ألمانيا تشترط الإقرار بحق إسرائيل مقابل الجنسية.. جدل حول حرية التعبير وحقوق الإنسان

ألمانيا تشترط الإقرار بحق إسرائيل مقابل الجنسية.. جدل حول حرية التعبير وحقوق الإنسان

شروط جديدة للحصول على الجنسية الألمانية.. ألمانيا تفرض "الولاء لإسرائيل" على المهاجرين

تهديد للاندماج.. خبراء يحذرون من مخاطر شروط الجنسية الألمانية الجديدة على الجاليات المتنوعة

تمييز مرفوض.. الجاليات المسلمة والعربية تُطالب بإعادة النظر في قانون الجنسية الألماني

أزمة هوية.. شروط الجنسية الألمانية الجديدة تُثير تساؤلات حول مكانة الجاليات في المجتمع

حقوقية مصرية: القانون الجديد يتعارض مع حق التعبير ويتنافى مع المبادئ الديمقراطية

حقوقي تونسي: القانون يثير مخاوف كبيرة من عدم التماشي مع حقوق الإنسان والقانون الدولي

 

في خطوة أثارت الكثير من الجدل، فرضت ألمانيا شروطًا جديدة للحصول على جنسيتها، تتضمن الاعتراف بحق دولة إسرائيل في الوجود، هذه الشروط تُعد جزءًا من تحديث أوسع في قانون الجنسية الألمانية، ولكنها تعكس أيضًا توجهات سياسية وتاريخية طويلة الأمد.

بعدما اشترط التلفزيون الحكومي الألماني "دويتشه فيله" على موظفيه الجدد التوقيع على بند الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ضمن عقد التوظيف كجزء من مدوّنة سلوك محدّثة، أصبح هذا الشرط الآن جزءًا من قانون الجنسية الألماني الجديد، إذ أعلنت السلطات في برلين أنه يجب على المتقدمين للحصول على الجنسية الألمانية قبول هذا المبدأ كشرط حاسم. 

يأتي هذا التغيير، وفقًا للسلطات، كجزء من مشروع إصلاح شامل للمواطنة يهدف إلى التأكيد على الولاء للقيم الألمانية. 

وأشارت وزيرة الداخلية والأمن الوطني، نانسي فيزر، في حكومة المستشار أولاف شولتس، في حديث لصحيفة بريطانية، إلى أن أسئلة جديدة حول مواضيع معاداة السامية وحق إسرائيل في الوجود والحياة اليهودية في ألمانيا قد أضيفت بالفعل إلى اختبار التقدم بطلب الجنسية. 

وتابعت أنه سيتعين أيضًا على المتقدمين تأكيد التزامهم بالمساواة بين الجنسين والنظام الديمقراطي ومسؤولية ألمانيا التاريخية تجاه اليهودية نتيجة لجرائم النازية. 

واعتمد البرلمان الألماني في يناير الماضي تشريعًا يخفف القيود المفروضة على الراغبين في التقدم بطلب الحصول على الجنسية الألمانية كجنسية ثانية عبر تقليل عدد السنوات التي يجب أن يعيشها المرء في ألمانيا قبل التقديم من ثماني سنوات إلى خمس، ورفع الحظر المفروض على الجنسية المزدوجة للأشخاص من دول خارج الاتحاد الأوروبي. 

ورغم أن هذه التغييرات كانت جزءًا من الوعود الانتخابية لشولتس، يعتقد كثيرون أن التسريع في إجراءات إقرار التشريع جاء بعد ارتفاع ملحوظ في عدد طلبات اكتساب الجنسية الألمانية التي يتقدم بها الإسرائيليون منذ السابع من أكتوبر 2023. 

قالت الوزيرة، التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي بقيادة شولتس، إنه يمكن لأي شخص الآن يشاركنا قيمنا الحصول على جواز سفر ألماني بسرعة أكبر، ولم يعد مضطرًا إلى التخلي عن جزء من هويته وترك جنسيته القديمة.

واستدركت قائلة، إن حكومتها أوضحت أيضًا أن أي شخص لا يشاركنا قيمنا لا يمكنه الحصول على جواز سفر ألماني، لقد رسمنا خطًا أحمر واضحًا تمامًا في هذا الشأن، وجعلنا القانون أكثر صرامة من ذي قبل، لاحظ مراقبون للشأن الألماني أن تخفيف القيود هذا مُرّر جنبًا إلى جنب مع تشريع آخر يجعل من ترحيل الأجانب أمرًا سهلاً.

تاريخيًا، التزمت الدولة الألمانية التي أنشأها الأميركيون على أنقاض دولة الرايخ الثالث بعد الحرب العالمية الثانية بسياسة رسمية منحازة علنًا إلى الدولة العبرية، وقامت الحكومات الألمانية المتعاقبة عبر العقود بتمويلها وتسليحها وتأييد سرديتها الملفقة في المحافل الدولية، فيما مارست داخليًا منهجية "صفر تسامح" مع ما تسميه معاداة السامية وجرائم الكراهية ضد اليهود. 

ومنذ أكتوبر الماضي، تبنت سلطات برلين سلسلة ممارسات قمعية غير مسبوقة ضد كل أشكال التضامن مع الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة في قطاع غزة لم توفر حتى يهودًا وإسرائيليين مقيمين في ألمانيا عبّروا عن رفضهم لتلك الحرب. 

وشكى فنانون ومثقفون ألمان تحدثوا علنًا عن دعمهم للفلسطينيين من خضوعهم لرقابة استخباراتية ووضعهم على قوائم سوداء وحرمانهم من الفرص والتمويل بسبب مواقفهم المعلنة بشأن القضية الفلسطينية.

وشهدت الأشهر الأخيرة إلغاء عدد من المعارض والمؤتمرات والفعاليات الثقافية والمحاضرات العامة المرتبطة بفلسطين، ونفذت سياسات صارمة في ما يتعلق بالتعبير واختيار الكلمات أثناء الاحتجاجات.

وحُظرت منظمات اتُهمت بالعداء للسامية، وجُمدت حسابات مالية لجمعية يهودية مناهضة للصهيونية، كما فُصل عدد من العاملين العرب في "دويتشه فيله" بعد إدلائهم بآراء مؤيدة للفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي وعُدلت مدونة السلوك والداخلية لتفرض على إدارة التلفزيون اتخاذ إجراءات ضد الموظفين الذين ينكرون حق إسرائيل في الوجود كدولة.

وتشكل الجالية المسلمة والعربية جزءًا كبيرًا من المجتمع الألماني، حيث يقدر عدد المسلمين بنحو 5.5 مليون نسمة، أي نحو 6.6% من إجمالي السكان، ومن بين هؤلاء، يشكل الأتراك نسبة كبيرة تقدر بحوالي 2.5 مليون شخص.

كذلك فرضت السلطات قيودًا صارمة على تنظيم الاحتجاجات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ومنعت ارتداء الكوفية الفلسطينية في مدارس برلين، ما يزيد من حدة الشعور بالعزلة والتمييز بين أفراد هذه الجاليات.

وتعاني الجاليات المسلمة والعربية من ضغوط نفسية واجتماعية جراء هذه السياسات التي قد تُشعرهم بأنهم مستهدفون بسبب هويتهم وثقافتهم.

تعارض مع حقوق الإنسان

وانتقدت الحقوقية البارزة، عزة سليمان، القانون الجديد ووصفته بأنه يتعارض مع حق التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان، كذلك يضع ألمانيا في وضع متناقض إذ إنها تنادي بحرية التعبير، مضيفة: تبدو السياسات الجديدة كمحاولة لموازنة التزامات ألمانيا التاريخية تجاه اليهود وإسرائيل مع التحديات الحديثة المتعلقة بالهجرة والتعددية الثقافية، ويمكن اعتبار اشتراط الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود كشرط للحصول على الجنسية تقييدًا لحرية التعبير، ما يثير تساؤلات حول مدى توافق هذه السياسات مع المبادئ الديمقراطية التي تتفاخر بها ألمانيا. 

وقالت “سليمان”، في تصريحات لـ"جسور بوست": قد تعيق هذه السياسات عملية اندماج الجاليات المسلمة والعربية في المجتمع الألماني، حيث يشعر العديد منهم بالاستهداف والتمييز، ما يزيد من الفجوة الثقافية والاجتماعية، عكس شروط الجنسية الألمانية الجديدة، تعقيدات تاريخية وسياسية، لكنها تأتي مع تحديات كبيرة في ما يتعلق بحرية التعبير وحقوق الإنسان، يتطلب تحقيق التوازن بين مكافحة معاداة السامية واحترام حقوق الجاليات المتنوعة نهجًا أكثر شمولية وعدالة، يتعين على ألمانيا أن تسعى لسياسات تضمن المساواة والتعددية دون التضحية بالمبادئ الديمقراطية.

وتابعت: يثير الاعتراف بإسرائيل كشرط محدد استفزازاً للكثيرين، خاصة أولئك الذين يعارضون سياسة إسرائيل أو يؤيدون حقوق الفلسطينيين، ومن منظور حقوق الإنسان، يمكن أن يُفسر هذا الشرط بأنه يميز ضد أولئك الذين ينتقدون إسرائيل بسبب قناعاتهم السياسية، كما يجب أن يكون للأفراد الحق في التعبير عن آرائهم السياسية بحرية، ولا ينبغي أن يُشترط هذا التعبير للحصول على الحقوق الأساسية مثل الجنسية.

وأتمت: أرى أن القانون الألماني في هذه المسألة ينبغي أن تتم مراجعته بشكل جاد لضمان مطابقته لمعايير حقوق الإنسان وعدم التمييز على أساس الرأي السياسي.

عزة سليمان

مخاوف يثيرها القانون

وقال رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، مصطفى عبدالكبير، إن القانون يثير مخاوف كبيرة من عدم التماشي مع حقوق الإنسان والقانون الدولي، وحقوق الإنسان تشمل حقوقًا أساسية تتضمن المساواة وعدم التمييز، يعتبر حق الحصول على الجنسية من هذه الحقوق، وتعتبر حرية التعبير والرأي من الحقوق الأساسية التي تجب حمايتها، إضافة شرط سياسي كاعتراف بإسرائيل كشرط للحصول على الجنسية يمكن أن يُفسر على أنه تمييز غير مقبول على أساس الرأي السياسي، ما يتعارض مع المبادئ الأساسية لعدم التمييز في القانون الدولي.  

وتابع عبدالكبير، في تصريحاته لـ"جسور بوست": من الناحية القانونية، يجب على الدول احترام القوانين الدولية التي تشمل المساواة أمام القانون وعدم التمييز، بما في ذلك ما يتعلق بالحصول على الجنسية، فتحديد شرط سياسي محدد للحصول على الجنسية يمكن أن يُفسر على أنه انتهاك لهذه المبادئ والالتزامات الدولية بناءً على ذلك، يجب على السلطات الألمانية إعادة النظر بشكل جدي في هذا القانون، والنظر في تعديله بما يضمن عدم التمييز والامتثال للمعايير القانونية الدولية، وضمان حصول الأفراد على الجنسية بموجب معايير عادلة وغير تمييزية، مما يحترم حقوقهم الأساسية في حرية الرأي والتعبير دون فرض شروط سياسية تقيد هذه الحقوق.

مصطفى عبد الكبير

واستكمل: الشرط الأساسي للجنسية الألمانية يتعلق بالالتزام بالدستور الألماني والقوانين الألمانية، ومن الناحية القانونية الدولية، الاعتراف بدولة ما هو أمر يخضع للسيادة الوطنية لكل دولة، وهذا يعني أن كل دولة تقرر بنفسها ما إذا كانت ستعترف بدولة أخرى أم لا، بالنسبة لألمانيا، فإنها تتبنى سياسة خارجية تتمحور حول الالتزام بالقوانين الدولية والأمم المتحدة علاقتها مع إسرائيل، كما مع باقي الدول، تعتمد على المصالح والتوجهات السياسية والقانونية التي تتبناها الحكومة الألمانية في كل فترة، لذا، ليس هناك قانون دولي محدد يفرض على ألمانيا شرطاً معيناً للجنسية يتعلق بالاعتراف بإسرائيل بشكل خاص.

وأتم: قرار الاعتراف بدولة ما يعتبر قراراً سيادياً وفقاً للقانون الدولي، ولا يتم تحديده بقوانين للحصول على الجنسية الألمانية بشكل مباشر.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية