أزمة اللاجئين الأفغان لن تحل إلا بالتعاون بين الدول

أزمة اللاجئين الأفغان لن تحل إلا بالتعاون بين الدول

رحل الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، عن أفغانستان، في أغسطس الماضي، وترك خلفه مئات الآلاف من الأفغان، كما ترك قاضيات ومدافعات عن حقوق الإنسان، وكل هؤلاء يعيشون في خطر بسبب حكم طالبان، كما ساء وضعهم بسبب الاقتصاد المنهار، وخطر المجاعة التي تهدد البلاد، وكذلك عودة ظهور الجماعات الإرهابية في ظل إدارة طالبان التي لا تزال ضعيفة، وهم يسعون إلى الفرار من البلاد، لكنهم محاصرين لأن دول الناتو لا تعرض استقبالهم.. باختصار، كل هؤلاء تعرضوا للخيانة، ولكن لا تزال هناك فرصة للقوى التي تدخلت في أفغانستان للوفاء بالتزاماتها الإنسانية، إضافة إلى تجنب اللامبالاة والعداء والانقسام الذي غالبًا ما ميز استجابات اللاجئين نحوهم، ومن ثم تجنب مأساة مروعة. 

 

الموقف الغربي لا يزال إيجابيا

من جهة أخرى، لا يزال هناك حسن نية تجاه الأفغان في الغرب، فقد مر أكثر من مليوني أجنبي عبر البلاد خلال 20 عامًا من تدخل الولايات المتحدة، وقاموا بتطوير علاقات شخصية، وأصبح الغربيون الآن أكثر دراية بأفغانستان وتحدياتها أكثر من دول أخرى، كما أثبتت مجموعة من البلدان استعدادها لاستضافة الأفغان بشكل مؤقت أو دائم بعد سقوط كابول، وكانت مرنة في معالجة المطالبات، وقد كانت جهود الإجلاء مدفوعة بتبرعات المواطنين الصغيرة والمحسنين والمحاربين القدامى والمنظمات غير الحكومية، كما أصبح السياق السياسي أقل عداءً لطالبي اللجوء، حيث أدى انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى موقف أمريكي أكثر اعتدالًا بشأن اللاجئين وطالبي اللجوء، بما في ذلك رفع السقف السنوي لإعادة توطين اللاجئين من 17 ألف شخص إلى 125 ألف شخص، كما التزم التحالف الألماني الجديد بإعادة توطين 25 ألف أفغاني، وأعلنت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا استعدادهم لاستقبال المزيد من الأفغان، بالإضافة إلى أولئك الذين تم إجلاؤهم بالفعل من وطنهم.

 

فرصة لإعادة التوطين

ويعد ذلك فرصة أمام التحالف الدولي لإعادة توطين اللاجئين وحل الأزمة الأفغانية، كما يمثل فرصة نادرة لتحقيق نتائج سريعة وملموسة وأخلاقية، وبالنسبة للعديد من دول الاتحاد الأوروبي، فهي فرصة لإثبات  القيم الأوروبية بعد أزمة اللاجئين عام 2015، وبالنسبة لكندا والنرويج والسويد، سيكون ذلك بمثابة تتويج لالتزامهم التاريخي الاستثنائي تجاه هذه القضية، وبالنسبة لألمانيا، فهي فرصة لإحداث تأثير كبير في السياسة الخارجية خلال فترة رئاستها لمجموعة الدول السبع، كما يمكن لأستراليا وبريطانيا إثبات صحة سياساتهما المفضلة لإعادة التوطين المنظم.

 

فرصة أمام بايدن لعكس سياسات ترامب 

وبالنسبة للولايات المتحدة، يعد ذلك، قبل أي اعتبارات أخرى، فرصة لبايدن للوفاء بالتزامه الانتخابي لعكس سياسات اللاجئين للإدارة السابقة التي رأسها دونالد ترامب، وإظهار المسؤولية الأخلاقية والتعاطف، ومعالجة المخاوف التي أعرب عنها الأفغان عبر طيف سياسي واسع يتكون من مؤيدي حقوق اللاجئين، وكذلك منظمات تعمل في نفس المجال، كما سيسمح ذلك لبايدن بالقيام بالأمر بطريقة تركز على إنشاء عملية منظمة بدلاً من الهجرة غير النظامية، ومن خلال توزيع الأعباء على المستوى الدولي، سوف تبدو الولايات المتحدة كقائد للعالم، بينما يظهر للجمهور الأمريكي أن الدول الأخرى تعتني بنصيبها العادل من اللاجئين.

 

إن من واجبات الولايات المتحدة، أو ألمانيا، بصفتها الرئيس الحالي لمجموعة الدول الصناعية السبع، الدعوة إلى عقد قمة عالمية لمعالجة تلك القضية، مع الاعتماد على البلدان التي تعمل بالفعل على إعادة توطين اللاجئين، ويجب تشجيعها على الالتزام بشأن إعادة توطين اللاجئين مستقبلا، مع طموح يتمثل في قبول أعداد لاجئين سنوية تعادل 0.05% من السكان، وهو عدد أقل مما وافقت عليه كندا، وأعلى قليلاً من العدد الذي اقترحه بايدن، وهو يماثل بلدة تضم حوالي 10 آلاف شخص تستضيف أسرة واحدة منها 5 لاجئين.

وقد يصل هذا الهدف إلى حوالي 40 ألف لاجئ سنويًا لدولة مثل ألمانيا وحوالي 166 ألف لاجئ في دولة مثل الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال  قبلت الولايات المتحدة 280 ألفاً و500 لاجئ فيتنامي بين عامي 1978 و1982، وحدث ذلك في الوقت الذي كان فيه عدد سكان الولايات المتحدة ثلثي حجمها الحالي، وهنا تكمن فكرة تقاسم الأعباء المعقولة والشفافة بين الدول، حيث تشير التجارب السابقة، مثل الفشل في تحقيق إجماع داخل الاتحاد الأوروبي بشأن اللاجئين في عام 2015، إلى أن هذا سيكون هدفًا صعبًا ولكنه قابل للتحقيق، لأنه يتطلب القيادة والالتزامات الطوعية والدبلوماسية بدلاً من الإجبار على ذلك.

 

3 فئات من الأفغان لها الأولوية

وهناك 3 فئات من الأفغان ينبغي أن تكون لها الأولوية، أولاً، الأفغان الذين تمكنوا من المغادرة أثناء عملية الإجلاء ولكن تقطعت بهم السبل حاليًا في دول البلقان وإفريقيا والشرق الأوسط التي لا تملك الإرادة ولا القدرة على الاحتفاظ بهم لفترة أطول من ذلك، وثانياً، هم الأفغان الذين لا يزالون محاصرين في أفغانستان، وهم مؤهلون بالفعل لإعادة التوطين بموجب اشتراطات البرامج الدولية الحالية، مثل تأشيرة الهجرة الخاصة للولايات المتحدة وبرنامج قبول اللاجئين ذوي الأولوية، وثالثاً، الأفغان غير المؤهلين للبرامج الحالية ولكنهم يواجهون تهديدات شديدة بالاضطهاد، وتضم هذه المجموعة نشطاء في مجال حقوق المرأة وصحفيين، وفنانين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، ومحامين ومعارضين سياسيين لطالبان، فالحكومة نفسها ليست الخطر الوحيد، فقد استهدف متطرفون وإرهابيون من غير طالبان مجموعات من الأقليات.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية