حين تصبح العودة عقوبة.. أزمة إنسانية تبتلع النساء والفتيات العائدات إلى أفغانستان

حين تصبح العودة عقوبة.. أزمة إنسانية تبتلع النساء والفتيات العائدات إلى أفغانستان
نساء أفغانيات

 

 

 

على امتداد الحدود الجنوبية لأفغانستان، تتكدس حكايات نساء وفتيات عائدات قسرًا من إيران وباكستان، محملات بما لا يُحتمل من الخوف والفقر والخذلان، بعد سنوات قضينها في المنفى، طوعًا أو قسرًا، وجدن أنفسهن ضحايا لترحيلات جماعية منذ أواخر عام 2023، في واحدة من أكبر عمليات الإعادة القسرية في المنطقة منذ عقود.

ووفق تقرير مشترك صادر عن "مجموعة العمل المعنية بالنوع الاجتماعي في العمل الإنساني في أفغانستان" –وهي مجموعة أنشأتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة ومنظمة كير الدولية– فإن أكثر من 2.43 مليون أفغاني غير موثقين تم ترحيلهم أو أجبروا على العودة، من بينهم أعداد كبيرة من النساء والفتيات اللاتي يجدن أنفسهن اليوم في مواجهة واقع بالغ القسوة، بلا مأوى، بلا موارد، وبلا حماية.

عبء مضاعف على النساء والفتيات

تشير البيانات إلى أن النساء والفتيات هن الأشد تضررًا من هذه العودة القسرية، حيث يتعرضن لمخاطر متزايدة تتضمن العنف القائم على النوع الاجتماعي، والزواج المبكر، والاستغلال، والانقطاع عن التعليم، فضلاً عن انعدام فرص العمل، وتعيش كثير من هؤلاء النساء في ظروف معيشية غير آمنة، دون الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة، ما يجعلهن أكثر عرضة للانتهاكات.

تتفاقم الأزمة بشكل خاص في الحالات التي تعول فيها النساء أسرًا بمفردهن، إذ تُواجه هؤلاء النساء صعوبات هائلة في الوصول إلى المساعدات الإنسانية بسبب القيود على التنقل، وعدم امتلاكهن وثائق هوية رسمية، وغياب شبكة الأمان المجتمعية.

تقويض المساعدات وغياب التمويل

في قلب هذه الكارثة، تبرز أزمة أخرى تتمثل في نقص التمويل الدولي وتقييد عمل العاملات في المجال الإنساني، خاصة على المعابر الحدودية، ما يعوق القدرة على تقديم الدعم الملائم للنساء والفتيات العائدات، ووفق تقرير مجموعة العمل، فإن العاملات الإنسانيات يمثلن شريان حياة أساسياً للوصول إلى الفئات النسائية، لكن أدوارهن تتقلص بسبب الظروف السياسية والأمنية، إلى جانب تراجع الدعم الدولي منذ سيطرة طالبان على الحكم في أغسطس 2021.

عدة منظمات أممية وحقوقية عبّرت عن قلقها إزاء الانتهاكات الجسيمة التي تتعرض لها النساء العائدات إلى أفغانستان، فقد حذرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين من أن عمليات الطرد الجماعي من باكستان وإيران قد تؤدي إلى "أزمة إنسانية كارثية"، وطالبت بوقف الإعادة القسرية والالتزام بمبدأ "عدم الإعادة القسرية" الذي يعد حجر الزاوية في القانون الدولي للاجئين.

كما أدانت منظمة العفو الدولية ما وصفته بـ"الانتهاك الممنهج لحقوق النساء والفتيات الأفغانيات"، مشيرة إلى أنهن يُجبرن على العودة إلى دولة تمارس فيها السلطات الحاكمة قيودًا صارمة على مشاركتهن في الحياة العامة، وتمنع كثيرًا منهن من الوصول إلى التعليم والعمل وحتى التنقل بحرية.

أرقام صادمة من الواقع

تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 60 في المئة من العائدين إلى أفغانستان منذ أواخر عام 2023 هم من النساء والأطفال، في حين أن أقل من 30 في المئة فقط من هؤلاء يحصلون على مساعدات كافية عند وصولهم، كما يُقدّر أن ما يقرب من 200 ألف امرأة معيلة للأسرة قد عدن خلال هذه الموجة، كثيرات منهن دون أزواج أو معيلين، الأمر الذي يزيد من هشاشتهن.

وتُظهر البيانات أن واحدة من كل ثلاث فتيات عائدات تواجه خطر الزواج المبكر، إما كوسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي عن الأسرة، أو بسبب انعدام الأمن والاستقرار.

رغم التزامات أفغانستان بالقانون الدولي، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فإن الواقع يشهد على فجوة هائلة بين الالتزام القانوني والممارسة الفعلية، وتقول منظمات حقوقية إن الحكومة الفعلية في كابول لا توفر ضمانات حقيقية للنساء والفتيات، بل تسهم الإجراءات التي تتبعها في تفاقم الأزمة.

النساء في مرآة النزاعات

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها النساء الأفغانيات أزمات بهذا الحجم، فخلال عقود من الحروب والاحتلال والنزوح، شكّلت النساء والفتيات الوجه الخفي لمعاناة أفغانستان، سواء خلال الحرب السوفيتية، أو النزاعات الداخلية في التسعينيات، أو خلال عقدين من الوجود الدولي، كانت المرأة الأفغانية في مركز الإقصاء، وإن تغيّرت أحيانًا مستويات المشاركة والتمكين بحسب السياق السياسي.

إلا أن ما يميز المرحلة الراهنة هو أن النساء العائدات إلى أفغانستان يجدن أنفسهن في دولة تحكمها سلطة تفرض قيودًا شديدة على الحريات، ما يجعل من عودتهن تجربة قسرية مؤلمة، لا تشبه العودة إلى وطن، بل إلى عزلة مركّبة من الاضطهاد والحرمان.

نداءات من أجل تدخل دولي عاجل

دعت مجموعة العمل المعنية بالنوع الاجتماعي في العمل الإنساني، إلى تدخل فوري من المجتمع الدولي لتقديم الدعم العاجل، وضمان حماية النساء والفتيات عبر إجراءات تتجاوز الإغاثة الطارئة، كما طالبت المنظمات الحقوقية الدولية بوقف الإعادة القسرية من دول الجوار، وتوفير مسارات قانونية وآمنة للجوء، واحترام حقوق الإنسان الأساسية لجميع الأفغان.

تمكين وإغاثة

في نهاية المطاف، لا يكفي الحديث عن مساعدات غذائية أو خيام مؤقتة، المطلوب هو تمكين النساء والفتيات ليكنّ فاعلات في مجتمعاتهن، لا مجرد متلقّيات للمساعدات، التعليم، والصحة، والأمن القانوني، والفرص الاقتصادية، كلها يجب أن تكون ضمن إطار دعم شامل طويل الأمد.

وكما قالت السيدة رباب فاطمة، الممثلة السامية للأمم المتحدة للبلدان الأقل نموا: "لا تنمية دون نساء، ولا استقرار بلا كرامة، وما يحدث على حدود أفغانستان اختبار قاسٍ للضمير العالمي".

وسط زحام الأزمات العالمية، قد تكون أصوات النساء والفتيات الأفغانيات العائدات قسرًا هي الأضعف، لكنها الأشد حاجة لمن يصغي، فالكرامة لا تُمنح، بل تُحمى، وأفغانستان اليوم تقف عند مفترق طرق، بين أن تكون وطنًا لجميع أبنائها وبناتها، أو أن تبقى سجناً مفتوحًا لمن تُركن على هامش الحياة، فقط لأنهن نساء.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية