"لمار".. طفلة فلسطينية ضحيَّة رصاصة إسرائيليَّة أفقدتها طعم الحياة
"لمار".. طفلة فلسطينية ضحيَّة رصاصة إسرائيليَّة أفقدتها طعم الحياة
كان جسد لمار طوطح، الطفلة البالغة من العمر 12 عامًا، يومًا ما يتحرك بحرية، تلعب مع أشقائها وتضحك مع صديقاتها، قبل أن تتحول حياتها إلى سرير مستشفى، وجروح لا تشفى، وقلق دائم يسيطر على ملامحها. في مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي والجراحات التخصصية وسط مدينة غزة، ترقد لمار صامتة، وكأن صمتها يحاكي صمت المدينة المحاصرة، بينما يزداد الألم في قلبها بعد أن فقدت القدرة على السير نتيجة إصابة رصاصة إسرائيلية أثناء حرب الإبادة الجماعية التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 واستمرت سنتين.
النزوح والخوف المستمر
تعيش عائلة لمار في حي الزيتون المدمر جنوبي غزة، الذي أُجبرت على تركه تحت وطأة القصف المكثف للأحياء المدنية، انتقلت العائلة إلى مخيم النصيرات في محاولة للنجاة، لكن ما اعتقدوه ملاذًا آمنًا سرعان ما تحطم على وقع القصف المستمر، تقول لمار: "اعتقدنا أننا لجأنا إلى مكان آمن، لكن الاحتلال لم يترك للأمان أي وجود"، وبحسب "شبكة فلسطين أون لاين" لم تعد الطفلة تجري بين الأشجار والحدائق، بل صارت حياتها اليومية مقيدة بين أسرة العلاج وأروقة المستشفى، مع شعور دائم بالخوف على مستقبلها.
في يوم 17 نوفمبر 2024، وبينما كانت لمار مع عائلتها، سقطت فجأة أرضًا إثر إصابة برصاصة اخترقت فقرتها الخامسة في العمود الفقري، مسببة تلفًا في النخاع الشوكي، ومنذ ذلك الحين، بدأت حكاية الألم المستمرة، حيث فرض عليها الشلل النصفي التعايش مع المعاناة اليومية، وتضاعفت مصاعبها مع كسور إضافية في ساقها اليمنى نتيجة محاولة والدها محمد إنقاذها من القصف في منزلهم بحي الزيتون، أصبح جسدها ضعيفًا، ووجها شاحبًا، وعيونها مليئة بالخوف على حياتها ومستقبلها الذي تبدد بين أروقة المستشفى.
أثر الحرب على الأسرة والأطفال
تعيش لمار ضمن عائلة مكونة من ثمانية أطفال، أكبرهم عدي 13 عامًا وأصغرهم ماسة بعمر عام ونصف العام، كانوا جميعًا يعيشون حياة بسيطة لكنها مليئة بالحب والمرح، قبل أن تسرقهم الحرب، تقول لمار بصوت مبحوح: "دائمًا كنت ألعب ساعات طويلة مع أشقائي، إلى أن جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وغيرت معالم حياتنا"، لم تعد الضحكات تتردد في منزلهم، بل حل محلها صمت القصف والخوف على الأبناء من إصابات جديدة أو فقدان أحد أفراد العائلة.
بين أسرة المستشفى، يتناوب الأطباء والممرضون على متابعة حالة لمار، لكن القدرة على علاجها محدود، بينما تتفاقم معاناتها بسبب التقرحات الناتجة عن المكوث الطويل على الأسرة، ورغم ذلك، لم تفقد لمار الأمل، فهي تحلم بالقدرة على المشي واللعب مجددًا مع أشقائها، وتكرار أجواء الطفولة التي حُرمت منها، وتقول: "لم أرد شيئًا سوى أن أسير وأتحرك لوحدي، أريد اللعب مجددًا مع أشقائي وشقيقاتي. اشتقت كثيرًا لأجوائنا الجميلة".
الأزمة في غزة
قطاع غزة يعيش أزمة إنسانية مستمرة منذ سنوات، تفاقمت بفعل الحروب المتكررة والحصار الطويل، وعشرات آلاف الأطفال والنساء فقدوا حياتهم أو أصيبوا بجروح دائمة، بينما ملايين السكان يعانون من فقدان مساكنهم، وانقطاع الكهرباء، ونقص الخدمات الأساسية مثل الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية، وتعرضت الأحياء المدنية للقصف المكثف، ما أجبر السكان على النزوح المتكرر بين المخيمات والمنازل المدمرة، وسط صعوبة في تأمين مأوى آمن.
الأثر النفسي والاجتماعي على الأطفال
الأطفال في غزة يعانون آثار الحرب النفسية إلى جانب الجسدية، من فقدان اللعب والمدارس والأصدقاء والشعور بالأمان، ما يجعل الطفولة مرحلة مليئة بالقلق والخوف، وكثير من الأطفال مثل لمار يواجهون إعاقات دائمة تمنعهم من المشاركة في أنشطة حياتية طبيعية، مما يزيد من الضغط النفسي على الأسر التي تحاول تلبية احتياجاتهم وسط ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة.
دعم الإغاثة والتأهيل الطبي
تؤكد التقارير الإنسانية الدولية أن الأوضاع في غزة تستدعي تدخلًا عاجلًا لدعم الأطفال المصابين، من خلال توفير المستشفيات المتخصصة، المعدات الطبية الحديثة، وبرامج إعادة التأهيل الفيزيائي والنفسي، كما أن دعم المجتمع الدولي ضروري لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، من خلال تقديم الغذاء والمياه والخدمات الصحية والتعليم للأطفال الذين فقدوا فرصهم في التعلم بسبب الحرب.
قصة لمار تمثل نموذجًا حيًا لمعاناة أطفال غزة، الذين يعيشون بين الدمار والألم المستمرين. إنها حكاية عن الطفولة المسلوبة، وعن أسر فقدت الأمان والفرح، وعن مجتمع يواجه تحديات يومية لإبقاء الأمل حيًا، هذه المعاناة الإنسانية العميقة تتطلب تحركًا عاجلًا من كافة الأطراف لضمان توفير حياة آمنة ومستقبل أفضل للأطفال في القطاع، حتى يتمكنوا من العودة إلى الطفولة التي حُرمت منهم بالقوة.








