برلمان الأسد.. تمثيل شعبي "نادر" وحضور إيراني "نافذ" وغياب كامل للمعارضة السورية

عقب إجراء الانتخابات الرابعة منذ 2011

برلمان الأسد.. تمثيل شعبي "نادر" وحضور إيراني "نافذ" وغياب كامل للمعارضة السورية

باقتراع يخلو من المفاجآت، أجرت سوريا رابع انتخابات برلمانية منذ اندلاع الثورة في عام 2011، وسط غياب لافت من الناخبين والمرشحين المعارضين واتهامات بتدخلات إيرانية أثرت على سير العملية الانتخابية بحسب تقارير محلية ودولية.

وحرصت إيران على أن تكون حاضرة في مشهد انتخابات مجلس النواب السوري، بل ودعمت مرشحين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما ترفض تحالفات سياسية معارضة تأسست خارج البلاد هذه الانتخابات وتصفها بـ"العبثية".  

بأغلبية محسوبة على حزب "البعث" الذي يتزعمه الرئيس الحالي بشار الأسد، جرت الانتخابات في 8151 مركزا بالمناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري. 

وجرت الانتخابات البرلمانية في سوريا خلال أعوام 2012، و2016، و2020، دون أن تلقى اعترافا غربيا أو من المعارضين السوريين بالخارج، غير أن تلك الجولة الجديدة التي ينتظر أن تسفر عن انتخاب 250 نائبا تأتي بعد استعادة دمشق مقعدها بالجامعة العربية وحضور بشار قمتين عربيتين.

الانتخابات في سوريا بموجب دستور 2012 لها 3 أنواع، انتخابات تشريعية لمجلس الشعب تجري كل 4 سنوات، وانتخابات رئاسية تجري كل 7 سنوات، وهناك أيضًا انتخابات الإدارة المحلية التي تجري كل 4 سنوات.

مخالفات انتخابية

والثلاثاء، نقلت وكالة الأنباء السورية، عن رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات جهاد مراد، قوله: "تقرر إعادة الانتخابات في بعض صناديق الاقتراع في حماة ودرعا واللاذقية، بسبب مخالفات"، وسط حديث عن نتائج محسوبة مسبقة لصالح نظام بشار الأسد دون مفاجآت، مع أغلبية مرشحين مؤيدين له.

بدوره، وصف المرصد السوري لحقوق الإنسان (غير حكومي) المشاركة السياسية في الانتخابات السورية بقوله: "اتسمت بعدم الإقبال وكانت مشاركة خجولة جدا"، وسط حديث عن رصد دفع مكافأة مالية لكل شخص قيمتها 20 ألف ليرة سورية (حوالي دولار أمريكي) مقابل الإدلاء بصوته في صناديق الاقتراع.

وجاء مجمل المشهد اعتياديا ولا يحمل مفاجآت باستثناء مدينة السويداء، والتي وقفت على النقيض وشهدت احتجاجات، ورفعت لافتات مدونا عليا عبارة "لا مكان لهذه العصابة الحاكمة في حاضر السوريين ومستقبلهم.. كفى ارحلوا"، و"لا ينتخب الفاسد إلّا الفاسد، بحسب مقاطع مصورة نشرتها شبكة "السويداء 24" المحلية الإخبارية على منصة "فيسبوك". 

ومنذ نحو عام، تشهد مدينة السويداء احتجاجات أسبوعية، إثر رفع الدعم الرسمي عن الوقود، وتطورت فيما بعد للمطالبة بـ"إسقاط النظام"، وبلغت ذروتها في فبراير الماضي إثر استئناف عملية التسويات الأمنية للمطلوبين للخدمة العسكرية والاحتياطية في مركز داخل المدينة بعد توقف، إذ تخلف عن الخدمة العسكرية بتلك المدينة آلاف الشباب لعدم رغبتهم في استخدام السلاح ضد الشعب لصالح النظام.

وتتسم السويداء بخصوصية، حيث تمكن دروز سوريا طوال سنوات النزاع من تحييد أنفسهم عن تداعياته، إذ لم يحملوا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناءات قليلة، وتخلف عشرات آلاف الشباب عن التجنيد الإجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فقط.

على الجانب المقابل، اتسمت تصريحات رموز النظام السوري بمزيد من التضخيم، إذ قال رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، إن "الانتخابات تمكن كل شرائح المجتمع من التعبير عن حقها".

وأضاف: "كل الأعداء ينظرون إلى هذه الانتخابات وهم في حرقة لأن السوريين يصنعون مستقبلهم بأيديهم".

بينما تحدث وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد بأن دمشق بتلك الانتخابات "دخلت مرحلة جديدة في تاريخها". 

معارضة غائبة

والثلاثاء، قال رئيس هيئة التفاوض السورية المعارض بدر جاموس (مقيم بالخارج) في بيان، إن "انتخابات مجلس الشعب التي أجراها النظام السوري غير شرعية ولا تمثل الشعب السوري"، مشدداً على أنها تخالف القرارات الدولية، وتجري في ظل دستور شمولي، وتستثني ملايين السوريين في الخارج من التصويت.

وأضاف جاموس: "السوريون يُدفعون للمشاركة في اختيار نواب لمجلس شعب مسلوب الإرادة والحرية، ولا تهمه أصوات ملايين السوريين المطالبين بالحرية والديمقراطية والتغيير السياسي، ويتجاهلون صرخات واستغاثات آلاف النازحين والمهجرين واللاجئين، ويغضون الطرف عن ملايين الضحايا ومئات آلاف المعتقلين والمختفين قسرياً".

وبحسب جاموس، فإن أكثر من نصف الشعب السوري نازح ومهجر ولاجئ، ولا يستطيع المشاركة في انتخابات مجلس الشعب، والنصف الآخر في الداخل يعاني من مشكلات ومصائب اقتصادية وأمنية واجتماعية، ويعيش على حافة الفقر والشقاء.

وتابع: "لا يمكن أن يشارك أكثر من 5 بالمئة من السوريين في الانتخابات تحت ضغط الخوف من الأجهزة الأمنية (..) إلى جانب غياب أي رقابة قضائية أو رقابة من منظمات محلية أو دولية، لكن سيقول النظام كعادته إن نسبة المشاركة عالية جداً".

وشدد المعارض السوري على أنه "لا يمكن بأي شكل من الأشكال اعتبار انتخابات مجلس الشعب الحالية شرعية، فهي تُخالف القرارات الدولية التي يجب على النظام الالتزام بها، وتخلو من برامج انتخابية ومن الشفافية، وتُمنع وسائل الإعلام الحرّة من مراقبتها، كما لا يُسمح لأي جهة أن تُشرف عليها وتراقبها لتضمن عدم التزوير".

وبشأن مستقبل ذلك الاقتراع ومستقبل التحول السياسي، قال بدر جاموس: "لا يمكن أن يحدث أي تغيير على تركيبة ودور وأداء وفعالية مجلس الشعب طالما أن النظام السوري يرفض الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، ويرفض تغيير الدستور، وإصلاح القوانين، ولا يقبل بكف يد الأجهزة الأمنية والقصر الرئاسي عن التحكم بالانتخابات، ويرفض مراقبة دولية حيادية للانتخابات".

والقرار 2254 يؤكد بشكل واضح وصريح أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية يجب أن تجري في سياق العملية السياسية، بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي ذات مصداقية تشمل الجميع، ولا تقوم على الطائفية.

ويشمل القرار أيضا تحديد جدول زمني لعملية صياغة دستور جديد، تجري بعدها انتخابات حرة ونزيهة عملاً بالدستور الجديد بإشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر.

أصابع إيرانية

وتشير تقارير محلية ودولية إلى تدخل إيران في الانتخابات البرلمانية السورية، حيث أصدر المرصد السوري لحقوق الإنسان (غير حكومي) تقريرا بعنوان: "المرشحون لانتخابات مجلس الشعب في حمص.. تجار مخدرات وقادة مليشيات موالية لإيران".

وكشف المرصد الحقوقي أنه "ضمن مدينة الرستن شمال حمص ترشح (خير الله عبدالباري) أحد أبرز الشخصيات المدعومة من قبل إيران والمسؤول عن فوج التدخل السريع التابع للواء 47 الذي تديره مليشيا الحرس الثوري الإيراني".

وأضاف أن "خير الله عبدالباري هو مثال حي عن أعضاء مجلس الشعب التابع للنظام والذي بات يضم قادة المليشيات وتجار الأسلحة بهدف الحصول على حصانة سياسية تضمن عدم ملاحقتهم على الصعيد الأمني واستمرار أعمالهم غير القانونية".

ومن جانبه، قال رئيس مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية، عبدالله الأسعد: إن "الشعب السوري أمام طامة كبرى، بعد أن كان الاختيار سابقا للمصفقين والفاسدين صارت الاختيارات حاليا للشبيحة القتلة الذين من الناحية القانونية لا يجوز لهم الترشح خاصة وأيدهم لا تزال ملطخة بدماء السوريين الذين استشهدوا دفاعا عن ثورتهم".

وأضاف الأسعد في تصريح خاص لـ"جسور بوست" أن "برلمان بشار الأسد سواء أجرى الانتخابات أو تجمل بإعادة بعضها، في النهاية لا يحمل أي صبغة تمثيل للشعب السوري نهائيا، بينما الأوضاع السياسية المتوقعة تبقى على وضعية احتكار حزب البعث للحياة السياسية، وجلب قادة مليشيات للمجالس النيابية للدفاع عن النظام وسياساته التخريبية الإجرامية في البلاد".

عبد الله الأسعد

ولا يعترف الأسعد بهذا الاقتراع أو النتائج المحسومة المترتبة عليه، مجددا حديثه بأن "الشعب السوري غير ممثل بتلك المسرحية التي شهدت ترشح قادة المليشيات الموالية لبشار الأسد وتجار الموت"، مؤكدا أن "قادة مليشيات وأفرع أمنية يترشحون لانتخابات مجلس الشعب".

ويقول مراقبون إن الدفع بمرشحين موالين لإيران إلى انتخابات مجلس الشعب يهدف السيطرة على القرار السوري، حيث لا تكتفي طهران بتوسيع نفوذها عبر إرسال قيادات في "فيلق القدس" و"الحرس الثوري" الإيراني عبر تسميتهم "مستشارين"، إلى جانب تشكيل مليشيات شيعية باكستانية وأفغانية ونشرها في سوريا للدفاع عن مصالحها بحجة الدفاع عن مراقد مقدسة.

بموجب الدستور السوري عام 2012، لمجلس الشعب صلاحيات إقرار الموازنة العامة، وإعلان الحرب والسلم، والتصديق على المعاهدات الخارجية، وله سلطة رقابية على الحكومة من خلال مساءلة الوزراء، وحجب الثقة عن أحدهم أو الحكومة برمتها.

ويمثل مجلس الشعب السوري السلطة التشريعية في البلاد، غير أن رئيس الجمهورية يقاسمه السلطة من خلال إصدار المراسيم التشريعية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية