"إيكونومست": أزمة السيولة تعوق المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان

"إيكونومست": أزمة السيولة تعوق المساعدات الإنسانية إلى أفغانستان

تقدم "لجنة الإنقاذ الدولية"، وهي منظمة غير حكومية، المساعدات إلى النازحين الأفغان، وتشمل تلك المساعدات المال، والمياه النظيفة، والخيام، وغيرها من الخدمات اللازمة من أساسيات الحياة، وتمول اللجنة عشرات العيادات، كما تساعد في إيجاد وظائف وتنظم التدريب من أجل إقامة التنمية، وكل هذه المساعدات لا تأتي مجانا أو بسهولة، حيث إن فيكي أكين، التي تدير عمليات لجنة الإنقاذ في أفغانستان، ترى أنها تحتاج إلى ما بين مليون دولار ومليوني دولار كل أسبوع لمواصلة ذلك.

ومنذ أن استولت حركة طالبان على البلاد في أغسطس، رفضت البنوك الأجنبية تحويل الأموال إلى كابول، عاصمة البلاد، خوفًا من تعرضها إلى دفع غرامات باهظة، أو ما هو أسوأ، بسبب خرق العقوبات الدولية، وفي الوقت نفسه، فإن حركة طالبان، التي تشعر بالقلق من نفاد الأموال، قد حدت من عمليات السحب من الحسابات المحلية للمنظمات غير الحكومية بمبلغ 25 ألف دولار شهريا.

بدلاً من ذلك، تعتمد لجنة الإنقاذ السيدة أكين على شبكة "حوالة"، وهي نظام غير رسمي لتحويل الأموال نشأ في الهند، ويستخدم هذا النظام منذ قرون من قبل الحجاج والمهاجرين والتجار في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ويمل على أساس الثقة، حيث يوجد وكيل في بلد ما يتلقى الأموال النقدية، ونظير في بلد آخر يقوم بصرفها للعميل.

وعلى الرغم من عدم عبور أي نقود للحدود، فإن العديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى تفعل الشيء نفسه، وأدى الارتفاع الكبير في الطلب على خدمات "حوالة" إلى ارتفاع رسوم تحويل الأموال من حوالي 2٪ في أوائل العام الماضي إلى ما بين 4٪ و13٪ اليوم.

وعقب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان قبل 6 أشهر، كان هناك كارثة أخرى، وهي انسحاب التمويل الأمريكي والغربي الآخر من أفغانستان، وتجميد الأصول الحكومية الخارجية، وحتى أغسطس، الماضي غطت المساعدات الخارجية 75٪ من ميزانية الدولة، وكانت البنوك الأفغانية قادرة على التعامل مع الأموال الموجودة في الخارج، وكان باستطاعة الشركات الحصول على الائتمان، وكل هذا توقف، بمعنى أن النظام المالي في البلاد لم يعد يعمل.

 

أزمة السيولة تسببت في شلل اقتصادي

تسبب ذلك في أزمة سيولة أصابت الاقتصاد الأفغاني بالشلل، فالدولة ليس لديها المال لدفع ثمن الواردات الأساسية مثل الغذاء والدواء أو الكهرباء، والقطاع الخاص الذي نما خلال العقدين الماضيين انهار بسبب عدم وجود سيولة نقدية، أو قدرة على دفع الرواتب أو تسديد حسابات الموردين، كما أغلقت العديد من المصانع في قندهار أبوابها بسبب نقص الكهرباء.

ويقول أحد رجال الأعمال في كابول إنه لا يملك عملة أجنبية من أجل شراء المواد اللازمة لشركته التي تعمل في مجال تصنيع البلاستيك، كما خفض رواتب عماله من حوالي 450 أفغانيا "عملة أفغانستان" إلى 300 أفغاني، أي حوالي 4.9 دولار يوميا، كما فقد ما لا يقل عن نصف مليون شخص وظائفهم منذ أغسطس، أي ما يقرب من 5٪ من القوة العاملة، وأمضى المعلمون والأطباء شهورًا دون أجر، وتم تحديد السحب من الحسابات الفردية بحد أقصى 30 ألف أفغاني في الأسبوع، إن الأموال التي تظل ثابتة دون حركة تفقد قيمتها بسرعة، فقد تراجع "الأفغاني" بنحو 12% مقابل الدولار منذ منتصف أغسطس.

وتقول "قمر البنات قريشي"، التي تبلغ من العمر 24 عاما، وتعيش في كابول مع 7 شقيقات و5 أشقاء، إنها تحاول خفض تكاليف الحياة عن طريق تقليل وجبات الطعام، وتقول: "لا أعتقد أنه يمكننا الاستمرار في هذا الوضع، لقد نفدت مدخراتنا".

إن أفغانستان تواجه كارثة إنسانية متصاعدة، ووكالات الإغاثة تحذر بشكل متكرر من تفاقم أزمة لا يمكن تصورها، حيث يمكن أن يعيش جميع السكان تقريبًا في فقر مدقع، على أقل من 1.90 دولار في اليوم، بحلول منتصف العام، كما أن حوالي 60٪ من سكان البلاد معرضون لخطر الجوع، واضطرت بعض العائلات إلى تناول الدقيق الجاف، وباع البعض أعضاءهم أو حتى أطفالهم.

 

العالم لم يتجاهل أزمة أفغانستان

والمفارقة هي أن العالم لم يتجاهل الأزمة، فقد التزم المانحون بتقديم 1.8 مليار دولار كمساعدات إنسانية في عام 2021، وفي الشهر الماضي أطلقت الأمم المتحدة أكبر نداء لها على الإطلاق لدولة واحدة، على أمل جمع 4.4 مليار دولار أخرى، لكن إقناع المانحين ليس هو المشكلة، ولكن إدخال الأموال إلى البلاد، وقد أوضحت الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن العقوبات لا تنطبق على العمل الإنساني، لكن البنوك التي تتجنب المخاطرة، وما زالت غير راغبة في تحويل الأموال إلى أفغانستان.

ويقول حوالي 85٪ من المنظمات غير الحكومية إن حدود السحب وعدم القدرة على تحويل الأموال يعيقان عملهم بشكل خطير، وفقًا لاستطلاع رأي أجراه مؤخرًا المجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة غير حكومية، وقد لجأ المجلس نفسه إلى شراء المواد الأساسية، بما في ذلك البطانيات والمواد الغذائية، من باكستان ونقلها عبر الحدود عن طريق البر، وحتى الأمم المتحدة تعاني مشكلات بهذا الخصوص، حيث تطلب الأمر نقل الأموال عن طريق الطائرات ويعد ذلك أمرا مكلفا، حيث إن نقل مبالغ كبيرة من النقود في جميع أنحاء البلاد هو أمر محفوف بالمخاطر.

 

مصادرة أصول البنك المركزي الأفغاني

وفي 11 فبراير، قضى الرئيس جو بايدن على آمال التعافي الاقتصادي، حيث قال البيت الأبيض إنه سيفك تجميد 7 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني الموجودة في الولايات المتحدة، مستخدما نصفها كمساعدات وتجنيب النصف الآخر المعلق في قضايا تتعلق بأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر، الذين يطالبون بتعويضات، وأثار القرار انتقادات من جميع أنحاء المجتمع الأفغاني، وهددت حكومة طالبان بشدة بإعادة النظر في سياستها تجاه أمريكا، ونزل الأفغان العاديون إلى الشوارع، ووصف شاه محرابي، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأفغاني، الخطوة بأنها غير عادلة، وأيا كان ما تفعله إدارة بايدن بهذه الأموال، بصرف النظر عن إبقائها مجمدة أو إعادتها إلى أفغانستان، فهي في الواقع مصادرة أصول البنك المركزي الأفغاني، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الوضع الصعب في البلاد.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية