"فورين أفيرز": بوتين ينجح في إقناع الروس بنظام "البوتينية إلى الأبد"

اعتبروا بقاءه يضمن الاستقرار لروسيا

"فورين أفيرز": بوتين ينجح في إقناع الروس بنظام "البوتينية إلى الأبد"

بعد 4 سنوات قضاها رئيساً للوزراء، أصبح فلاديمير بوتين، في عام 2012، رئيساً لروسيا، وقد استاء العديد من الروس من عودته التي وصفت بـ"المدبرة".

قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في عام 2012، كانت عبارة "روسيا بدون بوتين" علامة شعبية في المسيرات الاحتجاجية، بحسب مجلة "فورين أفيرز".

وأضافت المجلة، أن سخطهم كان يتعلق ببوتين نفسه، كما يرتبط بشكل كبير بالنظام السياسي المتطور في روسيا، ولم تكن هناك مؤسسة أو بند في الدستور الروسي يمكن أن يقيد بوتين، ولم يقف أحد في طريقه، واتسمت المرحلة المبكرة من البوتينية بمزيج من الرضا العام واللامبالاة، وازدهر الشعور بالرضا عن النفس عندما توسع الاقتصاد الروسي في الفترة من عام 2000 إلى عام 2008، وهي السنوات الثماني الأولى من رئاسة بوتين، الأمر الذي مكن من صعود الطبقة المتوسطة الروسية.

وساعدت اللامبالاة، التي غرسها الكرملين جزئيا من خلال تثبيط المشاركة العامة في السياسة، في زحف النظام الاستبدادي، وبحلول عام 2022، وصلت روسيا إلى شيء جديد: البوتينية في زمن الحرب، حيث أصبحت سلطوية بالكامل ومعبأة جزئياً للحرب، ولكن مع ترك مساحة لدرجات من الرضا عن النفس واللامبالاة، وفقا لـ"فورين أفيرز".

تُعقد الانتخابات الرئاسية المفترضة مرة أخرى في روسيا، في الفترة من 15 إلى 17 مارس ولن تؤثر الشكليات الإجرائية -المرشحون، والحملات الانتخابية، وصناديق الاقتراع نفسها- على نتيجة الكرملين المحددة سلفا، وسيتولى بوتين فترة ولاية أخرى مدتها 6 سنوات، وفي نهايتها سيكون مؤهلا للترشح مرة أخرى وتمديد فترة حكمه حتى عام 2036.

ومن خلال الإدارة المحكمة، حاول الكرملين جعل الانتخابات هادئة قدر الإمكان، وعلى الرغم من أنه من المرجح أن يفوز بوتين بانتخابات نزيهة في عام 2024، فإن الانتخابات غير المُدارة من شأنها أن تعزز التنافس السياسي الحقيقي وانتقاد الرئيس، وهو الأمر الذي ظل محظورًا لفترة طويلة، وقد يفتح الانتقاد الباب أمام احتمال آخر: أن بوتن قد لا يعكس الإرادة الموحدة للشعب الروسي، وأنه قد لا يكون مقدراً له أن يحكم روسيا إلى الأبد.

خلال ربع القرن الذي قضاه في السلطة، سعى بوتين إلى تحقيق هدفين منفصلين: الأول، كان إنشاء آلية واسعة للقضاء على أي قوى محلية تعارضه أو لديها القدرة على القيام بذلك.

ووفقا لـ"فورين أفيرز" قد استلزمت هذه العملية قتل الصحفيين، واعتقال أفراد القِلة غير المخلصين بالقدر الكافي، واضطهاد أي بديل سياسي قابل للحياة لبوتين، حيث قُتل السياسي الليبرالي بوريس نيمتسوف خارج الكرملين في عام 2015، والناشط السياسي فلاديمير كارا مورزا مسجون منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وتوفي زعيم المعارضة أليكسي نافالني عن عمر يناهز 47 عاما في مستعمرة عقابية في القطب الشمالي الروسي.

وكان هدف بوتين الآخر يتلخص في حرمان أغلب الروس من القدرة على تصور المستقبل من دونه، لأنه من المستحيل مواجهته اليوم، كما يعتقد البعض، سيكون من المستحيل مواجهته غدًا، ولم يعد مقيداً ببرلمان أو دستور أو معارضة سياسية، بل إن بوتن أصبح في أوج قوته. 

وبدا الشعور السائد بـ"البوتينية إلى الأبد" يوفر للعديد من الروس شعوراً بالاستقرار، إنها الاستمرارية السياسية التي يعرفونها أفضل، وبالنسبة للأقلية، فإنه يسبب اليأس أو الغضب.

وتشير المجلة الأمريكية، إلى أن البوتينية إلى الأبد لها نقاط ضعفها، حيث إن أي نظام يعد بالبقاء إلى الأبد لا يمكن أن يسمح بأن يُنظر إليه على أنه فاشل، ولكي يتمكن نظام بوتن من الاستمرار فيتعين عليه أن يحافظ على الوهم ليس فقط بحتميته، وهو ما حققه بالفعل، بل وأيضاً بخلوده، وهو ما لا يستطيع تحقيقه.

غزو أوكرانيا

كان غزو أوكرانيا عام 2022 خطوة فعالة في بناء البوتينية إلى الأبد، لقد نجحت الحرب في تعزيز قوة الزعيم الروسي من خلال تعزيز قوة الكرملين الهائلة بالفعل، وليس من خلال تقليص نطاق المجتمع المدني بشكل جذري، وفي حين كانت النخب السياسية حتى وقت قريب تتمتع بدرجة ما من سلطة اتخاذ القرار، فإن الحرب حولتها إلى منفذين لإرادة بوتن، ومجرد مساعدين للقائد العام.

واليوم، لا تستطيع المؤسسات الروسية أن تخدم كوسيلة للتشكيك في السياسة الرسمية، ومن المتوقع منهم أن يظهروا التزامهم بالمجهود الحربي، وقد تم تجريم أي تعبير عن المعارضة في ما يتعلق بالحرب، والآن يقبل العديد من الروس الافتراضات التالية باعتبارها حقائق عقائدية: يخوض بوتن حرباً ضرورية باقتدار، وبوتين هو الشخص الوحيد القادر على قيادة روسيا، وبوتين يملك مستقبل روسيا السياسي، وأي شخص يقترح خلاف ذلك فهو في خطر كبير.

عسكرة المجتمع

وأدت الحرب إلى عسكرة السياسة والمجتمع الروسي بشكل كبير، في جميع أنحاء البلاد، تضفي اللوحات الإعلانية والملصقات بريقًا على الجندية، وتقوم وسائل الإعلام الحكومية بتشويه صورة "الغرب الجماعي"، الذي حول أوكرانيا إلى دمية في يده، مما اضطر روسيا إلى خوض حرب دفاعية.

ووفقاً لرواية الكرملين فإن بوتن هو القائد الأعلى الذي لا يمكن استبداله، والخبير الاستراتيجي والدبلوماسي القادر على حمل البلاد على كتفيه، وحامل النظام الذي سيقود البلاد إلى النصر، وحتى بين الروس الذين يتوقون إلى السلام، يعتقد كثيرون أن بوتن وحده القادر على تحقيق السلام.

ويمكن أن تكون عسكرة المجتمع انتقائية، وهذا لا يعني أنه يجب على الجميع دعم المجهود الحربي أو الانخراط فيه بحماس، ومن خلال مطالبته بالإذعان، يدرك الكرملين أن المجهود الحربي من الممكن أيضاً أن يتم تجاهله أو إغفاله، وتشكل مثل هذه العسكرة التدريجية السمة المميزة للبوتينية في زمن الحرب، والتي تتسم بالقمع.

ومن خلال بنيته التحتية الإعلامية، يكرر الكرملين نقاط حواره يومياً، وهي تزعم، وليس من دون مبرر، أن روسيا أصبحت لها اليد العليا في ساحة المعركة، وأن الرأي العام خارج الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة أكثر تعاطفاً مع الموقف الروسي، وأن الاقتصاد الروسي في حالة جيدة، وهي النقطة التي يعززها انخفاض معدلات البطالة وارتفاع الأجور.

وفي نظر جمهوره المحلي، اجتاز بوتن اختباراً مهماً: فقد وقف في وجه الغرب، متحدياً انتقاداته، وعقوباته، ومساعداته العسكرية لأوكرانيا، ويتطلب استعراض القوة هذا أن تعزز موسكو انتصاراتها في ساحة المعركة، وإذا فشل جيش بوتن، فقد تصبح كفاءة الزعيم في الداخل موضع شك.

ولكن في الأشهر الأولى من عام 2024، وبالنظر إلى مسار الأحداث، فإن الحرب والبوتينية إلى الأبد يعزز كل منهما الآخر، لقد نصب بوتين نفسه باعتباره الرجل الوحيد الذي جمع بين أفضل خيوط التاريخ الإمبراطوري الروسي والسوفييتي وما بعد السوفييتي، وتاريخ بلد عظيم لم يتم غزوه قط، الرئيس الذي أعاد الفخر بروسيا والروسية؛ المدافع عن القيم التقليدية، ورجل الدولة الذي أعطى روسيا (بالكاد) القوة اللازمة للتعامل مع الغرب الغادر، وأصبحت أقواله وأفعاله هي التي تحدد طبيعة الأيديولوجية، وليس العكس.

ورغم أن كثيرين داخل روسيا يدركون بطبيعة الحال أن بوتين سيرحل يوما ما، فإنهم ما زالوا غير قادرين على تصور المستقبل من دونه، لذا فإن الانتخابات الرئاسية هذا العام ليست مجرد ممارسة طقوسية لإضفاء الشرعية على 6 أعوام أخرى في عهد بوتين، لابد من تفسيره باعتباره وداعاً أخيراً لبقايا الماضي السياسي التي سبقت أو أدت إلى تعقيد وصول البوتينية إلى الأبد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية