الأرض على حافة الهاوية.. درجات حرارة قياسية لـ12 شهراً وتغير المناخ يتفاقم

الأرض على حافة الهاوية.. درجات حرارة قياسية لـ12 شهراً وتغير المناخ يتفاقم

 

كشف تقرير علمي حديث أن مسار كوكب الأرض يسير إلى الهاوية مع استمرار درجات الحرارة العالمية في تحطيم أرقام قياسية لـ12 شهرا على التوالي، ومع توقع المزيد من موجات الحر هذا الصيف، مما أدى إلى تجاوز المستويات المهددة للحياة على سطح الأرض.

وبحسب التقرير وصلت مخاطر تغير المناخ إلى ذروتها ولم تكن تلك المخاطر أعلى من ذلك في أي وقت مضى، ورفاهية الأجيال القادمة وصحة بيئتنا باتت على المحك.. مما يستدعي التحرك العاجل فلم يعد العمل المناخي خيارا بل ضرورة مطلقة.

العلماء وخبراء المناخ أكدوا أن اتخاذ إجراءات فورية قد تقلل من تأثيرات التغير المناخي السلبية بشكل كبير.

 شهر مايو الأكثر سخونة

البيانات الصادرة عن هيئة "كوبرنيكوس" لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، أظهرت أن شهر مايو الماضي كان الأشد حرارة على الإطلاق في تاريخه، وأن متوسط درجات الحرارة العالمية قد حطم الآن الأرقام القياسية لمدة 12 شهرا متتاليا.

وشهد الشهر ذاته، في كثير من الأحيان، درجات حرارة كارثية من كاليفورنيا إلى نيودلهي، حتى إنها أدت إلى حدوث وفيات.

وكان متوسط درجة الحرارة العالمية لشهر مايو 2024 أعلى بمقدار 1.52 درجة مئوية من متوسط درجة الحرارة ما قبل الثورة الصناعية 1850-1900، مسجلا 1.5 درجة مئوية أو أعلى على مدار 11 شهرا "منذ يوليو 2023"، وهو المستوى القياسي الذي اتفقت البلدان في قمة المناخ في باريس في عام 2016 على العمل لمنع الوصول إليه.

وكان متوسط درجة الحرارة العالمية خلال الأشهر الـ12 الماضية من يونيو 2023 إلى مايو 2024 هو الأعلى على الإطلاق، ارتفاع بمقدار 1.63 درجة مئوية من متوسط درجة الحرارة ما قبل الثورة الصناعية 1850-1900.

وحتى لو نفذت البلدان التزامات الحد من غازات الدفيئة التي تعهدت بها بالفعل، فإن الكوكب يسير نحو ارتفاع درجات الحرارة بنحو 3 درجات مئوية في القرن الحالي.

وقال كارلو بونتيمبو، مدير خدمة كوبرنيكوس "من المذهل، ولكن ليس أمرا مستغربا، أن نصل إلى هذه المستويات على مدار 12 شهراً متتالية.. نشهد أوقاتا غير مسبوقة، ولكن لدينا أيضا مهارة غير مسبوقة في مراقبة المناخ، وهذا يمكن أن يساعد في أن نواصل أعمالنا".

 صيف قاسٍ في النصف الشمالي

يتأهب نصف الكرة الأرضية الشمالي لصيف قاس آخر بعد أن هددت الحرارة الشديدة صحة وسبل عيش الملايين في العام الماضي.

تواجه كاليفورنيا وجنوب غرب الولايات المتحدة أول موجة حر كبرى هذا الأسبوع، حيث يتوقع أن تتجاوز درجات الحرارة 40 درجة مئوية ومن المتوقع أيضا المزيد من الأيام الحارة في وقت لاحق من شهر يونيو.

وتعني درجات الحرارة المرتفعة في أوروبا أن خطر حرائق الغابات وصل إلى مستويات كبيرة في اليونان وإسبانيا، مع انتشار المخاطر أيضا إلى الريفييرا في فرنسا.

وتجاوزت الحرارة في الهند 50 درجة مئوية في الشهر الماضي مع تسجيل ما يقرب من 100 حالة وفاة في الأيام القليلة الماضية في واحدة من أكثر الولايات الهندية تضررا.

وحطمت المملكة المتحدة الرقم القياسي المسجل في عام 2008 من حيث أكثر شهر مايو حرارة، حيث يتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في يونيو أيضا.

وحاليا، تتلاشى ظاهرة "النينيو" القوية أو الاحترار في المحيط الهادئ، والتي دفعت درجات الحرارة لمستويات قياسية في بعض الأماكن، غالبا ما تتبع "لا نينا" الشديدة ظواهر "إل نينو" ما يدفع إلى تحول جذري في أنماط الطقس، ويؤدي إلى الجفاف في بعض الأماكن لدرجة التسبب في فيضانات وأعاصير بأماكن أخرى.

تحدث ظاهرة "لا نينا" عندما يبرد سطح المحيط الهادئ على طول خط الاستواء، ويتفاعل الغلاف الجوي فوقه.

خسائر اقتصادية وبشرية

تتفاقم الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن التغيرات المناخية في القارة الأوروبية، والتي باتت تشهد موجات حارة غير مسبوقة تسببت في فقدان الآلاف من مواطنيها وكبدتها مليارات الدولارات.

فتسبب تغير المناخ في خسائر فادحة للقارة الأوروبية بقيمة أكثر من 13.4 مليار يورو خلال عام 2023 وهو ثاني أكثر الأعوام حرارة في تاريخ القارة، بحسب وكالة "كوبرنيكوس" الأوروبية لتغير المناخ.

وفقدت القارة العجوز نحو 62 ألف شخص في عام 2022، جراء ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات غير مسبوقة خلال فصل الصيف، بحسب دراسة صادرة عن مجلة "ناتشر ميديسين"، وكان معظم ضحايا التغيرات المناخية من النساء وكبار السن فوق 65 عاما.

وكانت إيطاليا الدولة الأكثر تضررا، حيث سجلت نحو 18 ألف حالة وفاة، تليها إسبانيا بما يزيد قليلا على 11 ألفا وألمانيا بنحو 8 آلاف.

ومن المتوقع أن تصبح أوروبا أكثر دفئا خلال السنوات المقبلة، وأن تصبح بعض المناطق أكثر جفافا، بينما تصبح مناطق أخرى أكثر رطوبة.

 القارة الأسرع ارتفاعاً في درجات الحرارة

أوروبا هي القارة الأسرع ارتفاعا في درجات الحرارة في العالم، إذ ترتفع درجات الحرارة بنحو ضعف المعدل العالمي، وتهدد المخاطر المناخية أمنها في مجال الطاقة والغذاء، والأنظمة البيئية، والبنية التحتية، وموارد المياه، والاستقرار المالي، وصحة الناس.

ووفقا لتقرير عن حالة المناخ في أوروبا صادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ووكالة كوبرنيكوس، سجلت أوروبا ارتفاعا في درجات الحرارة يبلغ 2.6 % في حين أن كوكب الأرض ككل سجل ارتفاعا 1.4%.

التحرك العاجل

تعقيبا على البيانات الصادرة عن هيئة كوبرنيكوس لتغير المناخ، قالت مستشارة شؤون المناخ في منظمة العفو الدولية آن هاريسون، إن الفيضانات الأخيرة في البرازيل وكينيا وألمانيا، وموجات الحر القياسية في الهند ومناطق أخرى في جنوب آسيا والمكسيك، تؤكد الضرر المحدق الذي سيحدث بسبب استمرار الاحترار العالمي ما لم تتخذ إجراءات جادة وفعالة.

وأضافت أنه أصبح من الضروري الآن، أكثر من أي وقت مضى، زيادة التمويل المطلوب للحد من ازدياد الاحترار، ولتمكين المجتمعات من التكيف السريع مع واقع التغير المناخي. إن التقاعس عن التحرك الآن لن يؤدي سوى إلى تداعيات باهظة الثمن، سواء على صعيد حقوق الإنسان أو اقتصادات البلدان.

وأشارت أن الناس في البلدان منخفضة الدخل هم الأكثر تضررا من هذه الأزمة، ولديهم أقل الوسائل الممكنة للتعامل معها، لذا يجب على المتسببين بالتلوث أن يدفعوا. وهذا يعني أن على أكبر الدول المتسببة بانبعاثات غازات الدفيئة تاريخيا، والدول الأخرى التي يمكنها تحمل الكلفة -بما في ذلك بعض الدول الكبرى المنتجة للوقود الأحفوري- أن تقدم التمويل المناخي للدول ذات الدخل المنخفض.

ما تغير المناخ؟

تغير المناخ هو التحول على المدى الطويل في متوسط درجات حرارة الأرض والظروف الجوية.

هذا التغير في المناخ طويل المدى، نتج عن النشاط البشري وبشكل رئيسي بسبب الاستخدام الكبير للوقود الأحفوري -الفحم والنفط والغاز- في المنازل والمصانع ووسائل النقل.

 مشكلة الاحترار العالمي

ينتج الاحترار العالمي بسبب حرق الوقود وظاهرة النينيو المناخية.

أولا.. عندما يحترق الوقود الأحفوري، فإنه يطلق غازات الدفيئة، معظمها ثاني أكسيد الكربون (CO2)، ما يحبس طاقة إضافية في الغلاف الجوي بالقرب من سطح الأرض، والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع حرارة الكوكب.

منذ بداية الثورة الصناعية -عندما بدأ البشر في حرق كميات كبيرة من الوقود الأحفوري- ارتفعت كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنحو 50%

خلال العقد الماضي، كان العالم أكثر دفئا بنحو 1.2 درجة مئوية في المتوسط عما كان عليه في أواخر القرن التاسع عشر.

ثانيا.. ظاهرة النينيو تزيد درجات الحرارة أيضا.

الزيادة في درجات الحرارة تأتي بسبب تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، وعززتها ظاهرة النينيو المناخية الطبيعية، وهي ظاهرة مناخية واسعة النطاق تنطوي على تقلب درجات حرارة المحيطات في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، إلى جانب التغيرات التي تطرأ على الغلاف الجوي العلوي.

 علاج الاحترار العالمي

الإجابة الوحيدة المؤكدة لمعالجة السبب الجذري للاحترار العالمي هي التخلص التدريجي والسريع من الوقود الأحفوري، وتمويل التخلص التدريجي والعادل والسريع والنهائي منه، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.

لذلك، حثت الأطراف في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في بون هذا الأسبوع على تحديد مسار واضح لتوفير قدر كبير من التمويل المناخي.

 الضرر الذي أحدثه تغير المناخ حتى الآن

إن متوسط الزيادة في درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.2 درجة مئوية التي شهدناها في العقد الماضي قد لا يبدو كبيرا، ومع ذلك، كان له تأثير كبير على البيئة، يتضح في ما يلي:

الطقس الحار جدا وما يرافقه من أمطار غزيرة، والذوبان السريع للأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، ما يساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر، وانخفاض كبير في الجليد البحري في القطب الشمالي، وارتفاع درجة حرارة المحيطات، وحياة الناس تتغير أيضا.

على سبيل المثال، عانت أجزاء من شرق إفريقيا من أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاما، حيث عرض ذلك أكثر من 20 مليون شخص لخطر الجوع الشديد.

وفي عام 2022، أدت موجات الحر الشديدة في أوروبا إلى زيادة غير طبيعية في الوفيات.

ظواهر متطرفة

يتسبب تغير المناخ في تفاقم آثار الطقس المتطرف وشهدت الأرض مؤخرا مجموعة من الظواهر المناخية الشديدة، مثل الفيضانات وموجات الحر والجفاف الشديد وارتفاع نسبة التصحر، والأعاصير، وحرائق الغابات، كل هذا بسبب ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية عصر الصناعة، ويتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تعمل الحكومات على مستوى العالم من أجل خفض شديد للانبعاثات.

وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.

كيف سيؤثر تغير المناخ في المستقبل على العالم؟

كلما زاد متوسط درجات الحرارة، أصبحت تبعات تغير المناخ أسوأ.

إن الحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة على المدى الطويل إلى 1.5 درجة مئوية أمر بالغ الأهمية، وفقا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

العلم لم يؤكد ذلك بعد، لكن عواقب الاحتباس الحراري بمقدار درجتين مئويتين مقارنة بـ1.5 درجة مئوية يمكن أن تشمل:

 تضاعف الأيام الحارة الشديدة في المتوسط بمقدار 4 درجات مئوية عند خطوط العرض الوسطى (المناطق خارج القطبين والمناطق الاستوائية)، مقابل 3 درجات مئوية عند 1.5 درجة مئوية.

 سيرتفع مستوى سطح البحر للأعلى بمقدار 0.1 متر زيادة على المستوى عند 1.5 درجة مئوية، مما يعرض نحو 10 ملايين شخص إضافي لأحداث مناخية، قد تشمل المزيد من الفيضانات.

ستفقد أكثر من 99% من الشعاب المرجانية، مقارنة بنسبة 70-90% عند درجة حرارة 1.5 درجة مئوية.

سيتعرض ضعف عدد النباتات والفقاريات (الحيوانات ذات العمود الفقري) لظروف مناخية غير مناسبة في أكثر من نصف المنطقة الجغرافية التي توجد فيها.

قد يتعرض مئات الملايين من الأشخاص للمخاطر المرتبطة بالمناخ ويصبحون عرضة للفقر بحلول عام 2050.

وكانت الدعوة للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية تهدف جزئيا إلى تجنب الوصول إلى ما يسمى "نقاط التحول".

وبعد تجاوز هذه العتبات، يمكن أن تتسارع التغييرات وتصبح غير قابلة للمعالجة، مثل انهيار الطبقة الجليدية في جرينلاند، ومع ذلك، ليس من الواضح تحديداً أين تقع هذه العتبات.

جهود دولية

يحاول زعماء العالم في اجتماع دوري يقام كل عام، مناقشة التزاماتهم المناخية، حيث انعقدت قمة الأمم المتحدة الأخيرة لتغير المناخ "COP28" في دولة الإمارات العربية المتحدة، وللمرة الأولى، وافقت البلدان على "المساهمة" في "التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري"، رغم أنها ليست مضطرة إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات.

وسيعقد المؤتمر المقبل "COP29" في أذربيجان في نوفمبر 2024.

حاليا.. مؤتمر بون

انطلقت فعاليات الدورة الـ60 من اجتماعات بون لتغير المناخ، 3 يونيو الجاري 2024، وتستمر حتى 13 من الشهر نفسه بمركز المؤتمرات العالمي في بون- ألمانيا.

وستبني اجتماعات بون على المخرجات التي انبثقت عن مؤتمر الأطراف "COP28" في دبي نهاية 2023، وتهدف إلى دفعها للأمام وإعداد القرارات اللازمة لاعتمادها في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP29" في باكو، أذربيجان، في نوفمبر القادم.

ويشارك نحو 6000 مشارك في الاجتماعات، وسوف يركزون على القضايا الحاسمة مثل تمويل المناخ، وتعزيز التقدم في الجولة القادمة من خطط العمل الوطنية للمناخ، وتسريع العمل المناخي من خلال انتقال عادل.

والعمل من أجل تمكين المناخ والأطفال والشباب، التكيف والمرونة، بناء القدرات، تمويل المناخ، تكنولوجيا المناخ، الأنشطة التعاونية وأهداف التنمية المستدامة، التقييم العالمي، الابتكار، الانتقال العادل، منصة المجتمعات المحلية والشعوب الأصلية، الآليات السوقية وغير السوقية، الطموح والتنفيذ قبل 2020، علوم المناخ، أنشطة استخدام الأراضي، المحيطات.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية