"أمجاد يا عرب".. سيف المكفوفين ودرعهم لكسر حواجز الظلام
"أمجاد يا عرب".. سيف المكفوفين ودرعهم لكسر حواجز الظلام
مصري: بفضلها نعرف كل جديد في مجال الإعاقة ونرغب في السفر واللقاء ولكن أغلبنا مادياته لا تسمح بذلك
يمني: الكفيف في اليمن ما زال مهمشًا من جميع حقوقه والقوانين حبر على ورق ولذا نلجأ إلى الجهود الذاتية والاهتمام بالمبادرات
عماني: الجمعيات الخاصة بالمكفوفين جيدة لكنها تحتاج إلى متابعة واهتمام أكثر ولا بد من المطالبة بحقوقنا
سودانية: نتعامل بشكل جيد ونحظى باهتمام.. ولتسهيل عملية التعليم علينا استحداث بعض الأمور كإدخال طريقة "برايل" لجميع مراحل التعليم
فلسطيني: أجد في هذه المجموعة عزاء عن خسائر كثيرة حصدتها بمراحل حياتي المختلفة.. حيث هنا الجميع مثلك
مغربية: وجودي في المجموعة كما لو كنت بعائلتي أشعر معهم بالألفة واكتسبت أخوة وأصدقاء وخبرات مختلفة ونصائح جيدة
من الضروري أن يتحرر الإنسان من الإعاقة، حتى يُقبل على الحياة، وعليه أن يمتلك الإرادة فهي تصنع المعجزات، وأن يعرف كيف يوظف مداركه وأحاسيسه، فالعلماء يؤكدون أن جسم الإنسان يمتلك العديد من الحواس التي تعوضه عن حاسة فقدها أو ولد من دونها.
ما سبق عقيدة راسخة آمن بها علاء عبدالحليم، عضو الهيئة الإدارية العليا بالمنظمة العربية للمكفوفين، ورئيس جمعية المكفوفين المصرية. فلسفة دفعته لتدشين مبادرة" أمجاد يا عرب"، لتجميع المكفوفين من جميع بلدان الوطن العربي، وكسر حواجز ظلام فرضته عليهم الحياة، والانطلاق إلى عالم أوسع لا يعترف بالحواجز ولا معنى فيه لكلمة إعاقة.
أمجاد يا عرب، عالم خاص، كشف أسراره لـ"جسور بوست"، صاحب المبادرة، والتي تضم معظم بلدان الوطن العربي، منها الأردن والكويت والمغرب والسودان واليمن، والسعودية ومصر والإمارات وغيرها، وسيلتهم في التواصل الموقع الشهير "واتساب".
تستهدف استعراض أمجاد وتميز العرب في جميع المجالات، إبراز النماذج الإيجابية والناجحة من ذوي الإعاقة لتبادل الاستفادة، مناقشة ونشر واستعراض كل ما هو جديد في مجال ذوي الإعاقة تشريعيًا وتدريبيًا، بالإضافة إلى نقل الأحداث والفاعليات التي تُقام بحق هذه الفئة عن طريق المراسلين من الأعضاء في كل مكان، كذلك الاطلاع على الثقافات وإقرار مبدأ الصداقة بين الشعوب، والتشجيع على اكتشاف المواهب والقدرات الخاصة والإبداع، وتقديم الاستشارات التقنية والصحية والأسرية، وكل ما يخص عالم المكفوفين، والتسلية والترفيه.
ولهذا المبادرة ضوابط، منها عدم الوصم أو التمييز، أو الجدل في الشؤون الدينية والسياسية ونبذ التعصب بجميع أشكاله، وتقبل الرأي والرأي الآخر، على أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية للحديث، أيضًا عدم اقتحام خصوصية الأفراد على الخاص إلا بإذن مسبق على العام، لكل عضو إرسال ثلاثة منشورات بحد أقصى يوميًا، ويتم استبعاد العضو غير الملتزم بهذه المعايير من المبادرة إذا ارتكب ثلاثة أخطاء.
ويبلغ عدد المكفوفين في العالم حاليًا، وفقًا للاتحاد العالمي للمكفوفين نحو 39 مليون شخص، وعدد ضعاف البصر، أي الذين لديهم درجة الرؤية محدودة في إحدى العينين، 285 مليون شخص، و90% من المكفوفين وضعاف البصر يعيشون في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض؛ الهند في المقدمة تليها إفريقيا ثم العالم العربي والصين.
تقارب وورش عمل وتَعَلُّم
حرمت الأقدار أشخاصًا من نعمة البصر، لكنهم وجدوا في هذه الدنيا بدائل تمهد لهم المسار وتنير لهم الطريق، يقول علاء عبدالحليم: "استطعت من خلال وجودي كعضو في الهيئة الإدارية العليا بالمنظمة العربية للمكفوفين من زيارات معظم الدول العربية، ومن خلال مشاركتي بأوراق بحثية في العديد من المؤتمرات الدولية، مثل ملتقى تمكين المرأة العربية الكفيفة بالحياة الاجتماعية، تحت رعاية معهد المرأة للتنمية والسلام بالكويت، جميع ذلك مكنني من الالتقاء بمكفوفين كثيرين من جميع الدول، فأخبرت نفسي لمَ لا نتقارب ونتبادل الثقافات، فدشنت مجموعة "أمجاد يا عرب" على "واتساب"، ودعيت إليها الأصدقاء، والأصدقاء أرسلوا بدورهم دعوات لآخرين، ثم نظمنا أيام الأسبوع، يوم نتحدث فيه عن ثقافة دولة، ويوم لمن لديه موهبة الشعر، ويوم لمناقشه المشاكل الاجتماعية واقتراح الحلول وتقديم استشارات قانونية إذا لزم الأمر، ويوم نسلط الضوء على الزواج أو الأمثال الشعبية، ويوم للموسيقى وهكذا، وعندما يكون لدى أحدنا ندوة أو احتفال، ينقل للمجموعة من خلال بث مباشر فقرات فنية".
يؤمن عبدالحليم بأن المعاناة تبني ولا تهد تخلق الإنسان ولا تعيقه، ما يعيق الإنسان ليس فقدان البصر، وإنما فقدان البصيرة، والاستسلام دون نضال، يتابع:" صممت ورش عمل للتدريب على كيفية تواصل الكفيف مع الأصم، عن طريق خلق لغة بينهما للتواصل، وأخرى عن ثقافة الألوان وهندمة الملابس وتنظيمها، وكذلك أقمنا تدريبًا للفتيات عن "فن المكياج"، لدينا كفيفات رائدات في المطبخ، لدينا في المجموعة خبراء تقنيون، يقدمون استشارات فنية، المجموعة قربتنا من بعض، وبفضلها نعرف كل جديد في مجال الإعاقة ونرغب يومًا في السفر إلى دولة محايدة لنلتقي ولكن أغلبنا مادياته لا تسمح بذلك.
وعن أعضاء المجموعة يضيف عبدالحليم: "لدينا أستاذ الجامعة والفنانون، والمدرسون والموسيقيون، ومن يصلح الثلاجة والميكانيكي، ومن يرسمون على الزجاج، أشخاص متميزون في مجالاتهم وموهوبون".
ويضيف: "تُعد الإمارات والسعودية من ضمن الدول التي أولت الاهتمام بالمكفوفين، حيث تقيم معارض تقنية خاصة بأجهزة المكفوفين، كما اخترعت الحذاء الذكي لهذا الفئة، وتستضيف دول وتقيم مهرجانات، وتقدم منحاً دراسية ومادية لمشروعات تساندهم في هذه الحياة"
وفي السودان، المكفوفون يأخذون وضعهم، حيث لا مانع من انتسابهم إلى برامج الإذاعة والتليفزيون، أيضًا الكويت رغم أن لديها جمعية واحدة للمكفوفين "جمعية المكفوفين الدولية" إلا أنها تساعد وتوفر كل ما يلزم".
تجارب متنوعة من دول مختلفة
جمعت المبادرة جنسيات عربية كثيرة، عوض بن رجب من سلطنة عمان وأحد مسؤولي جمعيات المكفوفين بها يقول: "مجموعة أمجاد يا عرب مجموعة ثقافية نتناول فيها المعلومات في شتى المجالات، واستفاد منها كثير لتنوعها، وهي راقية ونشيطة من مهارات الأعضاء العملية ومن معرفة عادات الشعوب، هي مجموعة مليئة بالعطاء، في سلطنة عمان الجمعيات الخاصة بالمكفوفين جيدة ولكن في بعض الأمور تحتاج إلى متابعة واهتمام أكثر، ولا بد لنا من المطالبة بتلك الحقوق وما يحتاجه في المجتمع، وبالسعي تتحقق طموحاتنا من هذه الجمعيات، وما نرغب فيه حقًا وجود تعاون بين جمعيات الوطن العربي الخاصة بالمكفوفين لتحقيق استفادة أكبر"
ومن دولة اليمن يشارك سعيد بن مُنذ بصوت رصين فيضيف: "يعيش الكفيف في اليمن يمارس حياته الطبيعية ولكن ما زال مهمشًا من جميع حقوقه، حيث لدينا القوانين مجرد حبر على ورق ولا تُنفذ ولذا نلجأ إلى الجهود الذاتية والاهتمام بالمبادرات، مجموعة أمجاد يا عرب هي مد جسور التواصل بين المكفوفين العرب، نناقش فيها المشاكل ونسعى لحلها كما نتبادل الخبرات كما لو كانت ملتقى عربياً أصيلاً".
المكفوفون في السودان تتحدث عنهم ندى السودانية: "يعيشون في حال جيدة نُعرف بالمنظمات وما تقدمه من خدمات حيث يتعاملون معنا بمفهوم الأسرة، حيث نحظى باهتمام ومساندات بشكل مميز، ولتسهيل عملية التعليم علينا، استحدثت بعض الأمور كإدخال طريقة "برايل" إلى جميع مراحل التعليم حتى الجامعي".
إياد من فلسطين يروي قصته: "في فلسطين كان لدينا أملاك ووضعنا جيد، أهلي يعملون في الزراعة وعندما انتقلنا إلى سوريا فقدنا كل شيء، فنشأت فقيرًا وخلقت ضعيف البصر وراثة عن والدي، ولم أكن أشعر في البداية بهذا النقص، وكنت ألعب مع الأطفال جميع الألعاب بشكل طبيعي، لكن كانت لدي مشكلة مع الليل لا أرى فيه ولا ألعب، وكنت أقود الدراجة فأسقط فيخبرني كبار السن بألّا أنظر إلى الأمام، ولكن عليًّ أن أنظر إلى موضع قدمي، ولكني عندما نفذت وصيتهم كنت اصطدم بحائط أو شجرة وأسقط، طفولتي قبل المدرسة كانت في "دومة" وتبعد عن دمشق بخمسة عشر كيلو متراً، وكنت أجد صعوبة شديدة في الذهاب إلى المدرسة، فقدت بصري كلية، وكبرت وأجد في هذه المجموعة عزاء عن خسائر كثيرة حصدتها بمراحل حياتي المختلفة، حيث هنا الجميع مثلك".
وعن تجربة دولة المغرب عن المكفوفين تقول عائشة أحمد: "لدينا منظمات كثيرة تهتم بالمكفوفين وبكل ما يتعلق بهم، تساعدنا تلك الأمور في ممارسة حياتنا بشكل جيد، ووجودي بهذه المجموعة كما لو كنت بعائلتي أشعر معهم بالألفة واكتسبت أخوة وأصدقاء وخبرات مختلفة ونصائح جيدة".
العالم يستمع لوجهات نظر المكفوفين
رغم ما يعانونه، لم ينسَ العالم المكفوفين أبدًا ولن ينساهم، فكثيرة هي المحاولات التي يقدمها لفئة المكفوفين، ففي مصر منذ فترة قريبة حاولت مؤسسة "أخبار اليوم" الصحافية إصدار مجلة فصلية مطبوعة بحروف برايل، ربما هي أول مبادرة عربية في هذا المجال الفريد الذي تدعمه الدولة. وهذه المجلة لا توزع في أكشاك الصحف وإنما تُرسل إلى الجمعيات الخيرية والمكتبات العامة والمدارس.
وكانت هناك محاولات فردية سابقة في مصر لإصدار مطبوعات للأطفال المكفوفين بطريقة برايل تكون الصور فيها ذات ملامح ملموسة.
وفي المملكة العربية السعودية ابتكر فريق عمل سعودي أول مصحف إلكتروني للمكفوفين في العالم.
وهو جهاز لوحي يخزن القرآن الكريم كاملاً، ويُحول أحرف برايل الثابتة إلى أحرف متحركة تتشكل حسب الحرف والصفحة.
ومن المجلات العالمية الشهيرة التي أصدرت نسخة دورية خاصة لذوي الاحتياجات البصرية مجلة "ريدرز دايجست" الأميركية المتخصصة بالقصص الشخصية والأحداث الغريبة والتجارب الإنسانية، ومجلة "سفنتين" الموجّهة للشباب والشابات، ومجلة للنكات والطرائف.
ربما كانت الولايات المتحدة وبريطانيا أكبر دولتين تصدر فيهما مجلات للمكفوفين وهي تضم تشكيلة من مختلف الاختصاصات والأعمار، منها مجلات للأطفال تحت تسميات "الانطلاق" و"الآنسة الصغيرة" و"النقاء"، وهذه الأخيرة للمراهقات بين سن 16 و19 سنة تتناول موضوعات الفن والأزياء والصحة والجمال.
وفي مجال العلوم والتقنيات هناك مجلتا "تكنولوجيا المعلومات" و"الحاسوب". ولرجال المال والأعمال والاستثمار المكفوفين مجلة اسمها "شؤون مالية" وهي متوفرة أيضاً على أسطوانة (CD)، ولهواة التسوق من المكفوفين مجلة «شوب وندو» وتعني «الفاترينة»، وتقدم أفضل العروض والهدايا، وهي متوفرة على (CD)، ولهواة الشطرنج مجلة خاصة لتعليم مهارات وخدع الشطرنج للمبتدئين والمحترفين من المكفوفين.
وفي نفس المجال ثمة مجلة اسمها "اللغز" متخصصة في الألعاب الفكرية والألغاز والكلمات المتقاطعة والسودوكو.
وإحدى مجلات برايل اسمها "تَقَدُّم" متخصصة في الطبخ، خصوصاً أن هناك قناعة لدى الطباخين بأن المكفوفين أفضل من المبصرين في التذوق، لأن كثيراً من المبصرين يتذوقون بعيونهم الألوان والتزويق بينما يهتم المكفوفون بالطعام مباشرة! وكما في بلداننا العربية فإن كثيراً من الموسيقيين الأجانب مكفوفون، ولأجلهم تم إصدار عدة مجلات متخصصة في هذا المجال منها «الموسيقى بطريقة برايل» للموسيقيين الهواة والمحترفين. ومجلة «المتفائل» عن موسيقى الجاز والروك والبوب، ومجلة "نغمات البيانو".
قبل سبعين عاماً عينت مصر وزيرًا، حين اختارت الأديب الكفيف الشهير طه حسين وزيراً للمعارف في حكومة مصطفى النحاس قبل ثورة 23 يوليو 1952.
وهناك اهتمام نوعي في الجانب الفني بفئة المكفوفين، فقد روت السينما المصرية قصص بعض المكفوفين مثل "أمير الظلام" بطولة عادل إمام، و"الشموع السوداء" بطولة لاعب كرة القدم الراحل صالح سليم ونجاة الصغيرة، و"الكيت كات" بطولة محمود عبدالعزيز، و"جسر الخالدين" بطولة سميرة أحمد وشكري سرحان، ويروي هذا الفيلم معاناة فتاة ضريرة اعتمدت على نفسها في الحياة.
كان قارئ التواشيح والمناقب النبوية ومجالس التعزية العراقي المميز عبدالستار الطيار رجلاً كفيفاً ضاحكاً ساخراً.
وكان يجلس في خمسينيات القرن الماضي باستمرار على رصيف أحد مقاهي بغداد الشعبية في منطقة ساحة الخلاني ويطلب من صبي المقهى أن ينبهه حين تمر من أمامه فتاة جميلة ترتدي العباءة السوداء البغدادية ليقول بصوت مسموع: تبارك الخالق في ما خلق.
لَسْتُ أَعْمَى
قصيدة كتبها منصور ميرزا محفوظ معلم اللغة العربية في المعهد السعودي البحريني للمكفوفين، أحد أعضاء المبادرة:
وَقَالُوا قَدْ عَمِيْتَ فَقُلْتُ: كَلَّا؛ * فَإِنِّي الْيْوْمَ أَبْصَرُ مِنْ بَصِيْرِ
أَرَى الْأَشْيَاءَ مِنْ قَلْبِي وَرُوْحِي * هُمَا فِي ظُلْمَةِ الدُّنْيَا بُدُوْرِي
فَعَيْنُ الْقَلْبِ عَيْنُ النُّوْرِ حَقًا * وَيَعْمَى مَنْ طَفَا نُوْرَ الضَّمِيْرِ
أَلَمْ يَقُلْ الْحَكِيْمُ بِآيِّ نُوْرٍ * وَلَكِنْ تَعْمَى أَفْئِدَةُ الصُّدُوْرِ
فَكَمْ مِنْ مَالِكٍ بَصَرًا حَدِيْدًا * يُسَاوِي بَيْنَ دَيْجُوْرٍ وَنوْرِ
أَرَى الْأَشْيَاَءَ مِنْ سَمْعٍ رَهِيْفٍ * بِهِ قَدْ نِلْتُ مِنْ عِلْمٍ وَفِيْرِ
وَأَسْمَعُ كُلَّ مَا يَحْلُو وَيَهْدِي؛ * فَأَحْيَى بِالسَّعَادَةِ وَالْحُبُوْرِ
وَأَعْرِفُ كُلَّ مَنْ حَوْلِي بِسَمْعِي * فَلِلَّهِ الْكَرِيْمِ مَدَى الشُّكُوْرِ
فَإِنَّ السَّمْعَ عِنْدِي لَا يُضَاهَى * فَلَا سَمْعٌ لِسَمْعِيَ مِنْ نَظِيْرِ
بِلَمْسِي أَقْرَأُ الْكُتَبَ الْكِثَارَ * فَتُغْنِيْنِي مِن الْأَدَبِ الْمُنِيْرِ
بِلَمْسِي أَعْرِفُ الْأَشْكَالَ طُرَّا * أُمَيِّزُ بَيْنَ خَشْنٍ وَالْحَرِيْرِ
بِلَمْسِي أَعْرِفُ الْأَشْخَاصَ أَيْضًا * أُصَافِحُهُم وَفَيْضُ الْحُبِّ يَجْرِي
بِلَمْسِي أَمْسَحُ الظَّلْمَاءَ عَنِّي * فَيَبْدُو النُّوْرُ فِي أَلَقٍ نَضِيْرِ
فَلَمْسِي فَيْضُ نَبْعٍ مِنْ عُلُوْمٍ * يُرَوِّيْنِي مَن الْعَذْبِ النَّمِيْرِ
وَبِالْحَاسُوْبِ أُجْري كُلَّ بَحْثِي * غَدَا الْحَاسُوْبُ ذَا نُطْقٍ جَهِيْرِ
يُمَكِّنُ كُلَّ مَنْ فَقَدَ الْعُيُوْنَ * مِن التَّرْحَالِ فِي الظَّلْمَا بِنُوْرِ
بِهِ الْمَكْفُوْفُ لَمْ يَغْدُ كَفِيفًا؛ * يُنَافِسُ فِيْهِ ذَا الطَّرْفِ الْبَصِيْرِ
بِهِ أَقْرَا وَأَكْتُبُ كُلَّ دَرْسِي * بِهِ أَصْبَحْتُ ذَا عِلْمٍ كَثِيْرِ
فَذَا الْحَاسُوْبُ سَهَّلَ لِي أُمُوْرًا * عَلَيْهَا قَبْلُ لَمْ أَكُ بِالقَدِيْرِ
بِهِ طَوَّفْتُ فِي أُفُقِ الْمَعَالِي * وَعُدْتُ مُبَجَّلًا مِثْلَ الْأَمِيْرِ
وَهَا أَنَا قَدْ كَتَبْتُ قَصِيْدَ شِعْرِي * بِذَا الْحَاسُوْبِ مِنْ فَيْضِ الشُّعُوْرِ
بِلَا عَوْنٍ مِن الْأَصْحَابِ حَوْلِي * كَتَبْتُ قَصِيْدَتِي مِثْلَ الْبَصِيْرِ
وَعِنْدِي هَاتِفٌ بِالنُّطْقِ يَحْكِي * لِيَ الْأَخْبَارَ يَقَرَأُ كُلَّ سِفْرِ
أُنَاغِي فِيْهِ أَحْبَابِي بِوُدٍّ *وَأَسْمَعُ حَرْفَهُم مِنْ كُلِّ قُطْرِ
وَأُهْدِيْهِم بِهِ أَحْلَى الْمَعَانِي * فَيَعْبَقُ حُبُّنَا مِثْلَ الزُّهُوْرِ
ذَكِيٌّ هَاتِفِي يَا صَحْبُ حُلْوٌ * أَنِيْسٌ شَائِقٌ مِثْلُ السَّمِيْرِ
غَدَا لِي بَيْنَ أَصْحَابِي وَبَيْنِي * يُبَلِّغُ حُبَّنَا مِثْلَ السَّفِيْرِ
وَفِي الطُّرُقَاتِ أَمْشِي كُلَّ يَوْمٍ * بِلَا عَوْنٍ صَغِيْرٍ أَو كَبِيْرِ
عَصَايَ هِيَ الدَّلِيْلُ بِكُلِّ دَرْبٍ * بِهَا أَمْشِي سَلِيْمًا فِي سُرُوْرِ
أَمَانِي فِي عَصَاي بِكُلِّ خَطْوِي * تَقِيْنِي الْعَائِقَاتِ مَعَ الشُّرُوْرِ
أَهُشُّ بِهَا عَلَى الْعَقَبَاتِ دَرْءً * لِأَسْلُكَ فِي الطَّرِيْقِ مَعَ الْعُبُوْرِ
وَبِالْقَلْبِ الْبَصِيْرِ أَرَى طَرِيْقِي * أَنَا بِالْقَلْبِ فِي حَالٍ قَرِيْرِ
فَهَذَا الْعِلْمُ ذَلَّلَ لِي صِعَابًا * لِأَمْضِي عَارِفًا حَقًا مَسَيْرِي
حَبَانِي الْعِلْمُ آلَاتٍ كِثَارًا * بِهَا فِي الْعِلْمِ أَسْمُو كَالطُّيُوْرِ
فَأَنْسَانِي عَمَايَ وَكُلَّ كَرْبِي * بِفَضْلِ الْعَالِمِيْنَ أُولِي الشُّعُوْرِ
فَذِي الْآلَاتُ لِي حَقًا عُيُوْنٌ * بِهَا فِي النَّاسِ أَحْيَا كَالنُّسُوْرِ.
فَلَا أَخْشَى الْعِثَارَ بِكُلِّ دَرْبٍ * فَإِنَّ الْخَالِقَ الْأَعْلَى نَصِيْري
يُعَرِّفُنِي الْهِدَايَةَ كُلَّ حِيْنٍ * فَشُكْرًا يَا كَرِيْمُ مَدَى الْعُصُوْرِ
كِثَارٌ أَنْعُمُ الْمَنَّانِ عِنْدِي * بِهَا تَزْهُو الْمُنَى كَالْجُلَّنَارِ
وَإِنِّي الْيَوْمَ لَا أَشْكُو ظَلَامًا * أَنَا شَكْوَايَ مِنْ نُكْرِ النَّكُوْرِ
فَيَا أَهْلَ الْبَصَائِرِ، بَعْدَ هَذَا * أُكَنَّى عَنْدَكُم بِأَبِي بَصِيْرِ!
وَيَا صَحْبِي الْكِرَامُ، أَلَيْسَ ظُلْمًا * أُسَمَّى عِنْدَكُم بِأَخٍ ضَرِيْرِ؟!
وَقُلْتُم: "قَدْ عَمِيْتَ؛ فَقُلْتُ: كَلَّا؛ * فَإِنِي الْيَوْمَ أَبْصَرُ مِنْ بَصِيْرِ"