استغلال المساعدات الإنسانية المرسلة إلى سوريا
استغلال المساعدات الإنسانية المرسلة إلى سوريا
إن المساعدات الدولية المقدمة إلى سوريا تقف عند مفترق طرق، فبعد أكثر من 10 سنوات على تفجر الصراع في سوريا، نزح غالبية السوريين، وأصبحوا يفتقرون إلى الغذاء الكافي، وبينما تساهم الحكومات الغربية المانحة بنحو 2.5 مليار دولار سنويًا في المساعدات الإنسانية، تستمر الاحتياجات في الارتفاع.
التلاعب بالمساعدات
تلاعبت حكومة الأسد بالمساعدات لأكثر من عقد من الزمان، حيث منعت المساعدة عن المعارضين ووجهتها إلى الحلفاء، ومن ثم، أصبح هذا التدخل أكثر وضوحا وأخذت الجهات الفاعلة غير الحكومية الأخرى تتعلم من هذا المثال، حيث يمكن للحكومات المانحة ومجتمع المساعدات كسر هذا النمط المتصاعد الذي يرسخ لسوء استخدام المساعدات، لكنهم بحاجة إلى نهج أكثر استنارة وجماعية.
إن تفعيل المبادئ الإنسانية وتأمين وقف إطلاق النار لمجتمع المساعدات من شأنه أن بسد الفجوات نحو جعل المجتمعات أكثر مرونة، ما يساعد على استقرار المنطقة، وسيؤدي عدم القيام بذلك إلى تفاقم الحرمان والقمع اللذين أشعلا الحرب في الأساس، وإطالة عدم الاستقرار بعيدًا في المستقبل، ويلقي تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز دراسات أمريكي، الضوء على التحديات التي تواجه تقديم المساعدات في جميع أنحاء سوريا ويوصي بطريق للتغلب عليها، كما يستند إلى مقابلات مع مسؤولين من الأمم المتحدة، وعمال إغاثة، ومفاوضين، ودبلوماسيين، ومحللين يعملون على استجابة المساعدات، علاوة على مراجعة قواعد البيانات والوثائق مفتوحة المصدر والتقارير والتقييمات الداخلية.
وقال التقرير إن التهديد المبني على الإكراه والقتل الملقى على عمال الإغاثة يمنع المراقبة المستقلة لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، وقالت ناتاشا هول، كاتبة التقرير: "إذا كانت حكومة الأسد ستبقى، وهو ما يبدو أن الكثير من الحكومات قد استسلمت له، فيجب تسوية هذا الأمر، لأن المساعدات ستستمر على الأرجح في هذه البيئة المعادية".
شركة لتصنيع المعادن
وإلى جانب تحويل طعام الأمم المتحدة إلى الجيش، يستفيد الأشخاص المسؤولون مباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان، حيث وجد التقرير أن "محمد حمشو"، وهو رجل أعمال مقرب من الفرقة الرابعة، إحدى وحدات الجيش، وشقيق الرئيس ماهر الأسد، قد فازا بعقود مشتريات أممية لتصنيع المعادن في المناطق التي استعادتها الحكومة وإعادة صناعتها مرة أخرى من أجل البيع، ويشاع أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعاقد مع فيلق المدافعين عن حلب، وهي مليشيا موالية للنظام ومسؤولة عن التهجير القسري للسكان، لإزالة الأنقاض وإعادة تأهيل المدينة التي ساعدوا في تدميرها.
موقف الأمم المتحدة
وقالت سارة كيالي، باحثة هيومنرايتسووتش في سوريا: "لم تتخذ الأمم المتحدة أي إجراءات للعناية الواجبة بحقوق الإنسان عند التعاقد مع الأشخاص؛ نحن لا نتحدث عن تعاقدهم مقابل عشرات الآلاف من الدولارات، نحن نتحدث عن ملايين الدولارات التي ستذهب إلى شركات مملوكة لأفراد نعرف أنهم ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان، وعندما تفكر في أن الأمم المتحدة هي إحدى الطرق الأساسية لتدفق الأموال إلى سوريا، كما تلعب دورًا كبيرًا في تنشيط الاقتصاد، فإنها تلعب دورًا في يد اقتصاد الحرب".
من جانبه، قال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أنشطة الأمم المتحدة تحكمها المبادئ الإنسانية الأساسية للإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال، وأضاف: "تصر بعض الحكومات، مثل الحكومة السورية، على أن تعمل وكالات الأمم المتحدة مع قائمة الشركاء المنفذين المعتمدين، ومع ذلك، فإننا نختار شركاءنا من تلك القائمة بناءً على تقييماتنا الخاصة لقدرتهم على تقديم ومتابعة عمليات العناية الواجبة".
استغلال المساعدات وتحويل مسارها
وبحسب التقرير، يعتبر التلاعب بالمساعدات من قبل الحكومة السورية شكلاً فريدًا ومستمرًا من السيطرة يجب معالجته، فنظام الأسد له تأثير غير مسبوق على وصول منظمات الإغاثة للأماكن المنكوبة، بما في ذلك من خلال الموافقات على التأشيرات، وقالت "هول": "لا توجد مواقف كثيرة في تاريخنا، حيث يبقى شخص ارتكب فظائع جماعية إلى المستوى الذي كانت عليه حكومة الأسد، في السلطة ويسيطر على أجهزة المساعدة"، واتهمت "هول" كذلك نظام الأسد بوقف المساعدة عن المعارضين وتوجيهها إلى الحلفاء.
ونقل التقرير عن مسؤول في الأمم المتحدة، أنها قضية حماية ضخمة، ليس فقط للمستفيدين ولكن للموظفين المحليين الآخرين الذين يعملون معهم، وبحسب التقرير، فقد كانت هناك زيادة في التهديدات والاعتقالات التعسفية والتعذيب لموظفي الإغاثة السوريين في العام الماضي، وأضافت "هول" أنه بالإضافة إلى تحويل مسار المساعدات، فإن الأشخاص المسؤولين مباشرة عن انتهاكات حقوق الإنسان يستفيدون بشكل شخصي، وأضافت "هول": "إنها حلقة فاسدة للغاية يتم إنشاؤها".
وضرب التقرير مثلا بوصول قافلتين فقط عبر الخطوط تحمل 43500 حصة غذائية إلى شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة بين أغسطس وديسمبر من العام الماضي مقارنة بحوالي 1.3 مليون حصة تم تسليمها من تركيا في نوفمبر الماضي وحده، وقالت "هول": "إن الإمدادات استغرقت 4 أشهر لتصل إلى المحتاجين لأنها كانت موجودة في المخازن لأن النظام لن يسمح للمنظمات غير الحكومية المرتبطة بالمعارضة بتوزيعها، ولذا فإنه من الضروري إجراء تدقيق وتقييم شاملين للمساعدات في سوريا".