«الإيكونوميست»: الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان تهدد «السلام الهشّ»

«الإيكونوميست»: الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان تهدد «السلام الهشّ»
أوضاع إنسانية صعبة في جنوب السودان

كشفت مجلة "الإيكونوميست"، عن أن الأزمة الاقتصادية في جنوب السودان تهدد “السلام الهش” الذي تم بناؤه بعد سنوات من الحرب الأهلية، مشيرة إلى أنه منذ استقلاله في عام 2011، كان جنوب السودان ينظر إليه كدولة ذات إمكانيات واعدة، حيث يمتلك ثروات نفطية ضخمة ومعادن وأراضي زراعية شاسعة، إضافة إلى الدعم الدولي الكبير في مجالات الصحة والتعليم، لكن بعد أكثر من عقد على الاستقلال، تحولت آمال الدولة الوليدة إلى واقع قاسٍ، حيث تعاني من أزمة اقتصادية خانقة وصراع سياسي مستمر.

وأوضحت المجلة البريطانية في تقرير لها، الخميس، أنه منذ عام 2013، أدى اندلاع الحرب الأهلية إلى مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، وما زالت آثاره السلبية تلقي بظلالها على جميع جوانب الحياة في البلاد، ورغم توقيع اتفاقات لتقاسم السلطة، فإن فشل تطبيقها وتأجيل الانتخابات يعمق الأزمات الاقتصادية ويجعل من الصعب تحقيق الاستقرار في الدولة.

في ظل هذه الظروف، يواجه جنوب السودان تراجعًا حادًا في الإيرادات النفطية، مما يزيد من تعقيد الوضع المالي ويجعل البلاد معرضة لخطر تفشي الفوضى مجددًا.

تفاقم الأزمات الاقتصادية

شهد جنوب السودان اندلاع حرب أهلية عام 2013 بين مجموعتين عرقيتين رئيسيتين، مما أدى إلى مقتل نحو 400 ألف شخص وتهجير قرابة ثلث سكانه البالغ عددهم 11 مليون نسمة، وقد توقف القتال الأعنف بعد توقيع اتفاق لتقاسم السلطة في عام 2018، لكنه لم يحقق النتائج المرجوة، ولم يتم توحيد الجيش كما نص الاتفاق، ولم تُجرَ انتخابات كانت مقررة في 2024، حيث أُجلت إلى عام 2026.

وأثرت الحرب الأهلية في السودان المجاور بشكل كبير على جنوب السودان، حيث فرّ حوالي مليون لاجئ جنوبًا، وتراجعت التجارة عبر الحدود وزادت الأزمة سوءًا مع توقف خط الأنابيب الرئيسي الذي كان ينقل نحو ثلثي النفط المنتج إلى ساحل البحر الأحمر منذ فبراير 2024، حيث يشكل النفط المصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، حيث يساهم بأكثر من 85% من الموازنة العامة.

تدهور الأوضاع

عانى اقتصاد جنوب السودان انكماشًا حادًا بنسبة تجاوزت 25% خلال عام 2024، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، وتهاوت قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق مقابل الدولار، وارتفع معدل التضخم إلى حوالي 120%، مما جعل جنوب السودان ضمن الدول الأعلى تضخمًا في العالم.

وفي العاصمة جوبا، اشتكى المواطنون من الركود الاقتصادي الحاد، حيث لجأ البعض إلى استخدام أكوام من النقود لشراء احتياجات بسيطة، بينما أغلقت المدارس أبوابها بعد توقف المعلمين عن العمل لعدم تلقي رواتبهم.

وأكدت بائعة الأسماك ماري بيس في سوق جوبا أنها تواجه صعوبات كبيرة لتأمين احتياجاتها اليومية، مشيرة إلى أن "لا مال ولا عمل"، أما في وزارة المالية، فقد تكدست الطوابير من المواطنين الباحثين عن دعم مالي وسط شكاوى من غياب الموارد في الخزينة العامة.

تصاعد الجريمة وتفشي الفوضى 

شهدت البلاد تصاعدًا مقلقًا في معدلات الجريمة نتيجة الأزمة الاقتصادية، حيث أقام الجنود الذين لم تُدفع رواتبهم نقاط تفتيش مؤقتة لابتزاز الأموال من المارة، بينما أبلغت منظمات الإغاثة عن زيادة في عمليات السطو المسلح والخطف في المناطق الريفية.

وأكد وزير المالية، ماريال دونغرن، أن الحكومة تبذل جهودًا لمعالجة الأزمة الاقتصادية، مشيرًا إلى أن الأشهر التسعة الماضية دون عائدات النفط أثبتت الحاجة الملحة لإعادة هيكلة الاقتصاد.

وأوضح أن الحكومة تسعى لزيادة الصادرات الزراعية والمعدنية، وتحسين تحصيل الضرائب، وتقليل طباعة النقود، كما أعلنت الحكومة عن سعيها للحصول على قرض طارئ بقيمة 250 مليون دولار من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى دراسة بناء خط أنابيب نفط بديل عبر إثيوبيا إلى ميناء جيبوتي بالتعاون مع الصين.

أكثر من عقد على الاستقلال

بحسب المجلة لم تنجح الحكومة في تحقيق التنويع الاقتصادي رغم مرور أكثر من عقد على الاستقلال، واستمر الاعتماد على النفط كركيزة أساسية للاقتصاد، فيما ظلت الرواتب غير منتظمة حتى قبل توقف إنتاج النفط.

وواصل إنتاج النفط التراجع منذ ذروته عند 350 ألف برميل يوميًا عام 2011، وأعلنت شركة بتروناس الماليزية في أغسطس الماضي عن انسحابها من استثماراتها في حقول النفط بسبب ارتفاع التكاليف الناتجة عن تعطل خط الأنابيب.

وحذر تقرير "الإيكونوميست" من أن الأزمة الاقتصادية قد تتسبب في تجدد الصراعات الداخلية، مشيرة إلى أن الرئيس سلفا كير اعتمد منذ الاستقلال على عائدات النفط لتهدئة النزاعات بين النخب السياسية المتصارعة، لكن استمرار الأزمة يهدد بتقويض هذا التوازن الهش وإعادة البلاد إلى الحرب الأهلية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية