"غَسل".. كتاب يكشف كيف تغسل "التكنولوجيا" الأموال لصالح أكثر المحتالين فتكاً في العالم

بقلم "جيف وايت"

"غَسل".. كتاب يكشف كيف تغسل "التكنولوجيا" الأموال لصالح أكثر المحتالين فتكاً في العالم

 

في عام 2017، وجد الكولومبي "نيكولاس" غرفة مخفية داخل عقار مملوك له، لها مطبخها وحمامها الخاصان، كانت خاوية إلا ما بدا أنه كومة من "الورق المتعفن"، ولكن عندما بحث فيها، أدرك أنها كانت بقايا ما يقرب من 18 مليون دولار نقدًا.

وبالبحث، أنشأ هذا المخبأ سيد المخدرات الشهير "بابلو إسكوبار" (صاحب المنزل هو ابن أخيه)، كانت مشكلته هي كيفية غسلها من خلال النظام المصرفي المحلي وتحويل أكوام ضخمة من الدولارات القذرة إلى أموال نظيفة قابلة للاستخدام.. كان هذا تحديًا لم يتقنه إلا جزئيًا قبل وفاته في عام 1993، وفقا لصحيفة “فايننشيال تايمز”.

فتحت التكنولوجيا الآن طرقًا جديدة لنقل الأشياء، وهذا التحالف بين سحر وادي السيليكون والجريمة هو موضوع كتاب جيف وايت الجديد ("غسل".. من الكارتلات إلى العملات المشفرة: كيف تغسل صناعة التكنولوجيا الأموال لصالح أكثر المحتالين فتكًا في العالم).

كان "وايت" مراسلًا تقنيًا، وقد حقق نجاحًا كبيرًا منذ عامين مع كتاب “سرقة لازاروس”، وهو كتاب عن مجموعة من المتسللين الكوريين الشماليين، وهو الآن يحول انتباهه إلى الجرائم الإلكترونية وكيف تساعد تكنولوجيا وادي السيليكون في غسل الأموال القذرة.

ولاستكشاف كيفية حدوث ذلك، يقود "وايت" القارئ عبر المراحل الثلاث المنفصلة لأي عملية غسل أموال، أولاً، هناك "التوظيف"، وهو ما يعني عدم ترك أموالك تتعفن في مخبأ، بل إيجاد طريقة لضخها في النظام المالي، وهنا لا بد من مزجها مع التدفقات النقدية المشروعة، وهي العملية المعروفة باسم "الطبقات"، قبل أن يصبح من الممكن استخدام العائدات المغسولة لشراء أصول بريئة ظاهريا.. هذه هي مخازن القيمة التي تجعل الجريمة تؤتي ثمارها.

وقد جعلت التكنولوجيا كل هذا أسهل وأكثر قابلية للتطوير، لا تكمن أهمية العملة الرقمية في عدم الكشف عن هويتها فحسب، بل في مرونتها وإمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية العميقة، على عكس البنوك المحلية المزعجة التي كان على "إسكوبار" التعامل معها، ويمكن تقسيم المدفوعات إلى شرائح وإيداعها في ملايين المحافظ الرقمية، مما يجعل ضخامة حجمها عملية تتبعها أكثر صعوبة.

ما يسمى “الخلاطات” -برامج الكمبيوتر التي تجمع بين العملات الرقمية السرية والبريئة- تتجنب الحاجة إلى غسل الأموال بشكل شاق من خلال وكلاء المراهنات أو بعض الأعمال النقدية.

وتسمح التكنولوجيا بتشغيل عمليات المراوغة من أي مكان في العالم تقريبًا، وبعيدًا عن المكان الذي تحدث فيه الجرائم بالفعل، ويسمح ما يسمى بـ"الويب المظلم" لموردي تكنولوجيا المعلومات الإجراميين وعصابات القرصنة والمحتالين بإنشاء تحالفات سرية عبر الإنترنت.

والنتيجة هي اقتصاد غير مشروع كبير ومترابط بشكل متزايد، حيث تعمل أسواق "الويب المظلمة" على الإنترنت مثل موقع هيدرا الروسي لتجارة المخدرات كمحاكاة ساخرة إجرامية لموقع "إي باي" أو "أمازون".

وتعمل العصابات النيجيرية مثل "بلاك أكس" على مستوى العالم، حيث تقوم بعمليات احتيال تسمى "الرسوم المسبقة" (حيث يريد أمير خيالي، على سبيل المثال، مشاركة ميراثه)، أو برامج الفدية لقفل الكمبيوتر أو "تسوية البريد الإلكتروني التجاري" حيث تتمثل اللعبة في خداع الشركة لحملها على صنع مدفوعات مشروعة على ما يبدو إلى حساب وهمي، وعلى النقيض من تجارة المخدرات، بما لها من لوجستيات معقدة، فإن هذه العمليات تعتبر عمليات انتهازية خفيفة رأس المال.

وتركز قصص "وايت" على التقنيات التي يستخدمها المحققون لمطاردة فرائسهم عبر الإنترنت، حتى "بيتكوين" يمكن تتبعه إذا قمت بتتبع مسارات التنقل الرقمية من خلال دفتر الأستاذ العام، فلا تستطيع التكنولوجيا أبدًا القضاء على قابلية الإنسان للخطأ: الحلقة الضعيفة في معظم عمليات الاحتيال.

ويمكن أن تنتهي عمليات الاحتيال المصرفية الأكثر تعقيدًا بما يسمى "بغال المال" الذين يصطفون في طوابير أمام أجهزة الصراف الآلي لسحب غنيمة سندات الدولار أو اليورو.

ويُظهر الانخفاض السريع في جرائم السطو -بنسبة 86% في إنجلترا وويلز على مدى الأعوام الثلاثين الماضية- مدى هجرة الجرائم الآن عبر الإنترنت، بمعنى لماذا تخاطر باقتحام ممتلكات شخص ما بينما يمكنك سرقته من مكتبك بنقرة على الفأرة؟ تكشف تقارير "وايت" المفصلة هذا العالم الجديد الذي تدعمه التكنولوجيا، حيث يأخذنا عبر تفاصيل كل خدعة وسرقة.

الوقاحة المطلقة لبعض عمليات السطو تثير الاهتمام، في الكتاب مثل هجوم برنامج الفدية الذي أسقط شركة "كولونيال بيبلاين"، وهي شركة توريد الوقود الأمريكية، وكاد يؤدي إلى نقص البنزين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

كما أن المكافآت تتزايد أيضًا، كما يتضح من سرقة العملات المشفرة عام 2022 من شركة الألعاب "سكاي مافيس" ومقرها سنغافورة، والتي حققت مبلغًا مذهلاً قدره 625 مليون دولار، ما جعل الأمر أكثر خطورة هو أن التكنولوجيا المستخدمة لغسل العملات المشفرة كانت تعادل سيارة بدون سائق، لقد كانت جريمة تكنوقراطية مثالية ولم يتم استرداد الكثير من المسروقات أبدًا.

وفي حين أن هذه القصص مثيرة للاهتمام، إلا أن كتاب "غسل" يترك سؤالاً معلقًا: ما الذي يجب فعله حيال كل هذا الابتكار الذي يساء استخدامه؟ الكاتب ليس لديه إجابة حقًا، ويقول: "لا يمكننا أن نمنع المبدعين في مجال التكنولوجيا من تجاوز الحدود، ويمكن القول إننا لا نريد ذلك".

أفضل أمل إذن هو أن يفوز الأخيار بسباق التسلح التكنولوجي ويبعدوا المجرمين.

وفي النهاية، "غسل" هي قصة عن الأنظمة القوية وغير الأخلاقية وكيف يمكن استخدامها أو إساءة استخدامها، إنه أيضًا تحذير لما قد يحدث.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية