قوانين الحقوق المدنية.. علامات فارقة في مسيرة أمريكا نحو العدالة

قوانين الحقوق المدنية.. علامات فارقة في مسيرة أمريكا نحو العدالة

من نضال الماضي إلى إنجازات الحاضر.. الحقوق المدنية في الولايات المتحدة "رحلة كفاح"

قانون الحقوق المدنية.. 60 عاماً من النضال من أجل العدالة في أمريكا 

خبيرة حقوقية: الفضل الكبير لهذين القانونين يكمن في قدرتهما على إحداث تغيير حقيقي ومستدام

في عمق التاريخ الأمريكي، تتجلى اللحظات الحاسمة التي غيرت مسار الأمة، وتبرز من بينها قوانين الحقوق المدنية والحقوق السياسية كمنارات للعدالة والمساواة، وكان قانون الحقوق المدنية لعام 1964 نقطة تحول أساسية، حيث حظر الفصل العنصري وأسس لحقبة جديدة من الإنصاف الاجتماعي. 

ويعتبر هذا القانون حجر الزاوية في مسيرة نضال الأمريكيين من ذوي البشرة السوداء للحصول على حقوقهم الأساسية. 

في هذا التقرير، تستعرض "جسور بوست"، أبرز بنود القانون وتأثيراته العميقة والمستدامة على المجتمع الأمريكي. 

ليندون جونسون ودور محوري للقانون 

في طيات التاريخ الأمريكي، تتجلى شخصيات استثنائية تمكنت من ترك بصماتها على مسار الأمة، ومن بين هؤلاء يبرز الرئيس ليندون جونسون، الذي كان له دور محوري في تعزيز الحقوق المدنية والسياسية في الولايات المتحدة.

تولى جونسون الرئاسة في أعقاب اغتيال الرئيس جون كينيدي في نوفمبر 1963، ليجد نفسه في مواجهة تحديات جمة، أبرزها مسألة الحقوق المدنية التي كانت تشكل أزمة اجتماعية وسياسية حادة آنذاك. 

كان يؤمن بضرورة تحقيق المساواة بين جميع الأمريكيين، بغض النظر عن لونهم أو أصلهم العرقي، جاءت فرصة جونسون لتأكيد هذا الالتزام عندما وقع قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي يُعد أحد أعظم إنجازاته الرئاسية.

هذا القانون، الذي اقترحه في الأصل الرئيس كينيدي، كان يهدف إلى إنهاء التمييز العنصري والفصل في الأماكن العامة، وحظر التمييز في التوظيف والتعليم، وتعزيز حقوق التصويت للأقليات. 

سعى إلى توظيف قوته السياسية وخبرته التشريعية لتحقيق هذا الهدف، مستخدمًا نفوذه الكبير في الكونغرس لضمان تمرير القانون، لم يتوقف جونسون عند هذا الحد، بل واصل مساعيه لتعزيز الحقوق المدنية من خلال قانون حقوق التصويت لعام 1965. 

هذا القانون جاء لمعالجة المشكلات المتجذرة في نظام التصويت، والتي كانت تعيق الأقليات، وخاصة الأمريكيين من أصل إفريقي، من ممارسة حقهم في التصويت. 

بتوقيعه على هذا القانون نجح جونسون في إحداث تغييرات جذرية في النظام الانتخابي، ما أدى إلى زيادة كبيرة في نسبة تسجيل الناخبين من الأقليات، وتعزيز الديمقراطية في الولايات المتحدة. 

كان توقيع جونسون على قانون الحقوق المدنية وقانون حقوق التصويت من أهم المحطات في فترة رئاسته.

 الرئيس ليندون جونسون

 القانون وبنوده

أقر الكونغرس الأمريكي قانون الحقوق المدنية في 2 يوليو 1964، بعد عقود من النضال والكفاح ضد التمييز العنصري. 

القانون يحظر التمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الأصل القومي في الأماكن العامة، والمدارس، والتوظيف، وأماكن الإقامة، هذا التشريع الشامل أتى كرد فعل حاسم على عقود من التمييز الممنهج الذي عانى منه الأمريكيون من أصل إفريقي وجماعات أخرى. 

من أبرز بنود القانون: 

-حظر التمييز في الأماكن العامة:

أصبح من غير القانوني التمييز في الأماكن العامة مثل الفنادق والمطاعم والمسارح، ما أنهى عقوداً من الفصل العنصري.

-التوظيف العادل: 

يحظر القانون التمييز في التوظيف، ما يعزز فرص العمل للجميع بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية.

-التعليم المتساوي: 

يمنع الفصل العنصري في المدارس، ما يضمن بيئة تعليمية متساوية لجميع الطلاب

-حماية حقوق التصويت: 

يعزز القانون حماية حقوق التصويت للأقليات، ما يقلل من ممارسات التمييز في تسجيل الناخبين.

الكونغرس الأمريكي

تأثير القانون على أمريكا

تأثير قانون الحقوق المدنية لعام 1964 كان فورياً وعميقاً؛ فقد أرسى الأساس لمجتمع أكثر عدالة وإنصافاً، وأسهم في تغيير الديناميكيات الاجتماعية والسياسية في الولايات المتحدة. 

أظهرت البيانات أن نسبة الأمريكيين من أصل إفريقي الذين أكملوا التعليم الثانوي والجامعي ازدادت بشكل ملحوظ بعد إقرار القانون.

وفي عام 1960، كانت نسبة الأمريكيين من أصل إفريقي الحاصلين على شهادة الثانوية العامة نحو 20%، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى أكثر من 80% في عام 2020. 

على صعيد التوظيف، شهدت العقود التالية لسن القانون زيادة كبيرة في عدد الأمريكيين من أصل إفريقي الذين دخلوا سوق العمل في مجالات مهنية وإدارية. وفقاً لتقرير مكتب إحصاءات العمل الأمريكي، ارتفعت نسبة الأمريكيين من أصل إفريقي العاملين في وظائف مهنية من 5% في عام 1960 إلى 29% في عام 2019.

النضال المستمر والحقوق السياسية 

ورغم التحولات الإيجابية التي أحدثها قانون الحقوق المدنية، فإن النضال من أجل المساواة والحقوق السياسية لم يتوقف، فلا تزال هناك تحديات تواجه الأقليات في أمريكا، مثل التمييز الممنهج والعنف الشرطي. 

ومع ذلك، فإن التشريعات اللاحقة، مثل قانون حقوق التصويت لعام 1965، عززت من حماية حقوق التصويت للأقليات، ما مكن المزيد من الأمريكيين من المشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية.

هذا القانون، الذي وقع عليه الرئيس ليندون جونسون، جاء لمعالجة العقبات التي واجهها الناخبون من الأقليات، مثل اختبارات محو الأمية والضرائب الانتخابية. 

وقد أدى إلى زيادة كبيرة في تسجيل الناخبين الأمريكيين من أصل إفريقي، حيث ارتفعت نسبة التسجيل من 23% في عام 1964 إلى 61% في عام 1969 في الولايات الجنوبية.

تأثيرات مستدامة

القوانين المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية لم تكن مجرد تشريعات قانونية، بل كانت تغييرات ثقافية واجتماعية عميقة. لقد ساعدت في تشكيل جيل جديد يؤمن بالمساواة والعدالة، وساهمت في بناء مجتمع أكثر تنوعاً وشمولاً. 

الأرقام والبيانات تعكس هذه التغييرات، لكنها لا تعبر بشكل كامل عن التأثيرات الإنسانية العميقة التي خلفتها هذه القوانين.

قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965 يمثلان أكثر من مجرد قوانين إنهما يمثلان قفزات عملاقة نحو العدالة الاجتماعية والمساواة في الولايات المتحدة.

من أصل إفريقي في هذه الوظائف نحو 3% فقط، بينما ارتفعت هذه النسبة إلى أكثر من 15% في السنوات الأخيرة.

عبر الأجيال، يظل تأثير هذه القوانين ملموساً، ويستمر في تشكيل مسار الأمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة.

أكثر التشريعات أهمية وتأثيراً

وعلّقت الحقوقية التونسية البارزة، نسرين زريقات بقولها، إن هذا القانون من أكثر التشريعات أهمية وتأثيراً على الصعيدين الحقوقي والاجتماعي، مؤكدة أن هذه القوانين لم تكن مجرد نصوص قانونية جافة، بل كانت إشارات قوية لالتزام الأمة بالمضي قدماً نحو تحقيق العدالة والمساواة للجميع، وأرى أن هذه القوانين قد أحدثت ثورة حقيقية في الحياة الأمريكية، مُحدثة تغييرات جذرية لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم. 

وتابعت “زريقات”، في تصريحها لـ"جسور بوست": القانون بمثابة الرد القوي على عقود من التمييز والفصل العنصري الذي كان سائداً في الولايات المتحدة، هذا القانون، الذي حظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي، وضع الأسس لمجتمع أكثر عدالة وشمولية، ومن الناحية الحقوقية، كان هذا القانون نقلة نوعية، إذ أسس لإطار قانوني يجرم التمييز ويفتح المجال أمام جميع الأفراد للحصول على فرص متساوية.

وعن تأثيره الاجتماعي أضافت: كان عميقاً، حيث أدى إلى إلغاء الفصل في المدارس والأماكن العامة، ما أسهم في دمج المجتمعات وتعزيز التفاهم المتبادل، ومن أبرز مميزات هذا القانون هو شمولية بنوده وتغطيتها لمجالات متعددة من الحياة العامة والخاصة، ولم يقتصر القانون على حظر التمييز في الأماكن العامة فقط، بل شمل أيضاً التوظيف والتعليم، ما فتح الأبواب أمام أجيال جديدة للحصول على فرص تعليمية ومهنية كانت محجوبة عنهم بسبب التمييز العنصري، هذه الشمولية ساعدت في تغيير النظرة المجتمعية تجاه الأقليات، وأسست لبيئة تحترم التنوع وتقدره. 

واستكملت: أما قانون حقوق التصويت لعام 1965، فقد جاء ليكمل مسيرة الإصلاحات التي بدأها قانون الحقوق المدنية، هذا القانون كان ضرورياً لمعالجة التحديات التي كانت تواجه الأقليات في ممارسة حقهم الأساسي في التصويت، من خلال إلغاء الممارسات التمييزية مثل اختبارات محو الأمية والضرائب الانتخابية، فتح القانون الباب أمام الملايين من الأمريكيين لممارسة حقوقهم السياسية والمشاركة الفعالة في الحياة الديمقراطية، فالتأثير الحقوقي لهذا القانون كان هائلاً، حيث أعاد صياغة مفهوم المواطنة والمشاركة السياسية في الولايات المتحدة.

نسرين زريقات

واستطردت: فضلاً عن التأثيرات المباشرة لهذه القوانين، يجب الاعتراف بأثرها المستدام في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي للأمة، لقد ساهمت هذه التشريعات في بناء ثقافة حقوقية جديدة تقوم على أساس المساواة والعدالة، من خلال تعزيز حقوق الأقليات، لم تعمل هذه القوانين على تحسين حياة الأفراد فحسب، بل أسهمت أيضاً في تقوية النسيج الاجتماعي للأمة ككل، وأصبح من الصعب تجاهل أو إنكار الحقوق الأساسية لأي فرد، بغض النظر عن خلفيته العرقية أو الدينية.

وأضافت: من جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن التحديات التي واجهت تطبيق هذه القوانين، رغم التقدم الكبير الذي أحرزته، لا تزال هناك عقبات تحتاج إلى تجاوزها لضمان تحقيق المساواة الكاملة، فالتمييز الممنهج والعنف الشرطي والممارسات العنصرية لا تزال قائمة في بعض المناطق؛ ما يستدعي استمرار الجهود الحقوقية لضمان تنفيذ هذه القوانين بشكل كامل وعادل. 

وأوضحت الحقوقية التونسية أن الفضل الكبير لهذين القانونين يكمن في قدرتهما على إحداث تغيير حقيقي ومستدام؛ لقد وفرا إطاراً قانونياً يتيح للأفراد الدفاع عن حقوقهم ويجبر المؤسسات على الالتزام بمعايير العدالة والمساواة، كما أسهما في خلق جيل جديد من المواطنين والناشطين الذين يؤمنون بقيمة الحقوق المدنية ويعملون على تعزيزها، فمن خلال هذه التشريعات أصبحت الولايات المتحدة أكثر قرباً من تحقيق المثل العليا التي تأسست عليها، وهي الحرية والعدالة للجميع. 

وأتمت: قانون 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965 يمثلان أكثر من مجرد قانونين؛ إنهما تجسيد لروح التغيير والإصلاح التي يمكن أن تقود أمة نحو مستقبل أكثر إشراقاً وعدالة.. بصفتي ناشطة حقوقية، أرى أن هذه القوانين لا تزال تحمل دروساً قيمة في كيفية بناء مجتمع يحترم حقوق جميع أفراده ويسعى لتحقيق العدالة والمساواة بصورة دائمة، إنها تذكير دائم بأن النضال من أجل الحقوق المدنية هو مهمة مستمرة تتطلب التفاني والإصرار لضمان أن تكون المساواة والعدالة حقيقة ملموسة لجميع الأجيال القادمة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية