باكستان.. الشرطة تحرس منطقة مسيحية تعرضت لهجوم من مئات المسلمين

بسبب اتهامات بـ"التجديف"

باكستان.. الشرطة تحرس منطقة مسيحية تعرضت لهجوم من مئات المسلمين

تحرس الشرطة الباكستانية منطقة يشكلّ المسيحيون غالبية سكانها في وسط باكستان، غداة إضرام مئات المسلمين النيران في كنائس وتخريبهم منازل بعد اتهامات لمسيحيين بالتجديف.

واندلعت أعمال العنف عندما اقتحمت حشود منطقة جارانوالا في ضواحي مدينة فيصل أباد الصناعية بعد انتشار اتّهامات لمسيحيين بتدنيس القرآن، واضطرّت عائلات إلى الفرار من منازلها إثر ذلك، بحسب وكالة فرانس برس.

وقال الناطق باسم حكومة ولاية البنجاب مساء الأربعاء إن أكثر من مئة شخص أوقفوا، فيما تسعى الشرطة إلى توقيف الأشخاص المتهمين بتدنيس القرآن.

وجاء في بيان: "تمّ تدنيس القرآن وجُرحت مشاعر المسلمين.. صدر أمر لتوقيف المتّهمين".

وأظهرت صور انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي حشوداً مسلّحة بعصي وحجارة تقتحم الشوارع بينما تصاعد الدخان من كنائس.

وفرّ المسيحي ياسر باتي (31 عاما) من منزله الكائن في شارع ضيّق قرب إحدى الكنائس التي خربتها الحشود.

وقال: "كسروا النوافذ والأبواب وأخذوا ثلاجات وكنبات ولوازم منزلية أخرى لتكديسها أمام الكنيسة التي أحرقت.. كما أحرقوا ودنّسوا نسخاً من الإنجيل، تصرّفوا بقسوة".

وفي تسجيل آخر، هتفت الحشود وطالبت بمعاقبة المتّهمين بالتجديف بينما تمّ إنزال صليب من على إحدى الكنائس.

كما تمّ تخريب جدران مقبرة مسيحية ومكتب للحكومة المحلية، بحسب الشرطة.

وقال المسؤول الحكومي في المنطقة أحد نور إنّ "الحشود ألحقت أضراراً هائلة بالمنطقة بما في ذلك بمنازل لمسيحيين وبالعديد من الكنائس".

واستخدم زعماء محليون مكبّرات الصوت في المساجد لحض أتباعهم على التظاهر، بناء على تسجيلات مصوّرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويُسمع في أحد هذه التسجيلات رجل دين وهو يقول: "لقد دنّس المسيحيون القرآن الكريم.. على جميع المشايخ والمسلمين الوقوف صفا واحدا والتجمّع أمام المسجد.. الموت خير لكم من أن تقفوا متفرجين".

نطالب بالعدالة

يعدّ التجديف مسألة حسّاسة في باكستان ذات الغالبية المسلمة حيث يمكن لأيّ شخص يعتبر أنه أهان الإسلام أو شخصيات إسلامية أن يواجه عقوبة الإعدام.

وقال القسّ الباكستاني آزاد مارشال في مدينة لاهور المجاورة إنّ المسيحيين يشعرون بـ"ألم عميق وضيق" إزاء الأحداث.

وتابع في منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقا): "نطالب بالعدالة وبتحرّك أجهزة إنفاذ القانون والمسؤولين عن إقامة العدل وضمان سلامة جميع المواطنين، يجب التدخّل فورا وضمان أن تكون لحياتنا قيمة في أرضنا".

وقالت مفوضية حقوق الإنسان في باكستان الأربعاء: "يبدو أنّ وتيرة ونطاق مثل هذه الهجمات المنهجية والعنيفة والتي غالبا لا يمكن السيطرة عليها، قد ازدادت في السنوات القليلة الماضية".

وأضافت: "لم تفشل الدولة في حماية أقلياتها الدينية فحسب، بل سمحت أيضًا لليمين المتطرّف بالتغلغل والتفاقم داخل المجتمع والسياسة".

والأربعاء، أعربت واشنطن عن قلقها إزاء الهجمات وحضّت باكستان على فتح تحقيق.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إنّ الولايات المتحدة تدعم حرية التعبير، مشدّداً في المقابل على أنّ "العنف أو التهديد به ليس على الإطلاق شكلاً مقبولاً من أشكال التعبير".

من جهته، عبر رئيس حكومة تصريف الأعمال في باكستان أنوار الحقّ كاكار على منصة "إكس" عن "الاستياء الشديد" بسبب الوضع الراهن.

وتعهد باتخاذ "إجراءات صارمة ضد أولئك الذين يستهدفون الأقليات".

وكانت المسيحية آسيا بيبي في قلب نزاع مرتبط بالتجديف في باكستان لتُلغى لاحقاً عقوبة الإعدام الصادرة بحقّها فيما سُمح لها في نهاية المطاف بمغادرة البلاد.

وأثارت قضيتها تظاهرات عنيفة واغتيالات لمسؤولين كبار، وسلّطت الضوء على التطرّف الديني في شرائح واسعة من المجتمع الباكستاني.

قضية حساسة

وتعدّ مسألة التجديف قضية حساسة في باكستان حيث يمكن أن تؤدّي اتّهامات، حتى وإن كان غير مثبتة، بالإساءة للإسلام إلى القتل أو الإعدام خارج نطاق القانون.

والمسيحيون الذين يشكّلون نحو 2 في المئة من سكّان باكستان يمثلون أهداف متكررة لمزاعم كاذبة بالتجديف ولا أساس لها.

في يوليو 2018، هاجم أربعة رجال كنيسة في فيصل أباد كان في داخلها 20 مصليا.

والتجديف يعد قضية وأزمة شائكة في باكستان، ويواجه أي شخص يتهم بإهانة الإسلام عقوبة الإعدام، على الرغم من أنّ هذا الحكم لم يُفرض بعد في مثل هذه القضايا.

وفي حين تشمل قضايا عديدة اتهام مسلمين لمسلمين آخرين، إلا أنّ المدافعين عن حقوق الإنسان يشكون من أن هذا القانون المثير للجدل غالبًا ما يستخدم للانتقام الشخصي وخصوصاً من الأقليات المسيحية.

وأكدت اللجنة الوطنية للعدالة والسلام -وهي مجموعة للدفاع عن حقوق الإنسان والمساعدة القانونية في باكستان- اتهام 774 مسلمًا و760 شخصاً من مختلف الأقليات الدينية، بالتجديف على مدار العشرين عامًا الماضية.

الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه شخصيات مقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية أو تجاه عادات ومعتقدات معينة. 

في الديانات الإبراهيمية هناك إدانة شديدة لازدراء الأديان، كما أن لبعض البلدان قوانين تعاقب بتهمة الازدراء، في حين أن بلداناً أخرى تمنح اللجوء لأشخاص وجهت إليهم تلك التهمة في بلدانهم.

قد تستخدم بعض البلدان قوانين التجديف لإدانة أشخاص يختلفون مع أغلبية أو أشخاص منشقين عن طائفة أو دين معين، وتعتبر البلدان التي تتبنى ديناً رسميا في دساتيرها هي أكثر المعاقبين باستخدام قوانين الازدراء.

تعتبر بعض الديانات التجديف جريمة دينية، ومنذ عام 2012، كانت قوانين مكافحة التجديف موجودة في 32 دولة، في حين أن 87 دولة لديها قوانين لخطابات الكراهية التي تغطي التشهير بالدين والتعبير العلني عن الكراهية ضد مجموعة دينية. 

قوانين مكافحة التجديف شائعة بشكل خاص في الدول ذات الأغلبية المسلمة، مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الرغم من وجودها أيضًا في بعض الدول الآسيوية والأوروبية.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية