مفاوضات جنيف.. المجتمع الدولي يحشد جهوده للعمل على إحلال السلام في السودان
مفاوضات جنيف.. المجتمع الدولي يحشد جهوده للعمل على إحلال السلام في السودان
أكثر من 15 شهرا منذ اندلاع الأزمة في السودان دون التمكن من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجيش وقوات الدعم السريع وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وأكد المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو، أن اجتماعات جنيف لحلحلة الأزمة ستعقد في موعدها المحدد الأربعاء المقبل، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي يحشد جهوده للعمل على إحلال السلام في السودان.
وقال بيريلو إن اجتماعات جنيف ستركز على الخارطة الدولية والإقليمية.
ويشهد السودان حربا منذ أبريل 2023 بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو والجيش الذي يقوده عبدالفتاح البرهان، أوقعت إلى الآن عشرات آلاف القتلى وأدت إلى أزمة إنسانية.
شكوك وبدائل
هناك شكوك كبيرة تحيط بمشاركة الجيش السوداني في المفاوضات بجنيف، حيث قال قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الاثنين: "لن نشارك في أي مبادرة تفتقد العناصر الأساسية التي نص عليها إعلان جدة".
من جانبه أكد بيريلو عقد الاجتماعات حتى في ظل غياب أي طرف من الأطراف.
وأضح بيريلو على حسابه في منصة "إكس" الثلاثاء أنه "حان الوقت لتحقيق السلام في السودان.. المجتمع الدولي يحتشد هنا في جنيف من أجل الشعب السوداني وستتواصل جهودنا الدبلوماسية".
وشدد بيريلو على أنه في حال عدم التزام القوات المسلحة السودانية بالمشاركة، فسيتم التركيز على الخارطة الدولية والإقليمية، مضيفا "نعمل مع العديد من الأشخاص والدول والمنظمات المتعددة الأطراف في محاولة حل الأزمة، والعمل على ما يمكننا القيام به معا لوقف العنف ووصول المساعدات الإنسانية".
خريطة الطريق
ومن بين عدد من المبادرات الدولية والإقليمية التي أطلقت خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب، تبرز خارطة الطريق التي وضعتها الهيئة المعنية بالتنمية في إفريقيا "إيغاد" في مايو من العام الماضي، ووجدت دعما كبيرا من المجتمع الدولي.
وشملت أبرز النقاط التي توصلت إليها المبادرات الدولية والإقليمية التي جرت خلال الأشهر الماضية، الالتزام بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، ووقف إطلاق النار الدائم وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع.
كما شملت الإجراءات بناء ثقة تمثلت في القبض على الفارين من السجون وتسليم المطلوبين لدى الجنائية للعدالة الدولية وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير ومساعده أحمد هارون، وتفكيك تمكين نظام الإخوان الذي حكم البلاد منذ انقلاب 1989 وحتى سقوطه في أبريل 2019.
وأوصت تلك المبادرات ببناء وتأسيس جيش مهني وقومي من جميع القوات (الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة)، والنأي بالقوات المسلحة عن تبني أي إيدولوجيا أو انتماء حزبي.
أرقام وإحصائيات
تؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية.
وبعد اندلاع الحرب تم الإعلان عن تفشي 5 أمراض على الأقل، هي الكوليرا والملاريا والحصبة والتهاب السحايا وحمى الضنك.
وتم اكتشاف أكثر من 11 ألف حالة كوليرا، و1.6 مليون إصابة ملاريا، وحوالي 95 ألف حالة مشتبه بها لحمى الضنك، و4920 مريضا بالحصبة، و134 حالة لالتهاب السحايا.
وتعمل منظمة الصحة مع السلطات المحلية على الاستجابة لانتشار هذه الأمراض من خلال توفير الإمدادات وتوفير مشورة الخبراء.
وتواجه حوالي 7 آلاف امرأة حامل خطر الوفاة في الأشهر المقبلة، إذا لم يكن بإمكانهن الحصول على الغذاء والرعاية الصحية.
محاولات الحل السياسي في السودان
6 مايو 2023، بدأت "مفاوضات جدة"، التي دعت إليها السعودية وحلفاؤها الدوليون؛ الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمة الإيغاد، ممثلي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أسابيع قليلة فقط من اندلاع الحرب.
12 مايو 2023، أثمرت المحادثات في جدة توقيع اتفاق مبادئ أولي لوقف الأعمال العدائية بين الجانبين، بعد أن أكد الطرفان التزامهما به، وبالعمل على الامتناع عن أي هجوم من شأنه أن يتسبب بأضرار مدنية.
مع كل تلك التعهدات تواصلت الخروقات، واستؤنفت المعارك في الخرطوم والولايات في دارفور وكردفان.
12 يوليو 2023، استضافت إثيوبيا قمة إقليمية لدول شرق إفريقيا، لكن الجيش السوداني قاطعها، متهماً كينيا الراعي الرئيسي، بالتحيز.
13 يوليو 2023، دعت مصر دول جوار السودان لحضور قمة احتضنتها القاهرة، بمشاركة إريتريا، وإثيوبيا، وكينيا وجنوب السودان، بالإضافة إلى مشاركة دولية وإقليمية واسعة، في محاولة للتوسط بين الطرفين المتحاربين، بهدف إحداث مساعٍ رامية لمنع اندلاع حرب أهلية، وتفاقم الأزمة في البلاد.
لكنها أيضاً لم تكلل بنتيجة لوقف القتال، وتم تعليق المحادثات بسبب عدم التزام طرفي الحرب بها.
خسائر اقتصادية
قدر خبراء قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 و700 مليار دولار، محذرا من أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة.
وإلى جانب المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية، فقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
وبسبب الحرب انكمش الناتج القومي بأكثر من 40 بالمئة، وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمئة لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الإنتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الايرادات.
وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة، ودخل أكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة فقدان مصادر دخلهم في ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وتضاعفت أسعار السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيه، مقارنة مع 600 جنيه قبل اندلاع الحرب.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين في المناطق الصناعية ونهبوا كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي وحتى أسقف المباني وأجهزة التكييف والإضاءة.
جهات إفريقية فاعلة للحل السياسي:
منظمة الإيغاد (مجموعة اقتصادية إقليمية تعمل على التنمية بين بلدان شرق إفريقيا، تأسست عام 1996، ومقرها جيبوتي)، بجهود حثيثة في 3 مرات دعت فيها الأطراف المتحاربة خلال الأشهر الأولى للحرب إلى الجلوس والحوار.
جددت في 14 أبريل 2024، دعوتها إلى إنهاء الحرب بمناسبة مرور عام على حرب السودان، ووقف الأعمال العدائية.
مجلس السلم والأمن الإفريقي
طرح مجلس السلم والأمن الإفريقي التابع للاتحاد الإفريقي خريطة طريق في مايو 2023 لحل النزاع في السودان والمكونة من 6 نقاط، ودعا مرارا إلى اتخاذ إجراءات جريئة لمواجهة الأزمة المتفاقمة في البلاد.