التعدين أحد الأمثلة

"الإيكونوميست": النساء الأوكرانيات يتولين وظائف الرجال أثناء الحرب

"الإيكونوميست": النساء الأوكرانيات يتولين وظائف الرجال أثناء الحرب

تقول أوكسانا إنها أوقفت حياتها بعد أن أخذ كوفيد-19 والدتها وزوجها قبل عامين، وأخذت المدفعية الروسية والدها وابنها الأكبر الربيع الماضي.

وعلى بعد 480 مترا تحت ضواحي تيرنيفكا، وهي بلدة في شرق أوكرانيا تقول أوكسانا: "لقد انغمست في عملي".

بالعودة إلى باخموت،  واحدة من أشرس معارك الحرب، كانت أوكسانا، البالغة من العمر 49 عاما، مدرسة للرقص في مدرسة داخلية للأطفال الفقراء، واليوم، بعد تدمير منزلها السابق ومسقط رأسها، وإغلاق مدرستها، ووفاة أقرب أقربائها، أصبحت تعمل في مناجم الفحم، وفق مجلة "الإيكونوميست".

بعد غزو الروس في فبراير 2022، هربت أوكسانا (طلبت إدارة منجمها عدم استخدام ألقاب عمالها) إلى بولندا، حيث عملت غاسلة صحون وطباخة في مطعم، لكنها افتقدت أوكرانيا، أخبرها أصدقاؤها أن مناجم تيرنيفكا تبحث عن عمال جدد، فقامت بالتسجيل.

تقول أوكسانا إن وظيفتها الجديدة تدفع أفضل من معظم الوظائف، وتقدم معاشا تقاعديا جيدا، وتقول إن العمل يساعدها أيضا على حجب الذكريات قائلة: “أريد أن أنسى كل شيء”.

لقد قلبت الحرب حياة عدد لا يحصى من الأوكرانيين رأسا على عقب، فضلا عن سوق العمل في البلاد، وفقد نحو 4.8 مليون شخص وظائفهم بين عشية وضحاها تقريبا عندما هاجمت روسيا.

تشير التقديرات إلى أن البطالة قد تراجعت إلى 18.4% في أكتوبر من هذا العام، من أكثر من 30% في ربيع عام 2022، لكنها لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الحرب.

وفقا لإحدى الدراسات الاستقصائية، قام 17% من العمال الأوكرانيين بتغيير مهنتهم منذ بداية الحرب، وتم تجنيد مئات الآلاف.

ويقدر المسؤولون الأمريكيون أن ما لا يقل عن 70 ألف جندي أوكراني لقوا حتفهم في الحرب، وأن ما يصل إلى 120 ألفا آخرين أصيبوا، مع استدعاء المزيد من الأوكرانيين يتزايد الطلب على العمال في القطاعات التي يهيمن عليها الرجال تقليديا.

جعلت الحرب والاحتلال جمع بيانات جيدة أمرا مستحيلا، لكن هناك دلائل على أن النساء يعززن اقتصاد أوكرانيا المتعثر على نحو متزايد.

ومن بين 36 ألف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم مسجلة في أوكرانيا حتى الآن هذا العام، تدير النساء 51% منها، كما تقول وزيرة الاقتصاد في البلاد، يوليا سفيريدنكو: "بدأ المزيد من النساء العمل في الصناعة والبناء والتعدين.. سنرى ذلك على نطاق أوسع بمجرد أن نبدأ إعادة الإعمار".

في السنوات المقبلة، ستحتاج أوكرانيا إلى جيش من الأطباء وعلماء النفس لرعاية قدامى المحاربين، بما في ذلك الآلاف من مبتوري الأطراف والجنود المصابين بصدمات نفسية.. كثير من مقدمي الرعاية هؤلاء -إن لم يكن معظمهم- سيكونون من النساء.

ومن المحتم أيضا أن تجتذب قطاعات الطاقة والنقل والدفاع -التي من المتوقع أن تلعب دورا كبيرا في الاقتصاد بعد الحرب- المزيد من العاملات.

في مجمع التعدين بالقرب من تيرنيفكا، جند الجيش 600 رجل، أي نحو عشر إجمالي قوته العاملة، كما يقول المدير دميترو زابيلين، ولتعويض هذا النقص انضمت نحو 300 امرأة.

كان المنجم قد وظف نساء قبل الحرب، لكن لم يعمل أي منهن تحت الأرض، أكثر من 100 من العمال الجدد يفعلون ذلك الآن، تعمل أوكسانا على حزام ناقل يحمل الفحم إلى السطح، وتعمل نساء أخريات مفتشات سلامة وكهربائيات.

تتدرب أولينا، التي يقود زوجها، وهو عامل منجم سابق، فصيلة بالقرب من لوهانسك، على تشغيل القطارات التي تربط أجزاء من المنجم، أما آنا، التي بلغت من العمر 18 عاما مؤخرا، فستعتني بالأقفاص التي تحمل عمال المناجم بين المستويات.

تقع تيرنيفكا خلف الخطوط الأمامية، لكن المنطقة تعرضت لصواريخ كروز الروسية، تقول آنا: "إنه أمر مخيف للغاية، لكن طالما أنني تحت الأرض لا أستطيع سماعه".

ضاقت الفجوة في الأجور بين الجنسين من 26% قبل سبع سنوات إلى 18.6% اليوم، لكنها لا تزال أعلى بكثير من متوسط الاتحاد الأوروبي (12.7% في عام 2021).

وحتى أواخر عام 2017، عندما تم إلغاؤه أخيرا، كان قانون يعود تاريخه إلى الحقبة السوفيتية يحظر على النساء ممارسة 450 مهنة، تتراوح من سائق شاحنة إلى عامل لحام.

وفي العام التالي، أعطت أوكرانيا النساء في القوات المسلحة نفس الحقوق التي يتمتع بها الجنود الذكور، وتخدم حاليا نحو 43 ألف امرأة في القوات المسلحة، بمن في ذلك 5 آلاف في مواقع قتالية.

الصور النمطية لا تزال قائمة

يقول زابيلين، مدير المنجم، من مكتبه: "المرأة هي حارسة المنزل والأسرة.. يجب على النساء متابعة طموحاتهن في مجالات أخرى"، لكنه يعترف بأن المنجم ربما لن يكون لديه خيار سوى توظيف المزيد منهن.

لن يعود العديد من الرجال من الجبهة أبدا، وسيتعين على أوكرانيا الاحتفاظ بجيش كبير حتى بعد انتهاء الحرب، يقول زابيلين: “جارتنا (في إشارة إلى روسيا) لن تذهب إلى أي مكان".

تفتقد أوكسانا حياتها السابقة ووظيفتها القديمة، لكنها لا تنوي ترك الوظيفة الجديدة، لقد اعتادت الضوضاء والظلام والغبار والهبوط الطويل تحت الأرض، كما تقول: "لم يعد الأمر مخيفا مثل الحرب".

 الأزمة الروسية الأوكرانية

اكتسب الصراع الروسي الأوكراني منعطفًا جديدًا فارقًا في 21 فبراير 2022 بعدما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف بجمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" جمهوريتين مستقلتين عن أوكرانيا، في خطوةٍ تصعيديةٍ لاقت غضبًا كبيرًا من كييف والدول الغربية.

وبدأت القوات الروسية، فجر يوم الخميس 24 فبراير 2022، شن عملية عسكرية على شرق أوكرانيا، وسط تحذيرات دولية من اندلاع حرب عالمية "ثالثة"، ستكون الأولى في القرن الحادي والعشرين.

وقال الاتحاد الأوروبي إن العالم يعيش الأجواء الأكثر سوادًا منذ الحرب العالمية الثانية، فيما فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزمة عقوبات ضد روسيا، وصفتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأنها الأقسى على الإطلاق.

عقوبات اقتصادية     

وقتل آلاف الجنود والمدنيين وشرد الملايين من الجانب الأوكراني، وفرضت دول عدة عقوبات اقتصادية كبيرة على موسكو طالت قيادتها وعلى رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، وكذلك وزير الخارجية سيرجي لافروف، كما ردت روسيا بفرض عقوبات شخصية على عددٍ من القيادات الأمريكية على رأسهم الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ومنذ بدء الغزو الروسي في 24 فبراير، سُجّل أكثر من 8 ملايين لاجئ أوكراني في أنحاء أوروبا، بينما نزح قرابة 7 ملايين ضمن البلاد، وفق تقديرات الأمم المتحدة.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية