أزمة المناخ.. الجفاف يحلّ مكان الماء في أهوار العراق
أزمة المناخ.. الجفاف يحلّ مكان الماء في أهوار العراق
تكتسي الممرات المائية في أهوار منطقة وادي الرافدين بالقرب من الجبايش في جنوب العراق بأعشاب خضراء مورقة، لكن ما أن تخطو خطوة واحدة إلى اليابسة حتى ترى تغييرا مثيرا للاندهاش.
لم تعد الأهوار أهوارا، بل أصبحت أرضا جدباء تعاني من ندوب سنوات من الجفاف، الحر قائظ وتصل درجات حرارة منتصف النهار إلى 50 درجة مئوية.
تحتل أهوار وادي الرافدين وثقافة عرب الأهوار -أو كما يسمونهم بـ"معدان"- مكانة مميزة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وفقا لموقع أخبار الأمم المتحدة.
وظل المعدان يمارسون صيد الحيوانات والأسماك في منطقة الأهوار هذه لمدة 5000 سنة، وشيّدوا منازل من القصب المنسوج على جزر عائمة حيث يجتمع نهرا دجلة والفرات قبل أن يصبا في الخليج.
ظل المدير الإداري لمجموعة بيئية تسمى "طبيعة العراق" جاسم الأسدي -وهو مهندس متخصص في مجال المياه- يعمل بجد منذ عام 2006 لرفع مستوى الوعي بالتهديدات التي تواجه الأهوار الجنوبية في العراق. ويقول:
"كان الجو لطيفا للغاية هنا مع نهاية فصل الشتاء.. كان مربو الجاموس والصيادون والمياه ينشطون بكثافة في هذه المنطقة.. والآن يمكنكم أن تروا أنها جافة تماما بدون مياه، ولا يوجد مربو الجاموس ولا الصيادون، كما جف القصب".
أدنى المستويات
وكان وزير الموارد المائية عون ذياب عبدالله قد أعلن في 8 أغسطس أن مستويات المياه في العراق وصلت إلى أدنى مستوى على الإطلاق.
لقضية المياه تداعيات إقليمية أوسع، ويجب على جميع البلدان العمل على إدارة هذا المورد الثمين باعتباره منفعة عامة.. تقلصت مساحة الأهوار الجنوبية في العراق -التي تغذيها مياه الفيضانات من نهري دجلة والفرات- من 20 ألف كيلومتر مربع في أوائل التسعينيات إلى 4 آلاف كيلومتر، وفقا لآخر التقديرات.
يحتل العراق المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان تأثرا بالمناخ في العالم، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.. والعراقيون أكثر هشاشة بشكل خاص للتأثيرات السلبية لحقوق الإنسان الناشئة عن التدهور البيئي الخطير الناجم عن الصراع وصناعة النفط وسوء الإدارة والافتقار إلى التنظيم ما يؤدي إلى مستويات عالية من التلوث.
وقال الأسدي: "حدث تغيير في بيئة هذه المنطقة.. حل الجفاف التام مكان الماء ونبتت الأشجار الصحراوية بدلا من القصب".
أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة، بما فيها فترات الجفاف الطويلة، هي القاعدة وليس الاستثناء على مدى العقود الأربعة الماضية.
الجفاف يعصف بسكان الأهوار
وظل سكان الأهوار يمارسون تربية الجواميس، بشكل تقليدي، لإنتاج الحليب، ولكن مع جفاف المستنقعات، يصبح الماء مالحا جدا لدرجة يصعب معها على الحيوانات شربها.
والتقى جاسم الأسدي بمزارع شاب، شارحا الكيفية التي يتأقلم بها هذا الشاب مع تداعيات الجفاف: "المياه ملوثة وملوحة المياه مرتفعة للغاية، لهذا السبب، يذهب لجلب الماء بالقرب من الفرات لسقي الجاموس".
في بلدة الجبايش بمحافظة ذي قار، يلتقي قادة المجتمع في مضيف -منزل تقليدي مشيد من القصب الذي يتم حصاده من الأهوار- وهو عبارة عن منزل احتفالي كبير يدفع ثمنه ويديره شيخ محلي.
وفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن الجفاف وتدهور الأراضي وزيادة الملوحة في الأنهار والروافد تضع ضغوطا متزايدة على الزراعة وتربية الماشية وصناعات صيد الأسماك، حيث لا تستطيع العديد من الأسر ضمان سبل عيش كافية ومستدامة في المناطق الريفية.
بحلول 15 يونيو 2023، نزح نحو 13,920 أسرة من منازلها بسبب ظروف الجفاف في 10 محافظات، وتشمل المديريات الأخرى ذات النزوح الكبير الناجم عن المناخ مديرية الشطرة في محافظة ذي قار (2,345 عائلة).
مهنة آبائنا وأجدادنا
الشيخ لبنان عبدالرزاق الخيون الصدي الأسدي، شيخ قبيلة بني أسد في محافظة ذي قار، لا يشكك في تأثير التغييرات الكبيرة على بقاء ثقافتهم التقليدية، حيث قال:
"نقص المياه له تأثير مباشر على حياة الناس في الريف حيث إن مصدر رزقهم يعتمد في المقام الأول على الماء.. نحن لسنا تجارا أو موظفين وليس لدينا مهن أخرى لتزويدنا بالدخل.. العمل في الأهوار هي مهنة آبائنا وأجدادنا".
مؤخرا، أنهى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك زيارة إلى العراق استغرقت 4 أيام، وزار خلالها قضاء شط العرب جنوب شرقي البصرة حيث التقى بسكان سابقين نزحوا من أراضيهم.
وقد أخبروا المفوض السامي كيف أنهم تمكنوا قبل 30 عاما من العيش على أرضهم وحصاد التمور وكسب الرزق.
وأدت دورات الجفاف المتكررة وتغير المناخ إلى جفاف مجاري المياه، وتحولت بساتين التمر إلى صحراء.
وخلال حديثه في مؤتمر صحفي في بغداد في ختام زيارته، شدد تورك على خطورة الوضع بالنسبة للجميع.
وقال تورك: "هذه حالة طوارئ مناخية، وقد حان الوقت لأن يتم التعامل معها على أنها حالة طوارئ، ليس فقط بالنسبة للعراق، ولكن للعالم بأسره، ما يحدث هنا هو نافذة على مستقبل قادم الآن لأجزاء أخرى من العالم.. إذا واصلنا الفشل في مسؤوليتنا لاتخاذ إجراءات وقائية وتخفيفية ضد تغير المناخ".