ناقوس خطر.. انهيار قطاع التكنولوجيا المتطورة يثير الذعر في إسرائيل

ناقوس خطر.. انهيار قطاع التكنولوجيا المتطورة يثير الذعر في إسرائيل

لطالما كانت شركات الـhigh tech والشركات الريادية الناشئة مصدر فخر لإسرائيل التي تطلق على نفسها اسم "الدولة الريادية".

شركات التكنولوجيا المتطورة تلك مسؤولة عن أكثر من 53% من الصادرات الإسرائيلية، ونحو 19.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وتدر على خزينة الدولة نحو 30% من ضرائب الرواتب وتوظف نحو 400 ألف شخص.

لكن الحرب الإسرائيلية على غزة وانعدام الاستقرار السياسي في إسرائيل يدفعان القطاع المهم للغاية "نحو الهاوية"، بحسب صحيفة والا.

ونقلت الصحيفة عن سلطة الابتكار الإسرائيلية قولها إن هناك انخفاضا في عدد شركات الـhigh tech الريادية الناشئة في عام 2023 بالمقارنة بالعام السابق بنسبة تزيد على 15%، وهناك تدنٍ في الاستثمارات الخارجية يتجاوز 55%.

وتعتمد الشركات الإسرائيلية بشكل كبير للغاية على الاستثمارات الخارجية للبقاء، لذلك شكل هذا التقرير صدمة للمجتمع الإسرائيلي وناقوس خطر حول تداعيات الحرب و"فساد حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو" على الاقتصاد.

في الوقت نفسه، حذر يائير أفيدان المشرف السابق على البنوك الإسرائيلية من أن إسرائيل في طريقها للإفلاس والانهيار الاقتصادي خلال سنوات، وأن البنوك والصناديق الاستثمارية قد تضمها للقائمة السوداء للدول ذات المخاطر العالية.

لطالما نظرت الحكومة الإسرائيلية إلى قطاع الـhigh tech كالدجاجة التي تبيض ذهبا لـ3 أسباب:

الأول: هو العائد المالي العالي لهذا القطاع الذي درّ على الاقتصاد الإسرائيلي 73 مليار دولار في عام 2023، لذلك يعتبر قطاع التكنولوجيا المتطورة عمود اقتصاد إسرائيل، خاصة في أوقات الأزمات لقدرته على تحمل الصدمات، مثل فترة كورونا.

السبب الثاني: هو تبييض صورة إسرائيل عالميا وتسويقها بشكل إيجابي كدولة ريادية مبتكرة، فرؤساء الوزراء الإسرائيليون مثل بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت ويائير لابيد لطالما حرصوا على تقديم إسرائيل في المحافل الدولية بعبارة "بلد الشركات الريادية الناشئة".

وهدف تلك العبارة هو تسويق مشروع الدولة الإسرائيلية كمصدر خير للعالم جدير بالتقدير والتعاون معه، وغض النظر عن الاحتلال الإسرائيلي واضطهاده للفلسطينيين.

السبب الثالث لتمسك وحرص إسرائيل على قطاع التكنولوجيا المتطورة: إغراء الحكومات حول العالم بالتعاون مع إسرائيل وبناء علاقات وتحالفات معها، مقابل تكنولوجيا التجسس والاختراق والمراقبة التي ينتجها قطاع الـhigh tech الإسرائيلي.

وتقول صحيفة هآرتس إن نتنياهو استخدم شركة NSO المصنعة لبرنامج بيغاسوس للتجسس والاختراق، كمدخل لبناء علاقات حول القارة الإفريقية مع دول لم تربطها بإسرائيل في الماضي علاقات دبلوماسية أو رسمية.

هناك حاليا نحو 9200 شركة تكنولوجية في إسرائيل، 393 منها شركات عامة بقيمة تداول بلغت 234 مليار دولار.

وتوظف تلك الشركات أكثر من 12% من القوى العاملة في إسرائيل، برواتب تفوق بأضعاف متوسط الدخل القومي.

هناك عاملان رئيسيان لضعف وتدهور شركات التكنولوجيا المتطورة في إسرائيل:

انشغال الأيدي العاملة فيها بالحرب والخدمة في صفوف الاحتياط.

انخفاض الاستثمارات الخارجية.

وتقول صحيفة والا إن السببين الرئيسيين لهذا التدهور هما الحرب المستمرة على غزّة التي استنزفت الاقتصاد الإسرائيلي وكلفته نحو 250 مليار شيكل، نحو 70 مليار دولار، وانقلاب نتنياهو القضائي قبيل الحرب الذي قسم الشارع وأدى لانعدام استقرار سياسي.

مع نشوب الحرب على غزّة، انقطع نحو 70 ألف موظف من قطاع التكنولوجيا المتطورة عن عملهم لالتحاقهم بصفوف الجيش الإسرائيلي، وهو ما يعادل تقريبا 20% من القوى العاملة في ذلك القطاع.

اليوم ما زال هناك 30 ألف عامل في مجال الـhigh tech يخدمون في صفوف قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، 60% منهم يعملون في وظائف البحث والتطوير، هذا بالإضافة لهجرة أكثر من 60 ألف إسرائيلي العام الماضي، معظمهم بسبب السابع من أكتوبر.

ونقل تقرير هيئة الإبداع أن شركات الـhigh tech شهدت تباطؤا في معدل توظيف قوى عاملة جديدة وتخطط لتقليص خطط التوظيف للعام المقبل.

وتعتمد شركات الـhigh tech الإسرائيلية، بشكل كبير للغاية على الاستثمارات الأجنبية مقارنة بنظيراتها من الشركات التكنولوجيا حول العالم.

ففي عام 2022، استقبلت إسرائيل أكثر من 28 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، لكن بعد اندلاع الحرب على غزّة، تدنت تلك الاستثمارات بمقدار 55%.

وانخفض جمع رأس المال لصناديق رأس المال الاستثماري في إسرائيل في عام 2023 بنسبة 70% مقارنة بالأعوام 2018-2022.

وتراجع الاستثمارات الخارجية له أسباب عدة أحدها هو تدهور سمعة إسرائيل عالميا بعد اتهامها بارتكاب إبادة جماعية في غزّة أمام محكمة العدل الدولية، وطلب مدعي عام محكمة الجنايات الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء نتنياهو ووزير دفاعه غالانت.

وتنقل صحيفة والا عن هيئة الابتكار الإسرائيلية قولها إن تدهور أوضاع شركات الـhigh tech "يتفاقم بسبب تآكل صورة إسرائيل وسمعتها بسبب الحرب"، ما يدفع المستثمرين لاتخاذ إجراءات لسحب أموالهم وأصولهم من الشركات الناشئة الريادية الإسرائيلية.

الهيئة أجرت استطلاع رأي بين صناديق رأس المال الاستثماري، ووجدت أن 65% من تلك الصناديق الاستثمارية أبلغت عن صعوبات تواجهها في الاستثمار في الشركات الإسرائيلية بسبب هوية تلك الشركات.

وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت إن تلك الشركات تخشى المزيد من الإضرار بسمعة إسرائيل بسبب الحرب، وتتوقع المزيد من التدهور.

كذلك تسببت تكاليف الحرب الهائلة التي يقدرها بنك إسرائيل بنحو 250 مليار شيكل بإحداث عجز مالي كبير في موازنة الدولة، وهو ما يعني تآكل ثقة المستثمرين الخارجيين بالدولة واستقرارها وبالتالي تآكل استثماراتهم.

عجز الموازنة وتعديلات حكومة نتنياهو القضائية المثيرة للجدل وما صاحبها من انعدام استقرار سياسي في البلاد وانقسام شعبي واسع، جميعها دفع باتجاه خفض تصنيف إسرائيل الائتماني من قبل كبرى الشركات العالمية مثل موديز وستاندرد آند بورز، وهو ما يؤدي لارتفاع تكلفة الاقتراض على إسرائيل، والمزيد من ضعف الاستثمارات الخارجية في اقتصاد ذو تقييم ائتماني منخفض.

لذلك حذّرت سلطة الابتكار الإسرائيلي من "خطر جفاف مصادر تمويل الـhigh tech الإسرائيلية في أزمة ستظل لسنوات".

وقد تجد شركات الـhigh tech الإسرائيلية حلا لمعضلة ضعف التمويل والاستثمارات الخارجية يتمثل بالفرار من إسرائيل ونقل مقراتها لدول غربية.

بالفعل، في عام 2023، تصاعد هروب الشركات التكنولوجية والريادية من إسرائيل بشكل كبير، فنحو 80% من الشركات الإسرائيلية الريادية الناشئة في ذلك العام أُقيمت خارج إسرائيل نفسها، بينما قامت نحو 68% من الشركات الريادية الإسرائيلية الموجودة في البلاد باتخاذ إجراءات لنقل أجزاء من أعمالها إلى خارج إسرائيل، وفقا لوكالة رويترز.

كان السبب الرئيسي لتلك الأرقام في ذلك الوقت هو انقلاب نتنياهو القضائي وما رافقه من موجات تظاهر وانقسام داخلي شديد وضعف استقرار.

وقالت الغالبية العظمى من الشركات الريادية الإسرائيلية (نحو 80%) إن تلك التعديلات القضائية أثرت سلباً على أعمالها، سواء بسبب نقص وهروب الاستثمارات الأجنبية، أو سعي بعض الموظفين للانتقال لخارج البلاد وصعوبة الحصول على تمويل أجنبي.

وارتفعت نسبة شركات اليونيكورن (مصطلح اقتصادي يطلق على الشركات الصاعدة التي يتخطى رأسمالها مليار دولار)، الهاربة من إسرائيل بنسبة 10%، حيث إن 88 شركة من تلك الشركات الـ98 تتخذ الآن من الولايات المتحدة مقرا لها، في الوقت ذاته رصد تقرير لصندوق الاستثمار Viola في شهر فبراير أن نصف شركات اليونيكورن الإسرائيلية فقدت قيمتها لتهبط إلى ما دون المليار دولار.

وفي منتصف شهر فبراير من العام الماضي، قالت البنوك الإسرائيلية إن نحو 4 مليارات دولار خرجت من البلاد خلال أقل من 3 أسابيع، وكان هذا بعد أقل من شهرين على تولي نتنياهو للحكم، بينما انخفضت قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار بأكثر من 12% خلال عام واحد.

وقد فاقمت الحرب الإسرائيلية على غزّة انعدام الاستقرار الداخلي والاقتصادي بشكل كبير، وهو ما يعني أن المزيد من تلك الشركات ستفر للخارج.

وقالت شبكة سي إن إن: "الاقتصاد الإسرائيلي انكمش بما يقارب 20% في الربع الأخير من عام 2023، وهو ما يشكل كارثة اقتصادية ويعمل على إضعاف ثقة المستثمرين بوضع أموالهم في الشركات الإسرائيلية".

                


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية