تحية الذئب والتحديات القانونية والأخلاقية.. معركة جديدة في عالم الرياضة الدولية
تحية الذئب والتحديات القانونية والأخلاقية.. معركة جديدة في عالم الرياضة الدولية
تحية الذئب في UEFA.. بين الاحتفال الرياضي والتوتر الدبلوماسي
تحية الذئب في UEFA.. تصرف رياضي يثير توترات سياسية عبر القارات
ناشط حقوقي: استخدام هذا الرمز في سياق رياضي عالمي يشكل تحدياً خطيراً لمبادئ حقوق الإنسان
محلل رياضي: استخدام هذه الإشارة يحمل دلالات تتجاوز مجرد التعبير الشخصي لا تتناسب مع روح الرياضة
في مباراة حماسية، أثارت "تحية الذئب" التي أداها لاعب كرة القدم التركي، ميريه دميرال، بعد تسجيله هدفاً، جدلاً واسعاً تحول سريعاً إلى أزمة دبلوماسية بين أنقرة وبرلين.
لم تكن هذه الإشارة مجرد احتفال عادي، بل كانت شرارة أشعلت سلسلة من الأحداث والتوترات السياسية.
استدعت الخارجية الألمانية سفير تركيا في برلين للاحتجاج على هذه الإشارة، في خطوة جاءت بعد إجراء مماثل من الخارجية التركية التي استدعت السفير الألماني في أنقرة.
في بيان رسمي، أعربت الخارجية التركية عن استيائها، قائلة: "ندين ردود الفعل ذات الدوافع السياسية على استخدام رمز تاريخي وثقافي بشكل لا يستهدف أي شخص خلال احتفال فرح في منافسة رياضية".
وانتقدت بشدة فتح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تحقيقاً تأديبياً ضد دميرال، معتبرة أن ذلك غير مقبول.
هذه الخطوة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم جاءت في أعقاب تصريحات وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، التي شددت على أن "رموز المتطرفين اليمينيين الأتراك ليس لها مكان في الملاعب الألمانية"، وأكدت أن استخدام بطولة أوروبا لكرة القدم كمنصة للعنصرية أمر غير مقبول على الإطلاق، وطالبت الاتحاد الأوروبي بالتحقيق في القضية وفرض عقوبات محتملة.

ما قصة هذه التحية المثيرة للجدل؟ ولماذا أثارت هذا الكم من التوتر؟
في مساء بارد من ديسمبر 2022، خيم الحزن على العاصمة التركية أنقرة، أمام أحد مساجد المدينة، سقط سنان أتيش، الرئيس السابق لحركة "الذئاب الرمادية"، مغتالًا بيد الغدر.
هذا الحدث لم يكن مجرد جريمة قتل عادية، بل كان شرارة أشعلت جدلاً سياسياً حاداً، ومواجهة بين الحكومة والمعارضة في تركيا، حيث تعالت الأصوات والمطالبات بالعدالة.
"الذئاب الرمادية" ليست مجرد جماعة أو حركة، بل هي أسطورة متجذرة في العقل التركي، تعود أصولها إلى نهاية الستينيات من القرن الماضي، أسسها الضابط السابق ألب أرسلان توركش، الذي جمع حوله شبابًا يؤمنون بنظرية "تفوق العرق التركي".
هؤلاء الشباب كانوا ينشدون توحيد جميع المنتمين إلى القومية التركية حول العالم في كيان واحد، مثلما يُروى في الأساطير القديمة عن الذئاب الرمادية التي أعادت بناء القبائل التركية بعد إبادة كادت تودي بهم. تعود تسمية "الذئاب الرمادية" إلى أسطورة تتحدث عن حرب إبادة تعرض لها الأتراك، ولم ينجُ منها سوى طفل واحد اضطر للزواج بذئبة.
من هذا الاتحاد، وُلدت اثنا عشر قبيلة تركية أعادت بناء الأمة. هذه القصة لم تكن مجرد حكاية، بل أصبحت رمزاً وإيماناً عميقاً بالقدرة على النهوض من الرماد، مثل طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده، الذئاب الرمادية ليست مجرد حركة قومية، إنها تجسيد للهوية التركية القومية المتطرفة.
على مر العقود، تورطت في أعمال عنف سياسي، استهدفت بها جماعات يسارية ومعارضين سياسيين، في الفترة بين عامي 1974 و1980، نفذت الحركة مئات الهجمات التي أودت بحياة الآلاف، لترسم صورة قاتمة عن صراع دموي في تركيا.
ورغم حظرها في بعض الدول مثل فرنسا وكازاخستان، وانتشارها الواسع في أوروبا حيث يُقدر عدد أعضائها في ألمانيا بـ18 ألف شخص، تظل "الذئاب الرمادية" حاضرة بقوة في المشهد السياسي التركي.
تحالفت مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، مما أضفى عليها بعداً سياسياً مؤثراً في الحياة التركية. اغتيال سنان أتيش، الشخصية البارزة في هذه الحركة، أثار موجة من الغضب والاستياء. المعارضة التركية، بقيادة حزب "الشعب الجمهوري"، اتهمت الحكومة وحزب "الحركة القومية" بالتغاضي عن الجريمة والتستر عليها.
تأخر محاكمة المتهمين لأكثر من عام ونصف، زاد من حدة التوترات السياسية. عقدت أولى جلسات المحاكمة وسط إجراءات أمنية مشددة، بحضور شخصيات بارزة من المعارضة، وعائشة أتيش، زوجة سنان أتيش، التي جاءت محاطة بحراسة مشددة وترتدي قميصاً واقياً من الرصاص، جلس قادة المعارضة إلى جانبها، متعهدين بتحقيق العدالة، وبأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام محاولات التستر على جريمة اغتيال أتيش.
في هذا المشهد الدرامي، تتجلى صورة تركيا الحديثة التي تسعى للعدالة وسط صراعات سياسية ومعارك أيديولوجية.
"الذئاب الرمادية" تظل رمزاً معقداً للهوية القومية التركية، تجمع بين الأسطورة والتطرف، بين الماضي والحاضر، إنها ليست مجرد حركة، بل هي جزء من النسيج التاريخي والثقافي لتركيا، قصة نضال وأحلام وأشباح تطارد الحاضر.
مع كل جلسة محاكمة، وكل خطوة نحو العدالة، يبقى السؤال قائماً: هل ستحقق تركيا التوازن بين إرثها التاريخي وواقعها المعاصر؟ وهل ستتمكن من تجاوز ظلال الماضي لبناء مستقبل يسوده السلام والعدل؟
"الذئاب الرمادية" تظل شاهداً على هذا الصراع، رمزاً لرحلة أمة تبحث عن ذاتها بين أسطر التاريخ وعناوين الحاضر.
تحدٍ خطير لمبادئ حقوق الإنسان
علق الناشط الأردني في مجال حقوق الإنسان، نضال منصور، بقوله: في ظل التزامنا كمجتمع عالمي بتعزيز قيم حقوق الإنسان ومكافحة جميع أشكال التمييز والعنف، تأتي تصرفات الرياضيين على الساحة الدولية لتكون بمثابة رموز مؤثرة تحمل رسائل قد تتجاوز حدود الملاعب، لذا، فإن ما بدر من اللاعب التركي عبر رفعه "تحية الذئب"، لا يمكن اعتباره مجرد حركة احتفالية بسيطة، بل هو تصرف يستدعي التوقف والتأمل العميق في دلالاته وتبعاته.
وتابع منصور، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، "تحية الذئاب" التي أداها دميرال ليست مجرد إشارة عابرة، بل هي رمز معروف لجماعة "الذئاب الرمادية"، وهي حركة قومية تركية متطرفة تروج لأيديولوجيات عنصرية وتتورط في أعمال عنف وجرائم كراهية، واستخدام هذا الرمز في سياق رياضي عالمي يشكل تحديًا خطيرًا لمبادئ حقوق الإنسان التي نعمل جميعًا على تعزيزها.
واستكمل، إنها رسالة ضمنية تدعو إلى التمييز والعنف، وتستحضر تاريخاً من الاضطهاد والكراهية التي لا تتوافق أبداً مع روح الرياضة القائمة على التنافس الشريف والاحترام المتبادل، إن القيم التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) تتضمن مبادئ النزاهة والاحترام والمساواة.
وأضاف، باعتبار أن الرياضة تعد من أكثر المجالات تأثيرًا في تشكيل الوعي العام، فإن استخدامها كمنصة للترويج لأفكار متطرفة يتعارض بشكل صارخ مع هذه المبادئ، لذا يجب أن تكون الملاعب أماكن لتوحيد الناس من مختلف الثقافات والخلفيات، وليس ساحات لعرض رموز الكراهية والتفرقة، وإدانة وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر لهذه الإشارة ووصفها بأنها "رموز المتطرفين اليمينيين الأتراك" وأنها "ليس لها مكان في الملاعب الألمانية" هو موقف يجب دعمه وتعزيزه.
واسترسل، التصريحات التي تدعو إلى استخدام المنصات الرياضية لمكافحة العنصرية والتطرف هي بالضبط ما يحتاج إليه عالمنا اليوم، يجب أن يكون واضحًا أن مثل هذه التصرفات غير مقبولة بأي شكل من الأشكال، ويجب أن يواجه مرتكبوها عواقب تردع تكرارها، إلى جانب الإجراءات التأديبية، هناك حاجة ماسة لبرامج توعوية تستهدف اللاعبين والجماهير على حد سواء، لتوضيح أهمية احترام حقوق الإنسان ومناهضة كل أشكال التمييز، الرياضة لها دور كبير في بناء جسور التواصل والفهم بين الثقافات المختلفة، وينبغي استغلال هذه القوة لتعزيز السلام والعدالة.
واستطرد، إن ما حدث يجب أن يكون درسًا لنا جميعًا عن الحاجة المستمرة لمراقبة الرموز التي نروج لها وكيفية تأثيرها على الجمهور، كما يجب أن نتذكر أن كل حركة وكل كلمة تصدر عن الرياضيين يمكن أن تكون لها تداعيات واسعة النطاق، فترويج أي شكل من أشكال العنصرية أو الكراهية تحت ستار المنافسة الرياضية يقوض الجهود العالمية نحو بناء عالم أكثر عدلاً وإنصافاً.
.jpg)
نضال منصور
وأتم، ينبغي لنا أن نكون يقظين وحازمين في مواجهة أي محاولات لاستخدام الرياضة كوسيلة لنشر الأفكار المتطرفة، فحماية حقوق الإنسان يجب أن تكون في صميم كل ما نقوم به، ويجب أن يكون واضحًا للجميع أن أي سلوك ينتهك هذه الحقوق سيكون مرفوضًا بشدة ومقابلاً بإجراءات حاسمة، وفقط من خلال هذا الالتزام يمكننا ضمان أن تظل الرياضة قوة إيجابية تعزز الوحدة والاحترام بين جميع شعوب العالم.
لا لخلط الرياضة بالسياسة
وعلق المحلل الرياضي، علاء خليف بقوله، إن ما فعله اللاعب التركي ميريه دميرال بعد تسجيله هدفاً في مباراة يورو 2024 يثير الكثير من الجدل ويستدعي النظر بعمق إلى الأبعاد المختلفة لهذا التصرف، فالاحتفال بالأهداف هو جزء من الفرح الطبيعي والتعبير عن النجاح في الرياضة، ولكن عندما يتحول هذا الاحتفال إلى منصة لعرض رموز سياسية مثيرة للجدل، يصبح الأمر أكثر تعقيداً ويخرج عن إطار الرياضة البحتة، وهي إشارة معروفة بأنها مرتبطة بجماعة "الذئاب الرمادية" التركية القومية المتطرفة، هذه الجماعة معروفة بتاريخها العنيف وأيديولوجياتها القومية المتشددة، وبالتالي فإن استخدام هذه الإشارة في سياق رياضي دولي يمكن أن يحمل دلالات تتجاوز مجرد التعبير الشخصي، ويصبح بياناً سياسياً محملاً بمعانٍ لا تتناسب مع روح الرياضة.
وتابع خليف، في تصريحات لـ"جسور بوست"، رد فعل أنقرة كان دفاعياً وقوياً، حيث استدعت الخارجية التركية السفير الألماني للاحتجاج على الانتقادات الموجهة لدميرال، في بيانها، أكدت الخارجية التركية أن الإشارة تمثل رمزاً تاريخياً وثقافياً ولا تستهدف أي شخص بعينه، معتبرة أن ردود الفعل السياسية هي ذات دوافع مبالغ فيها، هذا الموقف من أنقرة يعكس تمسك تركيا برموزها الثقافية وتفسيرها الخاص لهذه الإشارة، لكنه يغفل عن التأثير السلبي لاستخدام رموز تحمل دلالات سياسية متطرفة في سياق رياضي دولي.
وأضاف، من الجانب الآخر، جاء رد فعل ألمانيا حازماً، حيث استدعت السفير التركي في برلين وأكدت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أن رموز المتطرفين اليمينيين الأتراك ليس لها مكان في الملاعب الألمانية، هذا الموقف يعكس التزام ألمانيا بمكافحة التطرف وحماية القيم الرياضية من التأثيرات السياسية السلبية، كمحلل لكرة القدم، أرى أن الرياضة يجب أن تبقى بعيدة عن الصراعات السياسية والرموز المثيرة للجدل.
واسترسل، اختيار دميرال للاحتفال بهذه الطريقة يعكس سوء تقدير للعواقب التي يمكن أن تنجم عن استخدام رموز مثيرة للجدل على الساحة الدولية، اللاعبون يحملون مسؤولية كبيرة كقدوات للملايين، وتصرفاتهم يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الجماهير وتثير مشاعر متباينة، ما فعله دميرال يعكس التداخل المعقد بين الرياضة والسياسة، وكيف يمكن أن تؤدي تصرفات فردية إلى توترات دبلوماسية بين الدول الرياضة، بقدرتها على توحيد الشعوب وتجاوز الحدود، يجب أن تبقى منصة للتنافس النزيه والاحترام المتبادل، بعيدة عن أي رسائل سياسية مثيرة للجدل.

علاء خليف
وأكد أنه على الجهات المنظمة للبطولات الرياضية، أن تكون حازمة في مواجهة أي محاولات لاستغلال الرياضة كمنصة لنشر الأفكار المتطرفة أو إشعال النزاعات، كما يجب على اللاعبين أن يدركوا تأثير تصرفاتهم خارج الملعب كما داخلها، وأن يلتزموا بقيم الرياضة التي تشمل النزاهة، والاحترام، والوحدة، فتعزيز قيم الاحترام والتفاهم والوحدة في الرياضة يمكن أن يسهم بشكل كبير في بناء جسور التواصل بين مختلف الثقافات والشعوب.
وأتم، الحفاظ على الروح الرياضية والابتعاد عن أي رموز أو تصرفات قد تحمل دلالات سياسية متطرفة هو مسؤولية تقع على عاتق الجميع في عالم الرياضة، من اللاعبين إلى المسؤولين والمشجعين.