"فايننشيال تايمز": التهديد الحقيقي لوجود "إسرائيل" يأتي من "إيران" وليس "حماس"

"فايننشيال تايمز": التهديد الحقيقي لوجود "إسرائيل" يأتي من "إيران" وليس "حماس"

 

من الصعب أن نفهم كيف فشل مشغلو الطائرات الإسرائيلية بدون طيار في معرفة أن مركبات المطبخ المركزي العالمي التي ضربوها يوم الاثنين في غزة كانت قافلة إنسانية، رغم مشاركة تحركات القافلة مع القوات الإسرائيلية ووضع علامات واضحة على المركبات لتتمكن كاميرا بدون طيار من رؤيتها.

ويقول الرئيس السابق لجهاز MI6 "جهاز الاستخبارات البريطاني" وسفير المملكة المتحدة لدى الأمم المتحدة، جون ساورز، إن الهجوم يعكس بشكل سيئ للغاية استهتار إسرائيل بحياة المدنيين في ملاحقتها لحماس في غزة، وإن العواقب بالنسبة لإسرائيل خطيرة.

ومن الناحية الإنسانية، فإن موت عمال الإغاثة الأجانب ليس مأساة أكبر من موت المدنيين الفلسطينيين، لكن العواقب السياسية مختلفة تماما، مشيرا إلى أن إسرائيل ظلت لعدة أشهر، تضغط على حدود رخصة عملها من مؤيديها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، وقد تم الآن انتهاك هذه الحدود.

ويرى "ساورز" أن إسرائيل لديها مبرر عسكري لمهاجمة كتائب "حماس"، لكن أصدقاء إسرائيل يحجمون عن استمرار إمدادات الأسلحة بينما يعمل الجيش الإسرائيلي بهذه الطريقة المتهورة، وتجاوز قواعد الحرب في رده على هجوم حماس في 7 أكتوبر.

وبعد 6 أشهر من الصراع، يرى "ساورز" أن الطريق إلى الأمام الآن يتلخص في التفاوض على إنهاء عملياتها الكبرى في غزة في مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس، والعمل على تحقيق استقرار جديد في القطاع بدون حماس، وليس لدي أي ثقة في أن هذه الحكومة الإسرائيلية سوف تكون قادرة على قبول قوة أمنية خارجية في غزة أو عملية معززة للأمم المتحدة لتقديم الخدمات الأساسية، ولكن ينبغي لنا أن نبدأ التخطيط لذلك الآن، لأن الاحتلال الإسرائيلي إلى أجل غير مسمى سيكون أسوأ بالنسبة لكل من إسرائيل والفلسطينيين في غزة.

فشل هدف نتنياهو غير المعلن المتمثل في إقامة نظام الفصل العنصري في إسرائيل -حيث يعيش الفلسطينيون في جيوب خاضعة للسيطرة بعناية دون أي حقوق- بشكل واضح.

ويشدد "ساورز" على أن التهديد الحقيقي لوجود إسرائيل لا يأتي من إرهاب حماس، بل يأتي من إيران، وكانت الضربة التي استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق هذا الأسبوع أكثر صلة باحتياجات إسرائيل الأمنية الحقيقية، وفيما نفترض أنه استهداف للمباني الدبلوماسية، كانت إسرائيل تخوض مخاطرة سياسية، لكن يبدو أن إيران تسيء استخدام القواعد التي تحمي الدبلوماسيين من خلال السماح باستخدام المبنى كمقر عسكري لقادة فيلق القدس.

ومن خلال مراقبة رد فعل طهران بعناية على كل تطور في الأزمة الحالية -تبادل الصواريخ الخاضعة للرقابة عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتراجع ضربات الحوثيين على الشحن البحري في البحر الأحمر، وغياب هجوم متكرر للميليشيا بعد الهجوم الذي أدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين على الحدود الأردنية السورية- سيخلص المحللون الإسرائيليون إلى أن إيران لا ترغب في الانجرار إلى حرب أوسع نطاقاً، وقد شجع هذا التردد في رفع رهان إسرائيل على الذهاب أبعد من ذي قبل في هجماتها على المسؤولين الإيرانيين.

وتوقع “ساورز” أن ترد إيران على ضربة دمشق، وقد يكون هذا داخل إسرائيل، فهناك بالفعل تقارير عن مؤامرة ضد وزير الأمن الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير، على الرغم من أنه ربما تم التخطيط لذلك قبل أحداث هذا الأسبوع، ومن الممكن أيضًا الهجوم على بعثة دبلوماسية إسرائيلية في الخارج، مثل الهجوم على السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس عام 1992.

وأصبح هناك الآن فرصة أكبر لأن تقوم إسرائيل وإيران بتصعيد صراعهما في لبنان، حيث يمتلك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف الموجهة نحو إسرائيل والتي ترغب حكومة نتنياهو بشدة في تدميرها، ويقاوم نتنياهو حتى الآن الضغوط داخل حكومته الحربية لفتح جبهة ثانية في الشمال، وهو يعلم أن البيت الأبيض لن يتعاطف كثيراً إذا شنت إسرائيل حرباً جديدة بنفسها، ولكن يبدو أن حساباته الخاصة حول كيفية إبقاء نفسه في منصبه لها الأسبقية: فمن غير المرجح أن تتم عملية حسابية سياسية في إسرائيل قبل انتهاء القتال.

ومن جانبها، لا تريد إيران أن تضطر إلى إعادة تسليح حزب الله بعد غزو إسرائيلي آخر للبنان كما فعلت بعد عامي 1982 و2006، لكن الصراع بين ميليشياتها الوكيلة الأكثر قدرة وإسرائيل سيكون أقل تكلفة من حيث الاستقرار في الداخل مما لو كانت إيران دولة محاربة بشكل مباشر.

وسوف يضعف موقف حزب الله السياسي في لبنان إذا اندلعت حرب أخرى مع إسرائيل، لكن قد لا يكون أمامهم خيار كبير إذا اختار نتنياهو والإيرانيون هذا المسار، لقد تزايدت مخاطر نشوب صراع جديد في لبنان منذ بضعة أشهر، وقد أدى الهجوم على القنصلية في دمشق -مهما كان استهدافه وتنفيذه بمهارة- إلى زيادة احتمالية حدوث ذلك.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية