قيمة في الدراسات الأثرية والتاريخية، نرمم مباني طينية، ولدينا في مصر شونة الزبيب في سوهاج عبارة عن جدار سميك من الطوب اللبني يعود إلى آثار ما قبل التاريخ، ونحافظ عليه باعتباره أول مبنى معماري إنساني على وجه الأرض، مبنى من الطين ليس له شكل جمالي يجب المحافظة عليه، نحن نحقق في تاريخ الإنسانية".

الوطن للجميع
قالت الناشطة الحقوقية اليمنية، سونيا صالح: “إن ترميم المقابر اليهودية والكنائس أيضًا ليس به أي مشكلة، بل على العكس يزيد من قيم التعايش والسلام والوطن يسع الجميع، المسيحي والمسلم واليهودي والبهائيين والمهمشين، ليست هناك مشكلة في ذلك الترميم طالما أنها لا تضر بهويتنا الإسلامية أو استقطاب المسلمين لديانة أخرى، كلنا يمنيون مع الاحتفاظ كل بديانته، ومصر نموذج يضرب به المثل يتعايش فيها الجميع على أرض وطن واحد وبنسبة كبيرة ربما تصل إلى 20% والجميع يعيش في سلام”.
وأضافت: "أرى الكنيسة تجاور الجوامع لدرجة التضامن المعنوي في رمضان، حيث يراعي المسيحي المسلم فلا يأكل في الشارع، وفي اليمن تعتبر اليهودية من الأقليات، وتم تهديم الكنائس في عدن وإن كان كثير منها ما زال موجودًا ولكنها مهملة، ودائمًا أدعو إلى السلام والمحبة، رمموها ولكن ليس لدرجة التقديس فهي من الآثار التاريخية، وليس المطلوب من أحد أكثر من أن يكون إنسانًا، الوطن للجميع والدين لله".

وتابع: "التقيت بمسيحيين يمنيين من أصول هندية وتناقشت معهم في هذا الأمر، ومستاؤون من كون كنائسهم مهملة، كذلك زرت بعض الكنائس، هي مهملة ولا يسمح للمسيحيين بممارسة طقوسهم الدينية في عدن وغيرها في جنوب اليمن، ولقد تعاطفت معهم وأستاء ممن يعبثون ويستهتر بالمقدسات الدينية مثل الجامع، ولهم نفس الحق ومن حقهم ممارسة تلك الحقوق، واليمن يسع الجميع كما مصر تسع الجميع كما كل الأرض تسع الجميع، ولن أختلف مع يهودي لا يؤذيني أو أي طائفة دينية".