"فايننشيال تايمز": السعي الأوروبي لتحسين النتائج الاقتصادية يتراجع لصالح إدارة المخاطر

"فايننشيال تايمز": السعي الأوروبي لتحسين النتائج الاقتصادية يتراجع لصالح إدارة المخاطر

بعد الوباء، والحرب في أوروبا، وأسوأ تضخم عالمي منذ 40 عاما، أصبح لدى محافظي البنوك المركزية ما يبرر تماما اتخاذ نهج السلامة أولا، حيث تراجع السعي إلى تحسين النتائج الاقتصادية لصالح إدارة المخاطر، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هذا الصيف هو كيف يمكن للمسؤولين وضع السياسة النقدية على أفضل وجه مع وضع إدارة المخاطر في الاعتبار.

ووفقا لتحليل نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، للتعرف على الأدلة الاقتصادية، يتعين على محافظي البنوك المركزية أولا أن يكونوا واضحين بشأن المخاطر التي يديرونها، والأشياء الوحيدة التي تهم هي تلك التي تؤثر على النشاط الاقتصادي والتضخم وحياة الناس.

في كثير من الأحيان، يقول محافظو البنوك المركزية إن النتيجة الأسوأ ستكون بدء فترة من تحركات أسعار الفائدة ثم تغيير رأيهم، قد يكون هذا صعبًا على سمعتهم الشخصية، لكنه لا يحمل سوى تكاليف قليلة على المجتمع.

وإذا اتبعوا مسار ضرورة التأكد تمامًا قبل اتخاذ قرار بتحريك أسعار الفائدة، فسوف يضمنون أن تحركات أسعار الفائدة متأخرة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تكاليف حقيقية يتحملها الآخرون.

والسؤال المطروح في الولايات المتحدة وأوروبا هو إلى أي مدى وبسرعة خفض أسعار الفائدة.. إن القيام بأكثر مما ينبغي يهدد بتوليد طلب غير مستدام، ما يمنع استكمال عملية تقليص التضخم بنجاح، ومع ذلك، فإن الإفراط في الحذر يحمل في طياته خطر عودة الاقتصادات إلى عالم ما قبل كوفيد الذي كان يتسم بنقص الطلب، والتضخم دون المستوى المستهدف، والاعتماد على السياسة النقدية غير التقليدية مثل المزيد من التيسير الكمي.

ومن المفارقات أن محافظي البنوك المركزية الصقور يجب أن يبذلوا قصارى جهدهم لتجنب هذا لأنه السيناريو الذي لا يرغبون فيه على الإطلاق.

وتعد الظاهرة الحالية المثيرة للاهتمام هي أنه بعد فترة من الصدمات العالمية، تشير إدارة المخاطر إلى أن الوقت قد حان لفصل السياسة النقدية على ضفتي الأطلسي.

وفي الولايات المتحدة، الطلب المحلي قوي، ورغم أن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرئيسية للربع الأول كانت مخيبة للآمال مع نمو سنوي بلغ 1.6%، فإن هذا لم يعكس الإنفاق المحلي، حيث ارتفعت المبيعات النهائية للمشترين المحليين من القطاع الخاص -وهو مقياس أفضل للطلب- بمعدل سنوي بلغ 3.1%، مع تسرب جزء كبير من ذلك إلى خارج الاقتصاد الأمريكي عبر الواردات، وظل معدل الادخار يقترب من أدنى مستوياته التاريخية.

وفي منطقة اليورو والاقتصادات الأوروبية الأخرى مثل المملكة المتحدة، لا يمكن أن تكون الصورة أكثر اختلافاً، ومع معاناة الأسر من صدمة دخل أشد نتيجة لارتفاع تكاليف التدفئة والكهرباء بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، كان استهلاك الأسر ضعيفا، وتظل معدلات الادخار مرتفعة، الأمر الذي يولد التهديد بنقص الطلب، ورغم انخفاض تكاليف الطاقة الآن، فإن المستويات الحقيقية للإنفاق والاستثمار لم ترتفع وفقاً لذلك.

وترى "فايننشيال تايمز"، أنه يجب التعامل مع تقييمات فجوات الناتج بشيء من الحذر، لأنها تخضع لمراجعة شديدة، ولكنها تظهر قصة مماثلة عبر الأطلسي، ويعتقد صندوق النقد الدولي أن الولايات المتحدة لديها فجوة إيجابية، ما يشير إلى استمرار الضغوط التضخمية، في حين أنها سلبية في منطقة اليورو والمملكة المتحدة.

وتعمل الحكومات أيضاً على التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا، فعلى الرغم من أن العجز أقل فمن المتوقع أن يتراجع في أوروبا، وأن يظل مرتفعاً في الولايات المتحدة.

وتعد بيانات سوق العمل أقرب في الولايات المتحدة وأوروبا، لكنها لا تغير الصورة في ما يتعلق بالمخاطر، ومن المرجح أن يعكس انخفاض معدلات البطالة وضعف نمو الإنتاجية اكتناز العمالة في مواجهة ضعف الطلب وليس مشكلة جانب العرض المستمرة، وهناك مجال لتحسين الإنتاجية بشكل كبير إذا كان الطلب الأوروبي أقوى.

وفي ظل هذا الموقف المتباين بين الاقتصادات الأميركية والأوروبية، فإن تقييم المخاطر السياسية لا بد أن يكون مختلفاً جذرياً أيضاً.

وفي الولايات المتحدة، يتلخص الموقف الثابت لبنك الاحتياطي الفيدرالي هذا الصيف في أنه يحتاج إلى الشعور بقدر أكبر من الارتياح إزاء تراجع التضخم قبل أن يتمكن من تخفيف الضغوط التي يفرضها على المكابح الاقتصادية "هذا أمر معقول".

ولكن لا توجد دلائل تذكر على حدوث انكماش اقتصادي، وأحدث أرقام التضخم، على الرغم من أنها تبعث على الارتياح، لم توفر الكثير من الطمأنينة بأن ارتفاع الأسعار يستقر بالقرب من هدف البنك المركزي البالغ 2%.

وبلغ معدل التضخم السنوي الأساسي لمؤشر أسعار المستهلكين 3.6% في أبريل، مع حدوث أغلب ارتفاعات الأسعار في الأشهر الستة الماضية وليس قبل ذلك.

وإذا توفرت الأدلة الكافية التي تشير إلى تراجع التضخم، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي قادر على تخفيف السياسة النقدية مع قدر ضئيل من المخاطر، ولكن الخطر ضئيل أيضاً في التأجيل حتى الخريف.

وعلى النقيض من ذلك، تحتاج أوروبا إلى التحفيز، حيث انخفض التضخم بشكل مطّرد، ووفقا للتوقعات، فإن ضغوط الأجور في منطقة اليورو تتراجع أيضًا.

ويستغرق الأمر وقتا أطول للانخفاض في المملكة المتحدة، لكن انخفاض التضخم الرئيسي بما يقارب 2% في أبريل سيضمن أن تبرير مطالب الأجور المفرطة سيكون أكثر صعوبة في النصف الثاني من العام.

ويتمثل الخطر الأساسي في أوروبا في أن السياسة النقدية تظل متشددة للغاية وتقوض التعافي الضروري للطلب نحو اتجاهات ما قبل الوباء، ويتعين على البنوك المركزية في القارة أن تحذو حذو البنوك المركزية في السويد وسويسرا وأن تبدأ برنامجاً لخفض أسعار الفائدة، وقد أشار البنك المركزي الأوروبي إلى أنه سيتخذ الخطوة الأولى في غضون أسبوعين، وسيكون من الحكمة الاستمرار.

وليس من المقرر أن تتحرك أسعار الفائدة بشكل متزامن عبر الاقتصادات المتقدمة الرائدة في العالم، على الرغم من أن القوى العالمية أبقت هذه الأسعار جنبا إلى جنب في هذا القرن، والهدف من السياسة النقدية المستقلة هو أن يتخذ المسؤولون القرارات بشأن السياسة دون التفكير في حكوماتهم أو بنك الاحتياطي الفيدرالي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية