"واشنطن بوست": مشكلة المساعدات في غزة تكمن في انعدام الأمن اللازم لتوزيعها

"واشنطن بوست": مشكلة المساعدات في غزة تكمن في انعدام الأمن اللازم لتوزيعها
إسرائيليون ينهبون المساعدات المخصصة للفلسطينيين

عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الإنسانية في قطاع غزة، هناك انفصال خطير ومحير بين تصريحات إسرائيل وتصريحات وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة غير الحكومية.

تنشر الوكالة العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم COGAT (تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق) تحديثات منتظمة تسلط الضوء على جميع المعابر الحدودية التي فتحتها وجميع شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة، وعلى النقيض من ذلك، تستمر الأمم المتحدة في التحذير من "ارتفاع خطر المجاعة"، حيث كتبت لجنة من الخبراء الأسبوع الماضي أن "أكثر من 495 ألف شخص (22% من السكان) لا يزالون يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد".

ويطرح تقرير نشرته "واشنطن بوست"، اليوم الاثنين، سؤال: كيف يمكن أن يعاني هذا العدد الكبير من الفلسطينيين من نقص الغذاء في ظل تدفق الكثير من المساعدات؟ 

يتهم الجانبان كلا منهما الآخر بالمبالغة (ومن الجدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت تحذر منذ أشهر من خطر المجاعة)، لكن إسرائيل والأمم المتحدة تقارنان في جوهرهما؛ إسرائيل تركز على حجم المساعدات، فيما تركز الأمم المتحدة على حجم المساعدات التي تصل فعليا إلى المدنيين، وأشار مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق إلى أن أكثر من 1500 شاحنة مساعدات تنتظر في المعبر الحدودي الرئيسي بين إسرائيل وقطاع غزة كيرم شالوم.

وهذه هي الشاحنات التي ترغب إسرائيل في السماح لها بالدخول إلى غزة، لكنها لا تستطيع عبور منطقة الحرب بأمان، على الرغم من قيام الجيش الإسرائيلي بإيقاف العمليات لعدة ساعات في اليوم للسماح بتسليم المساعدات.

ويلقي منسق أعمال الحكومة في المناطق اللوم على وكالات الأمم المتحدة لعدم تقديم المساعدات، ويكتب على "إكس"، "توقف عن اختلاق الأعذار وابدأ في لعب دورك.. هناك الكثير مما يجب القيام به"، لكن مسؤولي الأمم المتحدة يجادلون، بشكل معقول، بأنهم لا يستطيعون إيصال المساعدات إلى المحتاجين بسبب "الانهيار شبه الكامل للقانون والنظام".

وتقول الأمم المتحدة إن غزة أصبحت المكان الأكثر دموية في العالم بالنسبة لعمال الإغاثة الإنسانية، حيث قُتل ما لا يقل عن 250 منهم منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر. 

ومن الممكن أن توفر قوات الدفاع الإسرائيلية، التي غزت غزة لسحق حماس، الأمن لقوافل المساعدات وتوزيع الغذاء والدواء، لكن الجيش الإسرائيلي يرفض القيام بذلك، أو، في هذا الصدد، رفض تولي أي مهام حكومية أخرى في غزة. 

وتتحدى خمس مجموعات إسرائيلية لحقوق الإنسان الآن موقف الحكومة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، بحجة أن الجيش الإسرائيلي ملزم ببذل المزيد من الجهد لضمان وصول الإمدادات الإنسانية إلى الفلسطينيين.

جوهر القضية -المعروضة الآن على المحكمة العليا- يدور حول ما إذا كانت إسرائيل قوة احتلال أم لا، وبموجب القانون الدولي، "تعتبر الأرض محتلة عندما توضع فعلياً تحت سلطة الجيش المعادي"، وعلى سلطة الاحتلال واجب "اتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة وضمان النظام العام والسلامة، قدر الإمكان"، و"توفير الغذاء والرعاية الطبية للسكان".

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن إسرائيل هي قوة احتلال في شمال غزة على الأقل، وبالتالي فإن عليها التزامات بتوفير الأمن والمساعدة للمدنيين الفلسطينيين. 

وترد حكومة نتنياهو بأن الجيش الإسرائيلي لا يمارس "سيطرة فعالة" على أي جزء من قطاع غزة، وبالتالي فإن التزاماته بموجب قوانين الحرب هي فقط تسهيل دخول الإمدادات الإنسانية، وليس التوزيع الفعلي للمساعدات.

قالت المديرة التنفيذية لمنظمة جيشا، وهي إحدى مجموعات حقوق الإنسان التي قدمت الالتماس لي تانيا هاري: "يبدو الأمر أشبه بالتنصل من المسؤولية عن الوضع بشكل عام".

تريد إسرائيل فوائد وجود جيشها في جميع أنحاء قطاع غزة، أي القدرة على مطاردة إرهابيي حماس، لكنها لا تريد تحمل أي من المسؤوليات المرهقة والمكلفة لإدارة قطاع غزة فعلياً.

ولا يريد الفلسطينيون ولا الإسرائيليون أن يروا جيش الدفاع الإسرائيلي يدير غزة على المدى الطويل، وكان الجانبان سعيدين برؤية سيطرة الحكومة العسكرية الإسرائيلية تنتهي في عام 2005 عندما قام رئيس الوزراء آنذاك أرييل شارون بسحب القوات الإسرائيلية والمستوطنين (وهو القرار الذي يندم عليه العديد من الإسرائيليين الآن).

ولا يرغب جيش الدفاع الإسرائيلي في تكرار تجربته في لبنان؛ فقد أدى الغزو الإسرائيلي عام 1982 إلى 18 عاماً من مهمة الاحتلال المكلفة في جنوب لبنان، حيث تعرضت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي لتفجيرات سيارات مفخخة وغيرها من الهجمات الإرهابية.

ولكن رغم رفضها إدارة غزة، فقد استبعدت الحكومة الإسرائيلية أي دور للسلطة الفلسطينية، وهذا القرار يجعل من غير المرجح أن ترسل أي دولة عربية قواتها لتأمين القطاع.

كما سعت الحكومة الإسرائيلية أيضًا إلى تقويض وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي ظلت لعقود من الزمن المزود الرئيسي للخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية في غزة.

وتتهم إسرائيل الأونروا بالتواطؤ مع حماس وتدعي أن بعض موظفيها شاركوا في هجوم 7 أكتوبر، ومن شأن التشريع المعروض الآن في الكنيست أن يصنف الأونروا كمنظمة إرهابية.

ودفعت هذه الاتهامات الولايات المتحدة ومانحين غربيين آخرين إلى قطع التمويل عن الأونروا في يناير، ومنذ ذلك الحين، استأنف العديد من المانحين الرئيسيين للأونروا تمويلهم، ولكن ليس الولايات المتحدة.

وتدعم الولايات المتحدة برنامج الغذاء العالمي وغيره من وكالات المعونة التي تفتقر إلى البنية التحتية الواسعة في غزة التي طورتها الأونروا على مر السنين، ولكن حتى الأونروا تجد صعوبة في العمل اليوم في مثل هذه البيئة الخارجة عن القانون.

وسأل محرر "واشنطن بوست" المحللين في إسرائيل عن النتيجة النهائية في غزة، ويبدو أن لا أحد يعرف، وكان الجواب الأكثر إقناعا هو أن غزة ستحكم من قبل مجموعة من حماس وجيش الدفاع الإسرائيلي، حيث تتولى حماس السيطرة الفعلية على الحكم مرة أخرى، في حين يواصل جيش الدفاع الإسرائيلي غاراته الجوية والتوغلات المنتظمة لمنع الجماعة الإرهابية من أن تصبح قوية للغاية.

وترى الصحيفة الأمريكية، أن هذه وصفة لمزيد من الكوارث الإنسانية، والحروب التي لا نهاية لها، وخلق جيل آخر من الفلسطينيين العازمين على تدمير إسرائيل، إذا كانت إسرائيل راغبة في منع حماس من تجديد نفسها، فيتعين عليها أن تقدم لشعب غزة رؤية بديلة أكثر إيجابية وأملاً للمستقبل.

وسيبدأ ذلك باعتراف الجيش الإسرائيلي بمسؤولياته كقوة احتلال وبذل المزيد من الجهد لتسهيل توزيع المساعدات، علاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن توافق على خريطة طريق طويلة الأمد لإقامة الدولة الفلسطينية، ودعوة قوات حفظ السلام العربية، والوعد بالمساعدة في إعادة بناء غزة، وإطلاق سراح الأموال الفلسطينية المجمدة لصالح السلطة الفلسطينية، وفي النهاية العمل مع قوات الأمن الفلسطينية بعد تجديدها للحفاظ على السلام في غزة.

ولسوء الحظ، بحسب الصحيفة من الصعب أن نتصور حدوث أي من هذا بينما يظل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في السلطة، وبدلاً من ذلك فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في ممارسة السلطة من دون مسؤولية في غزة، الأمر الذي سيضطر الفلسطينيين إلى الدفاع عن أنفسهم وسط الفوضى والعنف.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية