أزمة أوكرانيا.. الردع بدلاً من الحرب
أزمة أوكرانيا.. الردع بدلاً من الحرب
تزايدت التوترات الخاصة بالأزمة الأوكرانية أكثر من أي وقت مضى، وذلك بالتزامن مع فشل سلسلة المبادرات الدبلوماسية رفيعة المستوى، مع عدم رغبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقف تصعيد المواجهة، حيث تستمر الاستعدادات لعملية عسكرية روسية جديدة ضد أوكرانيا، وقد ينفد الوقت ويحدث تدهور كارثي في المناخ الأمني الأوروبي مع عواقب وخيمة على العالم.
السيناريوهات الخطرة
ومع وجود حوالي 150 ألف جندي روسي بالقرب من حدود أوكرانيا، لا تمتلك موسكو قوات كافية متاحة لاحتلال البلاد، ومع ذلك، فالسيناريوهات الخطرة لا تزال أكثر احتمالا، وتشمل التصعيد في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، أو تقدمًا محتملًا باتجاه كييف من بيلاروسيا، أو عمليات عسكرية في البحر الأسود وبحر آزوف، ويجب على المجتمع الدولي ألا يقلل من أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا، حيث ينظر الكثيرون في موسكو إلى الأزمة الحالية من منظور وجودي ويعتقدون أن مستقبل روسيا يتوقف على قدرة الكرملين على إعادة تأكيد سلطته على أوكرانيا.
الديمقراطية الأوكرانية
إن هوس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوكرانيا يزداد حدة مع مرور كل عام، فهو يعلم أنه ما لم يتمكن من عكس المسار الأوروبي الأطلسي الحالي لأوكرانيا، فإن فترة حكمه بأكملها سوف تلطخ وستتعرض مكانته في التاريخ الروسي للخطر، كما أن التحول في أوكرانيا نحو الديمقراطية يخلق سوابق مقلقة لروسيا، كما أن المزيد من التكامل الأوروبي مع أوكرانيا يمثل تحديًا مباشرًا لموسكو في حين أن زيادة قوة الدولة الأوكرانية يمكن أن يلهم استمرار الانهيار الإمبراطوري الذي بدأ في عام 1991 مع الاتحاد السوفيتي السابق.
بوتين مستعد لدفع الثمن
يعتبر بوتين خسارة أوكرانيا بمثابة انتكاسة كبيرة، وهو مستعد لدفع ثمن باهظ للغاية لمنع حدوث ذلك، ولمواجهة ذلك، يجب على الغرب إقناع الكرملين بأنه مستعد أيضًا لدفع ثمن أعلى بكثير مما كان متوقعًا من أجل الدفاع عن أوكرانيا، حيث ركزت الاستجابة الدولية على التهديد بفرض عقوبات ضخمة إلى جانب زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا، ويجب الآن توضيح هذه السياسات مع إرسال الرسائل الصحيحة إلى موسكو، ومنها زيادة تسليم المعدات العسكرية بشكل سريع وملحوظ إلى كييف، في ظل موقف روسي غير متغير، وهذا يعني أن ردع "بوتين" حتى الآن قد فشل.
بوتين يخشى زعزعة استقرار بلاده
يجب على الحكومات الغربية اعتبار المساعدات المقدمة إلى أوكرانيا استثمارًا، من أجل الاستقرار الإقليمي، وليس مجرد مساعدة عسكرية، وذلك بالتزامن مع أن احتمالية نشوب حرب جديدة مع أوكرانيا لا تحظى بشعبية كبيرة داخل روسيا، ويمكن لأعداد كبيرة من الضحايا الروس العائدين من الخطوط الأمامية الأوكرانية أن تزعزع استقرار النسيج الاجتماعي للاتحاد الروسي، وربما يكون هذا هو الشيء الوحيد الذي يخشاه بوتين أكثر من خسارة أوكرانيا، وإذا حصلت كييف على الأسلحة اللازمة بكميات كبيرة، فهناك سبب للاعتقاد بأن البلاد يمكن أن تحقق مستوى كافيا من الردع، وتزيد من احتمالية أن ينتهي الغزو الروسي بكارثة عسكرية روسية.
تردد غربي
سابقا، كان هناك إحجام في العديد من العواصم الغربية عن الالتزام بعقوبات متشددة ودعم العسكري ضروري لجعل بوتين يفكر مليا قبل اتخاذ قرار الحرب، كما نظر الكثيرون إلى التكاليف الاقتصادية والسياسية لهذه الخطوات على أنها مرتفعة بشكل غير مقبول، لكن تلك المخاوف يجب قياسها مقابل التكاليف الأعلى التي سيواجهها المجتمع الدولي إذا بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا.
تكلفة الحرب
في حال نُفّذ الغزو العسكري الروسي ضد أوكرانيا، سوف يتعين على الاتحاد الأوروبي التعامل مع ملايين اللاجئين من أوكرانيا، والذين سيخلق وجودهم تحديات اجتماعية واقتصادية لسنوات قادمة، ومن المحتمل أن تكون تلك الأزمة الإنسانية هي الأكبر التي تشهدها أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، كما سوف يستلزم ذلك زيادة حادة في الإنفاق الدفاعي في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي على حساب الأولويات الأخرى مثل الرعاية الصحية والتعليم وبرامج الدعم الاجتماعي، وستضرر بلدان من منطقة الصراع بما في ذلك بولندا ودول البلطيق بشكل أكبر، كما أن دور أوكرانيا كقوة زراعية عظمى ناشئة سيؤدي إلى تداعيات قد تكون مدمرة على البلدان في جميع أنحاء العالم التي تعتمد حاليًا على الواردات الأوكرانية، فأوكرانيا هي رابع أكبر مصدر للأغذية الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي وتورد 88٪ من زيت عباد الشمس في أوروبا، و41٪ من بذور اللفت، و26٪ من العسل.
سقوط كييف
الأفضل هو منع وقوع كارثة بدلا من التعامل مع آثارها، وما لم يتم ردع "بوتين" قبل فوات الأوان، فإن التكاليف التي تواجه المجتمع الدولي ستزداد أضعافا، وحتى إذا قاتلت أوكرانيا، ولذا من الحكمة الاستثمار في الردع بدلا من الحرب بينما لا تزال هناك فرصة، حيث يمتلك المخططون العسكريون الأوكرانيون إلى جانب زملائهم الأمريكيين والأوروبيين بالفعل بيانات كافية لحساب عدد القوات والمعدات المحتملة التي ستستخدمها روسيا خلال العمليات العسكرية، ما يسمح لهم بتحديد المعدات اللازمة لردع أي تصعيد من هذا القبيل، وإذا لم يحدث الردع فإن الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي، حذر أن كييف قد تسقط في أيدي قوات روسيا في غضون 3 أيام فقط، ولذلك يجب أن تتناسب المساعدة العسكرية لأوكرانيا مع حجم وطبيعة التهديد وبشكل عاجل من أجل خلق قوة ردع كافية قبل الغزو وليس بعده.