بين التاريخ والحاضر.. من هم يهود القوقاز الذين تستهدفهم الهجمات الإرهابية بداغستان؟

بين التاريخ والحاضر.. من هم يهود القوقاز الذين تستهدفهم الهجمات الإرهابية بداغستان؟

في قلب جبال القوقاز الروسية، تتوسط حضارة قديمة تنسجم مع الطبيعة المتلاطمة وتاريخ مليء بالتجاذبات السياسية، يعيش يهود القوقاز، أو "يهود الجبال" كما يعرفون، طوال قرون في هذه المنطقة المترامية الأطراف، محافظين على هويتهم. 

وتستحضر الهجمات الإرهابية الأخيرة في داغستان صورة تأسر القلوب، وتكشف عن جراحات مزمنة وتحديات لا تنتهي. 

أول أمس، هزت سلسلة من الهجمات المروعة كنيس وكنيسة في منطقة القوقاز، مخلفة وراءها دماراً وألماً لا يوصف، حيث أسفرت هذه الهجمات عن سقوط أرواح بريئة، بينهم رجال شرطة يعملون على حماية المجتمع، وقس أرثوذكسي ينير طريق أتباعه برسالته الروحية.

تاريخ عريق بين الجبال

يهود القوقاز، المعروفون أيضًا بيهود الجبال أو "تاتس"، يمتلكون تاريخًا ضاربًا في القدم يعود إلى العصور القديمة. 

منذ القرن الثامن، عاش هؤلاء اليهود في القوقاز، وبخاصة في منطقة داغستان الحالية على مر العصور، كانوا يحتفظون بتقاليدهم الدينية والثقافية رغم الظروف الصعبة التي مروا بها.

مدينة ديربنت، إحدى أقدم المدن في المنطقة، كانت مركزًا للحياة اليهودية هناك ازدهرت المجتمعات اليهودية، وأقاموا المعابد والمدارس. 

اليوم، لا يزال كنيس "كيلي نوماز" نشطًا في ديربنت، ويعمل كنقطة محورية لأعداد اليهود المتضائلين. تلك الأماكن المقدسة تقف كشواهد على تاريخ طويل من العيش المشترك.

ثقافة وتقاليد متجذرة

رغم العزلة الجغرافية، تمكن يهود القوقاز من الانغلاق على أنفسهم والحفاظ على ممارساتهم الثقافية والدينية، هذه المجتمعات التي عاشت في قلب الجبال كانت تمارس شعائرها بسرية خلال الحقبة السوفيتية، خوفا من الضغوط الأمنية والسياسية. 

وتمسك يهود القوقاز بممارسة شعائرهم، مثل صناعة خبز الماتزو وإضاءة شموع السبت، كوسيلة للحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية. 

تاريخيًا، استقر يهود الجبال في أجزاء مختلفة من داغستان، مع وجود أعداد كبيرة من السكان في مدن مثل ديربنت ومخاتشكالا. رغم التحديات، ظلت هذه المجتمعات تحتفظ بتقاليدها، من خلال الاحتفالات الدينية والاجتماعية التي تربطهم بأرضهم وتاريخهم.

الهجرات والتنوع

استقر هؤلاء اليهود في القوقاز على مر التاريخ في موجات متتالية، هربًا من المضطهِدين أو بحثًا عن فرص جديدة.

منهم من جاء من فارس وسوريا وتركيا، ومنهم من أتى من أوروبا الشرقية هربًا من الاضطهاد والمذابح، لذا، تعكس هذه المجتمعات اليهودية تنوعًا لافتًا في الخلفيات والثقافات والتقاليد. 

مساهمات ثقافية وعلمية

أسهم اليهود في القوقاز بإبداعات في مختلف المجالات الفنية والأدبية والعلمية، فمن شعراء وأدباء أمثال يوسف حيون وموشيه بيير فليكس إلى عالم الفلك مناشي دانيال ومبتكر الدينامو بنيامين زيف، أضاء اليهود هذه المنطقة بإنجازاتهم المتميزة. 

وفي ميادين الفنون والموسيقى، برزت أسماء لامعة كالرسام إسحق بروديسكي والعازف الكبير دافيد أويسترخ. 

العلاقات مع السكان المحليين

على الرغم من التنوع السكاني والديني في القوقاز، نجح اليهود في الاندماج بشكل سلس مع جيرانهم المسلمين والمسيحيين، فقد تعايشوا بتعاون، وكان المسلمون والمسيحيون يبادلونهم الاحترام والتقدير. 

وفي أوقات الاضطرابات والحروب، كان يهود القوقاز جزءًا من النسيج الاجتماعي الذي يُعتمد عليه، مُقدِّرين ومُقدَّرين على حد سواء.

الوضع الاقتصادي والاجتماعي

شكّل يهود القوقاز جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمعات المحلية، مساهمين بشكل فاعل في نمو المدن والمناطق التي استوطنوها، في مدينة بكو العريقة، وازدهرت المشاريع التجارية واليدوية لليهود جنبًا إلى جنب مع غيرهم من السكان. 

أما في مرتفعات داغستان، فقد أصبح اليهود رموزًا للحرفية في صناعة السجاد والفخار، وفي جورجيا الخضراء، طوّر اليهود تقنيات زراعة ورعي تسهم في إطعام السكان المحليين. 

مع مرور الزمن، واجه يهود القوقاز تحديات اقتصادية واجتماعية عديدة، في الحقبة السوفيتية، حيث عانوا من القمع والتمييز، ورغم ذلك، نجحوا في البقاء على قيد الحياة والحفاظ على هويتهم. 

انهيار الاتحاد السوفيتي جلب معه المزيد من التحديات، حيث أدت الصراعات الإقليمية، خاصة حروب الشيشان، إلى زيادة العنف وعدم الاستقرار. 

اليوم، يعاني المجتمع اليهودي في داغستان من انخفاض كبير في عدد السكان، حيث تقلص عددهم من حوالي 50 ألفًا إلى أقل من 10 آلاف، العديد منهم هاجر إلى إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أجزاء أخرى من روسيا بحثًا عن الأمان والفرص الاقتصادية الأفضل. 

ومع ذلك، يظل هؤلاء الذين بقوا يحاولون بناء حياة كريمة وسط ظروف معقدة. 

التضامن مع غزة وعلاقتهم بالعرب

لطالما كانت علاقة يهود القوقاز بالعرب والمسلمين مزيجًا مختلفا ما بين التعاون والتوتر. 

في القرون الماضية، عاش اليهود والمسلمون جنبًا إلى جنب في مناطق مختلفة من القوقاز، محافظين على علاقات متوازنة. 

ومع ذلك، أثرت التوترات السياسية والدينية في العقود الأخيرة على هذه العلاقات، خاصة في ظل الصراعات الإقليمية وصعود الفكر المتشدد. 

متضامنون مع غزة

الهجمات الإرهابية الأخيرة في داغستان ليست الأولى من نوعها، ففي أكتوبر الماضي، اقتحم عشرات المتظاهرين مطار محج قلعة بعد سريان أنباء عن هبوط طائرة قادمة من إسرائيل، ما أدى إلى إغلاقه أمام حركة الملاحة الجوية. 

الهجوم الذي استهدف كنيسًا يهوديًا وكنيسة أرثوذوكسية ومركزًا للشرطة، أسفر عن مقتل ستة من رجال الأمن، هذه الأحداث المؤلمة تعكس واقعًا معقدًا وصعبًا في المنطقة. 

وبالرغم من التوترات الحاصلة، يعبر العديد من يهود القوقاز عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، يظهر هذا التضامن من خلال المشاركة في فعاليات دعم غزة، والتعبير عن التعاطف مع معاناتهم. 

هذه الروح الإنسانية تعكس تاريخًا طويلًا من التعايش والتعاون بين اليهود والمسلمين في المنطقة. 

يهود القوقاز.. أقلية صغيرة

تعد داغستان، المنطقة الروسية ذات الأغلبية المسلمة، واحدة من المناطق الأكثر تنوعًا في شمال القوقاز. يجاور سكانها الشيشان وجورجيا وأذربيجان، ولكنها أيضًا موطن لأقلية صغيرة من اليهود الذين اتخذوا من القوقاز مسكنًا لهم منذ آلاف السنين. 

يعود تاريخ يهود القوقاز إلى فترات زمنية بعيدة، حيث استقروا في هذه المناطق حاملين معهم تراثهم وثقافتهم الفريدة وقد عُرفوا بتقاليدهم الدينية واحتفالاتهم الثقافية، حيث بنوا معابد يهودية قديمة وروّجوا لفنونهم الشعبية المتنوعة.

يهود الجبل: التاريخ والأرقام والثقافة. شعوب القوقاز

العيش اليوم في ظل التحديات

اليوم، يعيش يهود القوقاز في مجتمع يعاني من التوترات السياسية والدينية وقد أدت الهجمات الإرهابية الأخيرة إلى زيادة المخاوف بشأن سلامة هذه الأقلية وأمنها، على الرغم من التحديات، يواصل يهود القوقاز ممارسة تقاليدهم الثقافية والدينية، متمسكين بجذورهم التاريخية ومحاولين الحفاظ على إرثهم الثقافي. 

تعتبر السلطات الروسية داغستان منطقة ذات أهمية استراتيجية، وتعلن بانتظام عن عمليات لمكافحة الإرهاب فيها، ومع ذلك تبقى المخاطر التي يواجهها السكان، بما في ذلك الأقلية اليهودية، قائمة، ما يستدعي ضرورة تعزيز الأمن والحوار بين مختلف المكونات المجتمعية. 

داغستان.. هي جمهورية تقع في شمال القوقاز الروسي، ويحدها بحر قزوين من الشرق وجورجيا وأذربيجان من الجنوب. عاصمتها هي محج قلعة.

تشتهر داغستان بتنوعها العرقي، إذ تضم أكثر من 30 مجموعة عرقية و100 لغة، وتمارس في الغالب الإسلام السني.

تتمتع المنطقة بتاريخ معقد من المقاومة ضد الإمبراطوريات، وتواجه تحديات مثل عدم الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، على الرغم من مواردها في الزراعة والنفط والصناعة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية