"واشنطن بوست": 4 أيام تثير المخاوف من اقتراب الكوكب لـ"نقاط التحول"
هي الأكثر حرارة على الإطلاق
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى أعلى مستوياتها في التاريخ المسجل يوم الاثنين، كانت سيارات الإسعاف في شوارع طوكيو، تحمل عشرات الأشخاص الذين انهاروا وسط موجة حر لا هوادة فيها، وكان إعصار وحشي يخرج من المياه الحارقة للمحيط الهادئ، والتي كانت أكثر دفئًا بعدة درجات من المعتاد، فيما فر الآلاف من المصطافين في بلدة "جاسبر" في كندا، من ألسنة اللهب الناجمة عن حرائق الغابات.
ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، بحلول نهاية الأسبوع -الذي شهد الأيام الأربعة الأكثر حرارة التي لاحظها العلماء على الإطلاق- لقي العشرات حتفهم في مياه الفيضانات الهائجة والانهيارات الطينية الضخمة الناجمة عن إعصار جايمي، وتحول نصف جاسبر إلى رماد.
تحمل حوالي 3.6 مليار شخص حول الكوكب درجات حرارة كانت لتكون نادرة للغاية في عالم بدون حرق الوقود الأحفوري وغيره من الأنشطة البشرية، وفقًا لتحليل أجراه علماء في مجموعة كلايمت سنترال.
وكانت درجات الحرارة العالمية غير العادية هذه بمثابة تتويج لسلسلة غير مسبوقة من درجات الحرارة العالمية الساخنة التي أذهلت حتى الباحثين الذين قضوا حياتهم المهنية بأكملها في دراسة تغير المناخ.
منذ يوليو الماضي، تجاوز متوسط درجة حرارة الأرض باستمرار 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الصناعة، وهو خرق قصير المدى لعتبة يقول العلماء إنه لا يمكن تجاوزها إذا كان العالم يأمل في تجنب أسوأ عواقب الانحباس الحراري الكوكبي.
أظهر هذا "الطعم" لعالم بدرجة حرارة 1.5 درجة كيف يمكن للأنظمة الطبيعية التي يعتمد عليها البشر أن تنحني وسط درجات الحرارة المرتفعة، كما قال يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا.
وأظهرت الغابات قدرة أقل على سحب الكربون من الغلاف الجوي، تقلص الجليد البحري حول القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوياته القياسية تقريبًا، وأصبح تبييض المرجان شديدا لدرجة أن العلماء اضطروا إلى تغيير مقياسهم لقياسه.
وبينما يتوقع العلماء نهاية الفترة القياسية الحالية، فإنهم يحذرون من أنه قد يكون من الصعب على أجزاء من الكوكب التعافي من حرارة العام الماضي.
وقال "روكستروم": "إن الأحداث المتطرفة التي نشهدها الآن هي مؤشرات على ضعف قدرة هذه الأنظمة على الصمود.. لا يمكننا المخاطرة بدفع هذا الأمر إلى أبعد من ذلك".
تأتي الأرقام القياسية المحطمة هذا الأسبوع في أعقاب 13 شهرا متتاليا من درجات الحرارة غير المسبوقة، والتي يغذيها جزئيا تحول الكوكب إلى نمط مناخ النينيو، والذي يميل إلى تسخين المحيطات، فضلا عن التلوث الناجم عن حرق الفحم والنفط والغاز.
واقترب الاحترار من ذروته يوم الأحد، عندما أظهرت البيانات الصادرة عن خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ، وهي هيئة مراقبة المناخ الأوروبية، أن متوسط درجة الحرارة العالمية تجاوز الرقم القياسي الذي تم تسجيله قبل أكثر من عام بقليل.
ولكن المعيار الجديد لم يصمد سوى لمدة 24 ساعة، حيث سجلت درجة الحرارة يوم الاثنين 17.16 درجة مئوية (62.89 درجة فهرنهايت) وهي درجة تاريخية، وكان يوم الثلاثاء هو ثاني أكثر الأيام حرارة على الإطلاق، وتعادل يوم الأربعاء مع يوم الأحد باعتباره ثالث أكثر الأيام حرارة.
ورغم أن هذه الأرقام قد لا تبدو متطرفة، فإنها تمثل متوسط آلاف نقاط البيانات المأخوذة من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، في الأماكن التي تشهد الشتاء وكذلك تلك التي تشهد منتصف الصيف.
وقد تم توليد البيانات الأولية باستخدام نوع متطور من التحليل يجمع بين ملاحظات الطقس العالمية ونموذج مناخي متطور، وهي الطريقة التي قال باحثون خارجيون إن كوبرنيكوس موثوق بها للغاية.
وتغمر الحرارة محيطات العالم، وتُظهِر بيانات كوبرنيكوس أن المياه المحيطة بتايوان أعلى من المعتاد بدرجتين إلى 3 درجات مئوية (3.6 إلى 5.4 درجة فهرنهايت)، مما ساعد في تأجيج الدمار الذي أحدثه إعصار جايمي.
وتشير الأبحاث إلى أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات يعطي المزيد من القوة للأعاصير المدارية، في حين أن الغلاف الجوي الأكثر دفئًا يمكن أن يحتفظ بمزيد من المياه، وبالتالي ينتج المزيد من الأمطار.
وفي الوقت نفسه، سجلت ما يقرب من 2000 محطة أرصاد جوية حول العالم أرقامًا قياسية جديدة لدرجات الحرارة المرتفعة اليومية على مدار الأيام السبعة الماضية، وفقًا للمراكز الوطنية للمعلومات البيئية.
ورغم أن العلماء لم يحددوا بعد دور الاحتباس الحراري في جميع الأحداث المتطرفة هذا العام، فإن هناك أدلة وفيرة على أن موجات الحر والعواصف والحرائق أصبحت أكثر تواترًا وكثافة بسبب تغير المناخ.
قام العلماء بتقدير درجة حرارة الأرض المتوسطة استناداً إلى ملاحظات يرجع تاريخها إلى عام 1850، ويقومون الآن بقياسها من خلال سحب البيانات من أكثر من 20 ألف محطة أرضية بالإضافة إلى قراءات من السفن والعوامات حول العالم.
ولتوضيح شدة حرارة الأرض الحالية، لجأ باحثون آخرون إلى ماضي الكوكب، ومن خلال دراسة حلقات الأشجار ورواسب البحيرات وغيرها من سجلات المناخ القديم، حدد باحثو المناخ القديم أن العالم من المرجح أن يكون الآن أكثر دفئًا مما كان عليه منذ أكثر من 100 ألف عام، منذ ما قبل بداية العصر الجليدي الأخير.
تواجه البشرية ظروفًا لا تشبه أي شيء عرفه جنسنا من قبل، وفقًا لتحليل مركز المناخ للفترة التي استمرت 5 أيام وانتهت يوم الجمعة، شهد ما يقرب من نصف الكوكب يومًا واحدًا على الأقل من "الحرارة الاستثنائية"، درجات حرارة كانت لتكون نادرة أو حتى مستحيلة في عالم بدون تغير المناخ.