توطين لاجئين أفغان في هيوستن لبدء حياة جديدة

توطين لاجئين أفغان في هيوستن لبدء حياة جديدة

 

وقفت صديقة "شيرزاي" في شرفة شقتها في الحي الصيني، وأمسكت بذراعها ومفاتيحها وهي تصف إصابتها أثناء هروبها من هجوم لحركة طالبان في مسقط رأسها في قندوز، شمال أفغانستان، وتطل عيناها من كمامة وهي تتحدث بلغة "الداري" من خلال مترجم، وتصف كيف كانت ستة أشهر شاقة بالنسبة لها ولعائلتها، الذين كانوا من بين آلاف اللاجئين الذين شقوا طريقهم إلى مدينة هيوستن الأمريكية بعد أن أجبروا على الفرار عندما استولت حركة طالبان على أفغانستان في أغسطس من العام الماضي.

 

الفرار من أفغانستان: 

كانت شيرزاي، وهي صحفية ومعلمة تبلغ من العمر 40 عامًا، هدفًا للجماعة الإسلامية المتطرفة منذ ما يقرب من 20 عامًا بعد تقديم العديد من البرامج الإخبارية الإذاعية والتلفزيونية التي تدعو إلى تعليم وحقوق المرأة في أفغانستان، التي تكثر بها ممارسات العنف القائم على الجنس، وكذلك القيود الشديدة على النساء، وفي النهاية، تم قصف محطتها الإذاعية ودمرت؛ وقالت إنها كادت تُقتل عندما كانت تستقل سيارة ومرت فوقها قنبلة، وقالت إنه في الشهرين اللذين سبقا سيطرة حركة طالبان، جاء أفراد من الحركة إلى منزلها وهددوها هي وزوجها وابنتها، وأشارت صديقة شيرزاي إلى إصابة أصيبت بها خلال هجوم لطالبان عندما كانت في أفغانستان، وقالت إنها بقيت لأطول فترة ممكنة قبل أن تُجبر على الفرار، وإنها لم تكن تريد أن تتخلى عن الأشخاص الذين اعتبروها زعيمة، وبعد رحلة مروعة تضمنت أسابيع من الاختباء ثم قضاء بعض الوقت في قاعدة عسكرية أمريكية، وصلت شيرزاي وزوجها وابنتها إلى هيوستن في 14 يناير الماضي.

 

شقة جديدة أثثها متطوعون 

وفي هيوستن، وجدت نفسها وعائلتها أنفسهم في شقة مفروشة، من قبل متطوعين يمثلون جزءًا من جهود إعادة التوطين الهائلة للآلاف مثل شيرزاي وعائلتها الذين وصلوا إلى هيوستن، وأحد هؤلاء المتطوعين هو بيكي والاس (40 عامًا) الذي أمضى الأسابيع القليلة الماضية في التعرف على عائلة شيرزاي، في الخارج، واحتضنت "حاجات" ابنة شيرزاي البالغة من العمر 8 سنوات والاس بابتسامة وتسلق حجرها بينما يبدأ الاثنان في الضحك.

 

أكبر أزمة لإعادة توطين للاجئين على الإطلاق

وتشهد معظم وكالات إعادة التوطين تباطؤاً في عدد الوافدين خلال الشهر المقبل أو نحو ذلك، ولكن تأتي الخطوة التالية من أهم الخطوات لمساعدة هذه العائلات، وهي إيجاد عدد كافٍ من المتطوعين لإرشادهم لتعلم كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي في بلد غريب حيث هم في بعض الأحيان لا يشعرون بالترحيب، وبداية من 14 فبراير، وصل ما يقرب من 4730 لاجئًا أفغانيًا إلى هيوستن، وفقًا لجمعية هيوستن الأفغانية لإعادة التوطين، والتي تتكون من جمعية "التحالف"، والجمعيات الخيرية الكاثوليكية لأبرشية جالفستون- هيوستن، ووزارات الأديان في هيوستن الكبرى، وجمعية الشبان المسيحية في هيوستن الكبرى، والخدمات الدولية.. وقال علي السوداني، مدير البرامج بوزارات الأديان، إنه يتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 6 آلاف لاجئ بحلول نهاية سبتمبر المقبل، وتابع “السوداني”، الذي عمل في إعادة توطين اللاجئين على مدار 12 عامًا الماضية: "هذه هي أكثر الأوقات ازدحامًا وأكبر أزمة إعادة توطين للاجئين نمر بها على الإطلاق، وعندما تستجيب لحالة طارئة، فإن أكبر رصيد تحتاج إليه هو الأشخاص، سواء كانوا موظفين أو متطوعين. نحتاج دائمًا إلى المزيد".

وأضاف "السوداني" أن دور المجتمعات الدينية في المساعدة في جهود إعادة التوطين في هيوستن كان بمثابة المنقذ، حيث أمضت هذه المنظمات الدينية الأشهر العديدة الماضية في تجنيد متطوعين لجمع أشياء مثل الأثاث والملابس؛ وقضاء عطلات نهاية الأسبوع في تأثيث الشقق؛ ولتحية العائلات عند وصولهم، وقال إن كنيسة يسوع المسيح لقديسي الأيام الأخيرة قد رعت ما يقرب من 40 أو 50 عائلة، بما في ذلك عائلة شيرزاي، كما أشار إلى أن طاولة القهوة والأريكة البيضاء الكبيرة في غرفة المعيشة الخاصة بشيرزاي قدمه متطوعون من الكنيسة.

 

الإرشاد الأسري:

 

تعمل الجمعيات المختلفة على مساعدة عائلات اللاجئين على تحقيق الاكتفاء الذاتي،ما يعني أنه يجب عليهم تعلم اللغة الإنجليزية والعثور على وظيفة وتعلم كيفية القيادة وتعلم كيفية التنقل في الحياة اليومية في هيوستن، وتحتاج الجمعيات إلى متطوعين مستعدين لتخصيص الوقت لمساعدة هؤلاء اللاجئين في العديد من المهام اليومية، مثل التسجيل في المدرسة، واصطحابهم لشراء الطعام، وشرح كيفية استخدام نظام الحافلات، وممارسة اللغة الإنجليزية معهم.

وفي أواخر شهر يناير، أعلنت جمعية "التحالف" عن برنامج تجريبي جديد للإرشاد الأسري يتطلب التزامًا زمنيًا لمدة 12 شهرًا وتبرعًا بقيمة 3 آلاف دولار على الأقل يذهب مباشرة إلى العائلة التي يعمل بها المتطوع أو المنظمة، ويتم تدريب المتطوعين على كيفية التفاعل مع الأسرة لعدة ساعات كل أسبوع في محاولة لتزويدهم بالدعم العاطفي خارج الوكالة، كما قال عمر كونسيبسيون، مدير برنامج المشاركة المجتمعية والرعاية في جمعية "التحالف"، ويمكن لأي شخص التطوع في البرنامج، من المنظمات الدينية إلى مجموعات الأصدقاء، فالبرنامج التجريبي سيُستخدم على الأرجح كنموذج لدمج الوافدين في المستقبل من غيرهم من اللاجئين.

 

منزل مع مزيج من الثقافات وآمال في المستقبل 

أصبحت شقة شيرازاي في هيوستن تبدو كأنها منزل الآن، ولكن مع مزيج من الثقافات، فهناك خريطتان لهيوستن وخط المترو معلقان على الجدران في غرفة الطعام، بينما تزين أعلام الولايات المتحدة وتكساس جدران المطبخ، مكتملة بتذكارات من بلدها الأم، بينما تتذكر اليوم الأول الذي وطأت فيه قدمها منزلها الجديد.. وقالت: “لم نصدق ذلك، لدينا منزل هنا به كل شيء جاهز. كنا سعداء حقًا”.

والآن، ابنتها وبنات إخوتها وأبناء إخوتها في المدرسة، كما تعلمت كيفية ركوب الحافلة، وستتلقى دروسًا في القيادة قريبًا، وأصبح زوجها جاهزاً لبدء العمل ويخطط لبدء عمل تجاري في المستقبل، ولا تزال ذراع شيرازاي تؤلمها، لكنها لا تندم على أي شيء، على حد قولها.. فإن إصابتها بمثابة تذكير دائم بالحياة التي تركتها وراءها، بينما تتمثل آمالها في المستقبل في العمل مع النساء الأفغانيات في هيوستن، وذات يوم تعود إلى الصحافة وتبدأ برنامجًا إخباريًا إذاعيًا أو تلفزيونيًا جديدًا.

 

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية