رادوفان كاراديتش.. طبيب وشاعر وقاتل بـ1000 وجه مختلف!

رادوفان كاراديتش.. طبيب وشاعر وقاتل بـ1000 وجه مختلف!
رادوفان كاراديتش

من بين كل أيام التاريخ تظل هناك أيام بعينها سجلاً أسود تفتح ذاكرة مؤلمة لكل من عاصرها أو شهدها وحتى عرف بها، ويزيد من ذاكرة الألم أن تقترن تلك الأيام بجرائم إبادة جماعية ضد أبرياء عزل، ومن بين تلك الأيام 11 يوليو، اليوم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة للتفكر في الإبادة الجماعية التي ارتكبت في سربرنيتسا في عام 1995.

وبعودة الذاكرة إلى الحادي عشر من يوليو عام 1995، وقبل أشهر قليلة من انتهاء الصراع الأهلي الذي احتدم في البوسنة لمدة ثلاث سنوات، بعدما نجحت قوات صرب البوسنة بقيادة راتكو ملاديتش في السيطرة على مدينة سربرنيتسا، وفي الأيام التالية تمت ممارسة أشكال سيئة من العنف ضد السكان المسلمين أدت إلى مقتل نحو 8000 رجل وشاب مسلم.

وصفت المجزرة بأنها الأسوأ في أوروبا منذ الحرب العالمية لعدة عوامل، من بينها عدد الضحايا الذين سقطوا من الأبرياء، وكذلك الطرق البشعة التي ارتكبت بها تلك المجزرة، فلم يفرق مرتكبوها بين شيوخ وأطفال ونساء وكذلك لخرق القرار الأممي الذي كان يعتبر المدينة والمناطق المُحيطة بها كمنطقة آمنة وأن تكون خالية من أي تسليح أو أي عمل عدائي.

تخصيص 11 يوليو كيوم عالمي، والذي وافقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في مايو الماضي وصاغته ألمانيا ورواندا بتأييد 84 صوتاً ومعارضة 19 صوتاً مع امتناع 68 دولة عن التصويت، جاء بهدف تذكر تلك المجزرة.

لكن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش وقبل إقرار الجمعية العامة لليوم العالمي حذر من أن الخطوة “ستعيد فتح جروح قديمة وستسبب فوضى سياسية عارمة” وفي ذات الوقت شدد على أنه لا ينفي وقوع عمليات القتل في سربرنيتسا، مضيفاً أنه ينحني “أمام جميع ضحايا النزاع في البوسنة”.

ومع ذاكرة تلك الأيام يخطر إلى الذهن الأشخاص الذين ساهموا في أعمال القتل والإبادة، وفي هذه المجزرة يبرز دور رادوفان كاراديتش، حيث كان المسؤول عن كسر القرار الأممي الخاص بالمدينة عندما أصدر توجيهاً لقوات صرب البوسنة في ما عرف بالتوجيه 7 من أجل ضرب حصار على المدينة والاستيلاء عليها، وبدأ الهُجوم الصربي ضد سربرنيتسا بشكل جدي في 6 يوليو 1995 وسقطت نقاط المراقبة الخاصة بالأمم المتحدة في المدينة بينما تقدمت قوات صرب البوسنة صوب المدينة وبدأت بأعمال العنف التي استمرت حتى 11 يوليو.

في عام 2019، حُكم على الزعيم الصربي البوسني السابق بالسجن مدى الحياة لدوره في جرائم الحرب العرقية في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 100 ألف شخص ونزوح أكثر من مليوني شخص، حيث أدين بـ 10 تهم، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن بين الجرائم التي عوقب بسببها كانت مجزرة سربرنيتسا.

ولِد كاراديتش في قرية بيتنجيكا الفقيرة في الجبل الأسود في يونيو 1945، وهو العام الذي شهد قيام يوغوسلافيا بقيادة جوزيف بروز تيتو في نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1960 انتقل إلى سراييفو المختلطة عرقياً، حيث درس الطب والتقى زوجته ليليانا، ثم قضى بعد ذلك عاماً في السجن بتهمة النصب.

ومن المفارقات في حياة هذا الرجل ما عرف عنه بأنه كان شاعراً، يعيش أسلوب حياة بوهيمي، وكان لديه أصدقاء مسلمون، وكان يعمل طبيباً نفسياً لفريق كرة قدم، ولم يكن يظهر أي نزعات قومية.

ووصفه طبيبه النفسي عصمت سيريتش قائلاً إنه كان لديه "1000 وجه مختلف" وكان يعاني اضطراباً في الشخصية.

ولم يدخل كاراديتش معترك السياسة ويؤسس الحزب الديمقراطي الصربي القومي إلا في عام 1990، مع انهيار الشيوعية، وسرعان ما عرفت عنه ميوله للسلطة بعد أن نالت البوسنة استقلالها عن يوغوسلافيا عام 1992 في أعقاب استفتاء قاطعه صرب البوسنة، أعلن كاراديتش كياناً صربياً منفصلاً يُعرف باسم جمهورية صرب البوسنة.

وفي الحرب المريرة التي اندلعت مع الحكومة التي يقودها المسلمون في البوسنة أسهم كاراديتش في التطهير العرقي الذي أدى إلى طرد أكثر من مليون شخص غير صربي من ديارهم، وما رافق ذلك من عمليات قتل واغتصاب على نطاق واسع في إطار برنامج مدروس من الإرهاب.

وفي نهاية عام 1995، تم استبعاد الزعيم الصربي من مفاوضات السلام، وبعد اتفاق السلام استقال تحت ضغط المجتمع الدولي، واختبأ كاراديتش لمدة 13 عاماً قبل القبض عليه في النهاية وتسليمه للمحكمة.




ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية