«فورين بوليسي»: انتهاك حقوق النساء بيئة خصبة لنمو التطرف والعنف في سوريا
«فورين بوليسي»: انتهاك حقوق النساء بيئة خصبة لنمو التطرف والعنف في سوريا
شدد مدير الأمن الدولي في مؤسسة آسيا والمحيط الهادئ، ساجان م. جوهيل، على أن “القمع المستمر للنساء في مناطق النزاع في سوريا لا يعمق فقط معاناة النساء، بل يساهم بشكل غير مباشر في زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي”، مما يخلق بيئة خصبة لتفشي التطرف.
وأشار جوهيل في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، مساء الخميس، إلى أن “انتهاك حقوق النساء من قبل الجماعات المتطرفة لا يعكس فقط تراجعًا في حماية حقوق الإنسان، بل يعزز أيضًا الأيديولوجيات المتطرفة التي تهدد الأمن والسلامة في المنطقة”.
وقال جوهيل، إن “انتهاء حكم بشار الأسد في سوريا أدى إلى حدوث فراغ أمني واسع النطاق”، مما أدى إلى صراع بين الفصائل المختلفة للسيطرة على الأراضي السورية التي كانت قد مزقتها الحرب طوال أكثر من عقد من الزمن، وظهرت من بين هذه الفصائل "هيئة تحرير الشام" كأحد اللاعبين الرئيسيين في شمال غرب سوريا.
وأشار إلى أنه في بداية الأمر، كانت الهيئة مرتبطة بتنظيم القاعدة، إلا أنها سعت لاحقًا إلى الابتعاد عن جذورها المتطرفة، مدعيةً أنها أصبحت أكثر اعتدالًا وتركز على الحكم والإدارة، ومع ذلك، كان اختبار مدى صدق هذه الادعاءات يكمن في طريقة تعامل الهيئة مع النساء.
هيئة تحرير الشام وحقوق النساء
ولفت إلى انه قبل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، أظهرت "هيئة تحرير الشام" نهجًا قاسيًا تجاه حقوق النساء في محافظة إدلب، حيث فرضت قيودًا شديدة على لباسهن وتنقلاتهن وأدوارهن في الحياة العامة، كانت هذه الإجراءات مؤشرًا على الطموحات طويلة الأمد للهيئة في سوريا، مما أثار القلق بشأن مستقبل حقوق النساء في البلاد في ظل هذا النوع من السيطرة، وبذلك، يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لهيئة تحرير الشام أن تبتعد عن ماضيها المتطرف، أم أن سوريا ستنحدر إلى شكل آخر من أشكال الحكم الاستبدادي؟
وربط جوهيل بين القمع ضد النساء والأمن الدولي بشكل عميق، وهو الرابط الذي غالبًا ما يغفله المجتمع الدولي في مقاربته لقضايا الأمن العالمي، وهو يرى أن التمييز ضد النساء ليس مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل هو عامل حاسم في بروز التطرف والعنف، فعندما تُهمش حقوق النساء أو تُقمع بنشاط، فإن حالة عدم الاستقرار الاجتماعي التي تنجم عن هذه الانتهاكات تخلق بيئة خصبة لنمو الإرهاب.
وأكد أن تعزيز دور المجتمع المدني المحلي، بالإضافة إلى الدفاع عن حقوق النساء بشكل قوي، يمكن أن يساهم في تعزيز فرص سوريا لتطوير مجتمع تعددي يتمكن من مواجهة هذه التحديات، إذ إن منع قمع النساء يشكل عنصرًا أساسيًا في أي استراتيجية دولية لمكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار.
قمع النساء والتطرف
وشدد جوهيل على أنه “لطالما كان قمع النساء سمة مميزة للأنظمة الاستبدادية والجماعات المتطرفة التي تنشأ في ظل فراغات السلطة، ويؤدي انهيار السلطة المركزية، إلى جانب التدهور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، إلى تسريع انهيار المؤسسات والقوانين والنظم الاجتماعية، مما يخلق بيئة خصبة لظهور أيديولوجيات الهيمنة الذكورية والاستبدادية، وكثيرًا ما تنظر الجماعات المتطرفة إلى النساء كرموز للحداثة أو التأثير الغربي، وتستهدفهن لتعزيز سلطتها وسيطرتها على المجتمع”.
وأشار إلى أنه تاريخيا، نجد العديد من الأمثلة على كيف أصبح التمييز ضد النساء حجر الزاوية في الأنظمة الاستبدادية والجماعات المسلحة التي نشأت في بيئات غير خاضعة للحكم، وفي كل مرة حدثت فيها هذه الظواهر، تم تجاهل إشارات التحذير التي كانت تظهر في وقت مبكر.
عندما استعادت طالبان السلطة في عام 2021، ادعت أنها قامت بإصلاحات وتعهدت بمزيد من الشمولية، خاصة في ما يتعلق بحقوق النساء، ومع ذلك، وبعد أسابيع قليلة، أعادت فرض قيود صارمة على تعليم النساء وعملهن وحرياتهن الإعلامية.
وبالمثل، ظهرت داعش في عام 2014 وادعت أنها ستحقق السلام والأمن، إلا أنها حكمت من خلال العنف الشديد والإعدامات والعبودية وتدمير الثقافة، وخلال حملتها ضد الأيزيديين وغيرهم، استخدمت الجماعة الاغتصاب كسلاح، مختطفة النساء والفتيات، وأضافت مزيدًا من الوصمة على أولئك الذين عادوا إلى مجتمعاتهم بعد الأسر.
وفي إيران بعد الثورة، كان النظام الذي يقوده آية الله الخميني قد وعد في البداية بالحرية والمساواة، ولكنه سرعان ما عزز سلطته عبر القضاء على جماعات المعارضة والصحفيين والنشطاء الذين عارضوا رؤيته.
استهداف الناشطات والصحفيات
وحذر جوهيل، من أنه بالمثل، في سوريا، قد يشير استهداف هيئة تحرير الشام للنساء الناشطات والصحفيات والعاملات في المجال الإنساني اللاتي يعارضن سلطتها إلى تفضيل الهيئة للسيطرة على الإصلاح الحقيقي.
وفي مثال أخر، أشار جوهيل إلى أن انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا عام 2011 ساهم في فوضى أدت إلى تفشي القمع ضد النساء وتعميق الانقسامات الاجتماعية، على الرغم من أن النساء تمتعن بحقوق معينة في عهد القذافي، فإن ليبيا ما بعد القذافي شهدت تراجعًا في الحريات، مع فرض ميليشيات تفسيرات دينية متشددة.
تأثير الفراغ الأمني
وأكد أن الفراغات الأمنية، مثل تلك التي حدثت في أفغانستان وسوريا وليبيا، توفر بيئة ملائمة لنمو الأيديولوجيات الذكورية والمتطرفة، حيث غالبًا ما يتم استغلال الأعراف الدينية والتقليدية لتبرير إقصاء النساء عن أدوار الحكم واتخاذ القرارات، وفي مثل هذه البيئة، يزدهر التمييز ضد النساء دون رقابة، مما يسرع من العنف ضدهن، مثل الاعتداءات الجنسية والزواج القسري والاتجار بالبشر.
وفي غياب مؤسسات فعالة لحماية حقوق النساء، لا يُسمح فقط بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، بل يُعتبر أمرًا طبيعيًا.
وقد أظهرت هيئة تحرير الشام اتجاها لتقييد حقوق النساء في إدلب قبل وصولها إلى دمشق، فقد فرضت الهيئة قواعد صارمة على لباس النساء، حيث يتعين عليهن ارتداء ملابس محافظة مثل النقاب في الأماكن العامة، ويمكن أن تواجه النساء اللاتي لا يمتثلن لهذه القواعد غرامات أو إهانة علنية أو حتى احتجازًا من قبل شرطة الهيئة. كما فرضت الهيئة قيودًا شديدة على حركة النساء، حيث يتعين عليهن أن يكون لديهن مرافقة من ولي أمر ذكر للسفر أو الوصول إلى الأماكن العامة.
وعلى الرغم من أن الهيئة تدعي دعمها لتعليم النساء، فإنها في الواقع تقيد وصولهن إلى التعليم، وغالبًا ما يقتصر تعليم الفتيات على المواد الدينية والمهارات المنزلية، دون أن يكون هناك مجال للتطوير الأكاديمي أو المهني.
ويُسمح للنساء بالعمل في وظائف محددة فقط، مثل التدريس في مدارس الفتيات أو العمل في الرعاية الصحية في بيئات مخصصة للنساء فقط، وتبقى الفرص الوظيفية الأوسع محجوبة عنهن، مما يعزز اعتقاد الهيئة أن دور المرأة الأساسي يجب أن يكون داخل المنزل.
إعادة تحسين الهيئة لصورتها
عملت الهيئة جاهدة على إعادة تشكيل نفسها كمجموعة أكثر اعتدالًا وواقعية، مبتعدة عن ماضيها المتطرف وتركز على إدارة الأمور، وقام زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، ببذل جهود لتقديم نفسه كإصلاحي من خلال اللقاء مع المجتمعات المحلية ووعده بإعادة بناء المؤسسات، ومع ذلك، تثير علاقاته السابقة مع القاعدة، الشكوك حول صدق تلك الإصلاحات.
اختتم جوهيل مقاله، بالتأكيد أنه في الوقت الذي تقوم فيه العديد من الدول الغربية بمراجعة تصنيف هيئة تحرير الشام كجماعة إرهابية وتفكر في رفع العقوبات عنها، فإنها تتجاهل مدى ارتباط التمييز ضد النساء والإرهاب بشكل وثيق، إن معالجة حقوق النساء ليست مجرد مسألة أخلاقية، بل هي عنصر أساسي في استراتيجيات مكافحة الإرهاب والأمن الدولي، ومع مرور الوقت، يصبح من الأصعب كسر دائرة التمييز ضد النساء والعنف وعدم الاستقرار التي تغذي التطرف.